موسوعة الأخلاق والسلوك

عاشِرًا: أخطاءٌ شائعةٌ حولَ الشَّهامةِ


1- ليس من الشَّهامةِ الانتصارُ للمظلومِ من أقرِباءِ الظَّالمِ وذَويه ممَّا لا ذَنبَ لهم، وأخذُ البريءِ بجريرةِ المذنِبِ، كما كانت العَرَبُ تفعَلُ في الثَّأرِ للمقتولِ، فيتوسَّعون في القتلِ، ويُزهِقون أنفُسًا بغيرِ حَقٍّ أو يقتُلون غيرَ القاتِلِ؛ حَمِيَّةً وأنَفةً، وبداعي الشَّهامةِ والنَّجدةِ، وقد جاء الإسلامُ بنَبذِ ذلك وإبطالِه.
قال تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا [الإسراء: 33] .
قال الطَّبريُّ: (فَلَا تُسْرِفْ بمعنى الخِطابِ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والمرادُ به هو والأئمَّةُ من بعدِه، يقولُ: فلا تقتُلْ بالمقتولِ ظُلمًا غيرَ قاتِلِه، وذلك أنَّ أهلَ الجاهليَّةِ كانوا يفعلون ذلك إذا قَتَل رجلٌ رجلًا عَمَد وليُّ القتيلِ إلى الشَّريفِ من قبيلةِ القاتِلِ، فقَتَله بوَليِّه وترك القاتِلَ! فنهى اللهُ عزَّ وجَلَّ عن ذلك عبادَه، وقال لرسولِه عليه الصَّلاة والسَّلام: قَتْلُ غيرِ القاتِلِ بالمقتولِ مَعصيةٌ وسَرَفٌ، فلا تقتُلْ به غيرَ قاتِلِه، وإن قتَلْتَ القاتلَ بالمقتولِ فلا تُمَثِّلْ به) [5515] ((جامع البيان)) (14/584). .
وقال ابنُ كثيرٍ: (قال الهيثَمُ بنُ عَدِيٍّ: جاء رجلٌ إلى الحَجَّاجِ، فقال: إنَّ أخي خرجَ مع ابنِ الأشعَثِ، فضُرِبَ على اسمي في الدِّيوانِ، ومُنِعْتُ العطاءَ، وقد هُدِمَت داري! فقال الحجَّاجُ: أمَا سَمِعتَ قولَ الشَّاعِرِ:
جانيك من يجني عليك وقد
تُعْدي الصِّحاحَ مَبارِكُ الجُرْبِ
ولرُبَّ مأخوذٍ بذَنبِ قَريبِه
ونجا المقارِفُ صاحِبُ الذَّنبِ
فقال الرَّجُلُ: أيُّها الأميرُ، إنِّي سَمِعتُ اللهَ يقولُ غيرَ هذا، وقولُ اللهِ أصدَقُ من هذا. قال: وما قال؟ قال: قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ [يوسف: 78 - 79] . قال: يا غلامُ، أعِدِ اسمَه في الدِّيوانِ، وابنِ دارَه، وأعطِه عَطاءَه، ومُرْ مناديًا ينادي: صَدَق اللهُ، وكَذَب الشَّاعِرُ!) [5516] ((البداية والنهاية)) (12/ 523). .
2-ومن ذلك جَعْلُ معيارِ الصَّوابِ والخَطَأِ والحَقِّ والباطِلِ العشيرةَ والقبيلةَ والوَطَنَ؛ فنُصرةُ العشيرةِ والقبيلةِ على كُلِّ حالٍ بحَقٍّ أو بباطِلٍ: هي حَدُّ الشَّهامةِ! وفي هذا يقولُ شاعِرُهم:
وما أنا إلَّا مِن غَزِيَّةَ إن غَوَت
غَوَيتُ وإن تَرشُدْ غَزِيَّةُ أرشُدِ.
(كأنَّه قال: ما أنا إلَّا من غَزِيَّةَ في حالتَيِ الغَيِّ والرَّشادِ، فإن عَدَلوا عن الصَّوابِ عَدَلْتُ معهم، وإن اقتَحَموه اقتَحَمْتُ بهم!) [5517] ((شرح ديوان الحماسة)) للمرزوقي (ص: 577). .
وهذه الأخلاقُ محضُ تعصُّبٍ وجهالةٍ، وليست من الشَّهامةِ المحمودةِ.

انظر أيضا: