موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- من القرآنِ الكريمِ


- قال اللَّه تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 199] .
قال السَّعديُّ: (هذه الآيةُ جامعةٌ لحُسنِ الخُلُقِ مع النَّاسِ، وما ينبغي في معاملتِهم؛ فالذي ينبغي أن يُعامِلَ به النَّاسَ: أن يأخُذَ العَفوَ، أي: ما سمَحَت به أنفُسُهم، وما سَهُل عليهم من الأعمالِ والأخلاقِ... ويتجاوَزَ عن تقصيرِهم، ويَغُضَّ طَرْفَه عن نقصِهم) [4869] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 313). .
فمعنى قولِه: خُذِ الْعَفْوَ: أي: خُذْ ما أتى من النَّاسِ عَفوًا، لا تُكَلِّفْهم بما يَشُقُّ عليهم ويُستعصى من الأفعالِ، بل كُنْ سَمِحًا سهلًا [4870] ((التفسير الواضح)) لحجازي (1/ 799). .
- وقال سُبحانَه: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة: 237] .
قال ابنُ عاشورٍ: (ومعنى كونِ العَفوِ أقرَبَ للتَّقوى: أنَّ العفوَ أقرَبُ إلى صفةِ التَّقوى من التَّمسُّكِ بالحَقِّ؛ لأنَّ التَّمسُّكَ بالحقِّ لا ينافي التَّقوى، لكِنَّه يؤذِنُ بتصَلُّبِ صاحِبِه وشِدَّتِه، والعفوُ يُؤذِنُ بسماحةِ صاحِبِه ورحمتِه، والقَلبُ المطبوعُ على السَّماحةِ والرَّحمةِ أقرَبُ إلى التَّقوى من القَلبِ الصُّلبِ الشَّديدِ؛ لأنَّ التَّقوى تقرُبُ بمقدارِ قُوَّةِ الوازعِ، والوازعُ شَرعيٌّ وطبيعيٌّ، وفي القلبِ المفطورِ على الرَّأفةِ والسَّماحةِ لينٌ يَزَعُه عن المظالِمِ والقساوةِ، فتكونُ التَّقوى أقرَبَ إليه؛ لكثرةِ أسبابِها فيه) [4871] ((التحرير والتنوير)) (2/465). .
- ونفى اللهُ عن رسولِه الفظاظةَ، وغِلَظَ القلبِ، فقال تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران: 159] .
قال السَّعديُّ: (أي: برحمةِ اللهِ لك ولأصحابِك مَنَّ اللهُ عليك أن ألَنْتَ لهم جانِبَك، وخفَضْتَ لهم جَناحَك، وترقَّقْتَ عليهم، وحَسَّنْتَ لهم خُلُقَك؛ فاجتمعوا عليك وأحبُّوك، وامتثلوا أمرَك. وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا، أي: سَيِّئَ الخُلُقِ غَلِيظَ الْقَلْبِ أي: قاسِيَه، لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ؛ لأنَّ هذا يُنَفِّرُهم ويُبغِّضُهم لمن قام به هذا الخُلُقِ السَّيِّئِ) [4872] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 154). .
- وقال تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ [الأعراف: 157] .
قال ابنُ كثيرٍ: (قولُه: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ أي: إنَّه جاء بالتَّيسيرِ والسَّماحةِ) [4873] ((تفسير القرآن العظيم)) (3/488). .
- وقال تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 280] .
ففي هذه الآيةِ (وجَّه اللهُ الدَّائنين إلى التَّيسيرِ على المدينينَ المُعسِرين، فعَلَّمهم اللهُ بذلك سماحةَ النَّفسِ، وحُسنَ التَّغاضي عن المُعسِرين) [4874] ((الأخلاق الإسلامية)) لعبد الرحمن الميداني (2/467). .

انظر أيضا: