موسوعة الأخلاق والسلوك

د- نماذِجُ من الشَّهامةِ عندَ السَّلَفِ


- شهامةُ عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ مع أهلِ الذِّمَّةِ:
عن جَسْرٍ أبي جعفَرٍ قال: شَهِدتُ كِتابَ عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ إلى عَدِيِّ بنِ أرطاةَ، قُرِئ علينا بالبصرةِ: (أمَّا بعدُ، فإنَّ اللهَ سُبحانَه إنَّما أمر أن تؤخَذَ الجزيةُ ممَّن رَغِب عن الإسلامِ واختار الكُفرَ عِتِيًّا وخُسرانًا مُبينًا، فضَعِ الجزيةَ على من أطاق حَمْلَها وخَلِّ بينهم وبين عِمارةِ الأرضِ؛ فإنَّ في ذلك صلاحًا لمعاشِ المُسلِمين وقوَّةً على عَدُوِّهم، وانظُرْ مَن قِبَلَك من أهلِ الذِّمَّةِ قد كَبِرَت سِنُّه، وضَعُفَت قُوَّتُه، وولَّت عنه المكاسِبُ ، فأجْرِ عليه من بيتِ مالِ المُسلِمين ما يُصلِحُه، فلو أنَّ رجلًا من المسلمين كان له مملوكٌ كَبِرَت سنُّه وضَعُفَت قوَّتُه ووَلَّت عنه المكاسِبُ كان من الحَقِّ عليه أن يَقُوتَه حتى يُفَرِّقَ بينهما موتٌ أو عِتقٌ) [5503] ((الأموال)) للقاسم بن سلام (ص: 56). .
- شَهامةُ عليِّ بنِ الحُسَينِ مع جاريتِه:
جعلت جاريةٌ لعليِّ بنِ الحُسَينِ تسكُبُ عليه الماءَ يتهَيَّأُ للصَّلاةِ فسقَطَ الإبريقُ من يدِ الجاريةِ على وَجهِه فشَجَّه، فرفع عليُّ بنُ الحُسَينِ رأسَه إليها، فقالت الجاريةُ: إنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ يقولُ: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ،  فقال لها: قد كظَمْتُ غيظي. قالت: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ، قال: قد عفا اللهُ عنكِ. قالت: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 134] ، قال: فاذهَبي فأنتِ حُرَّةٌ [5504] ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (41/387). .
- شهامةُ بِشرِ بنِ الحارِثِ مع رجُلٍ أتاه يشكو حاجةً:
قال عبَّاسُ بنُ دهقانَ: (ما خرج أحدٌ من الدُّنيا كما دخلها إلَّا بِشرُ بنُ الحارثِ؛ فإنَّه أتاه رجلٌ في مرضِه فشكا إليه الحاجةَ فنزع قميصَه وأعطاه إيَّاه، واستعار ثوبًا فمات فيه) [5505] ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/ 258). .
- شهامةُ الحسَنِ البَصريِّ في قضاءِ حوائِجِ إخوانِه:
عن الحَسَنِ قال: (لأن أقضِيَ لأخٍ لي حاجةً أحَبُّ إليَّ من أن أعتَكِفَ شَهرينِ) [5506] ((قضاء الحوائج)) لابن أبي الدنيا (ص: 48). .
- شهامةُ أبي عُثمانَ الحِيريِّ:
عن مريمَ امرأةِ أبي عثمانَ، تقولُ: (صادَفْتُ من أبي عثمانَ خَلوةً فاغتنَمْتُها، فقلتُ: يا أبا عثمانَ، أيُّ عمَلِك أرجى عندَك؟ فقال: يا مريمُ لَمَّا ترعرعْتُ وأنا بالرَّيِّ، وكانوا يريدونَني على التَّزويجِ فأمتَنِعُ، جاءتني امرأةٌ، فقالت: يا أبا عُثمانَ، قد أحببتُك حُبًّا أذهَبَ بنومي وقراري، وأنا أسألُك بمُقَلِّبِ القُلوبِ، وأتوسَّلُ به إليك أن تَزَوَّجَ بي. قلتُ: ألكِ والِدٌ؟ قالت: نعم، فلانٌ الخيَّاطُ في موضِعِ كذا وكذا.
فراسَلْتُ أباها أن يُزَوِّجَها مني، ففَرِحَ بذلك، وأحضَرْتُ الشُّهودَ فتزوَّجْتُ بها، فلمَّا دخلتُ بها وجَدْتُها عوراءَ عَرْجاءَ مُشَوَّهةَ الخَلقِ، فقُلتُ: اللهُمَّ لك الحَمدُ على ما قدَّرْتَه لي! وكان أهلُ بيتي يلومونَني على ذلك فأزيدُها بِرًّا وإكرامًا، إلى أن صارت بحيثُ لا تدَعُني أخرجُ مِن عندها، فتركتُ حُضورَ المجالسِ إيثارًا لرِضاها وحِفظًا لقَلبِها، ثمَّ بقيتُ معها على هذه الحالِ خمسَ عَشرةَ سَنةً، وكأنِّي في بعِض أوقاتي على الجَمرِ وأنا لا أُبدي لها شيئًا من ذلك إلى أن ماتت، فما شيءٌ أرجى عندي من حِفظي عليها ما كان في قَلْبِها من جِهَتي) [5507] أخرجه الخطيب في ((تاريخ بغداد)) (10/ 145، 146). .

انظر أيضا: