موسوعة الأخلاق والسلوك

سابعًا: الوسائِلُ المُعينةُ على سلامةِ الصَّدرِ


1- الإخلاصُ للهِ تبارك وتعالى، ومناصَحةُ أئمَّةِ المُسلِمين، ولزومُ جماعتِهم: هذه الخِصالُ تنفي الغِلَّ، وغِشَّ القَلبِ، وسَخائِمَه، وفسادَه، وحِقدَه، وهذا تصديقًا لقولِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الحديثِ الذي رواه زيدُ بنُ ثابتٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ثلاثُ خِصالٍ لا يَغِلُّ عليهنَّ قَلبُ مُسلِمٍ أبَدًا: إخلاصُ العَمَلِ للهِ، ومناصَحةُ وُلاةِ الأمرِ، ولُزومُ الجماعةِ؛ فإنَّ دعوتَهم تُحيطُ مِن ورائِهم)) [4808] رواه ابنُ ماجه (230)، وأحمد (21590) مطوَّلًا. صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (67)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (230)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (358)، وصحَّح إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (21590). . قال ابنُ الأثيرِ: (إنَّ هذه الخِلالَ الثَّلاثَ تُستصلَحُ بها القلوبُ، فمَن تمسَّك بها طَهُر قلبُه من الخيانةِ والدَّخَلِ والشَّرِّ) [4809] ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (3/381). .
2- الإقبالُ على كتابِ اللهِ تعالى قراءةً وتعَلُّمًا وتعليمًا؛ فهو شفاءٌ لِما في الصُّدورِ، كما قال اللهُ تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس: 57] .
3- الدُّعاءُ، فهو العِلاجُ النَّاجِعُ والدَّواءُ النَّافِعُ، فيدعو العبدُ مولاه أن يجعَلَ قَلبَه سليمًا من الضَّغائِنِ والأحقادِ على إخوانِه المُؤمِنين؛ قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر: 10] .
وكان من دُعاءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((رَبِّ... تقبَّلْ توبتي، واغسِلْ حَوبتي [4810] أي: امْحُ ذنبي. يُنظَر: ((عون المعبود)) للعظيم آبادي (4/ 264). ، وأجِبْ دَعوتي، وثَبِّتْ حُجَّتي، واهْدِ قَلبي، وسَدِّدْ لِساني، واسْلُلْ سَخيمةَ قلبي)) [4811] رواه أبو داود (1510)، والترمذي (3551)، وابن ماجه (3830) من حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما. قال الترمذي: حَسَنٌ صحيحٌ. وصحَّحه البغوي في ((شرح السنة)) (5/176)، وابن القيم في ((الوابل الصيب)) (196)، وحسَّنه ابنُ حجر في ((الأمالي المطلقة)) (206)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (3485). .
((واسْلُلْ))، أي: أخرِجْ ((سخيمةَ قَلبي)) أي: غِشَّه وغِلَّه وحِقدَه وحَسَدَه، ونحوَها ممَّا ينشَأُ من الصَّدرِ ويَسكُنُ في القَلبِ من مساوِئِ الأخلاقِ [4812] ((عون المعبود)) للعظيم آبادي (4/ 264). .
4- التَّخلُّقُ بالأخلاقِ التي تزيدُ من المحبَّةِ والألفةِ بَيْنَ المُؤمِنين، كالبَشاشةِ والتَّبسُّمِ، وإفشاءِ السَّلامِ، وإهداءِ الهَدِيَّةِ وغَيرِها؛ فإنَّ هذه الأخلاقَ كفيلةٌ بانتزاعِ سَخيمةِ القُلوبِ، وأعلاقِ الصُّدورِ، فتُصبِحُ نقيَّةً صافيةً.
5- الابتعادُ عن كُلِّ ما من شأنِه أن يُفسِدَ الوُدَّ، ويُعَكِّرَ صَفْوَ الصُّدورِ، فيبتَعِدُ المُؤمِنُ عن الأخلاقِ الرَّديَّةِ، كالحَسَدِ والغِلِّ والحِقدِ، والظَّنِّ السَّيِّئِ، وغيرِها.
عن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا تَباغَضوا، ولا تَحاسَدوا، ولا تَدابَروا، وكونوا عبادَ اللهِ إخوانًا)) [4813] رواه البخاري (6076) واللفظ له، ومسلم (2558). .
6- رِضا العبدِ بما قسَّمه اللهُ تعالى؛ قال ابنُ القَيِّمِ: (إنَّ الرِّضا يفتَحُ له بابَ السَّلامةِ، فيَجعَلُ قلبَه سليمًا نقيًّا من الغِشِّ والدَّغَلِ والغِلِّ، ولا ينجو من عذابِ اللهِ إلَّا من أتى اللهَ بقَلبٍ سليمٍ، كذلك وتستحيلُ سلامةُ القلبِ مع السَّخَطِ وعَدَمِ الرِّضا، وكلَّما كان العبدُ أشَدَّ رِضًا، كان قلبُه أسلَمَ) [4814] ((مدارج السالكين)) (2/201). .
7- سَدُّ البابِ أمامَ الوُشاةِ والنَّمَّامين الذين ينقُلون الكلامَ ويُوغِرون الصُّدورَ، وعَدَمَ الاستِماعِ إلى كلامِهم.
8- أداءُ الحُقوقِ إلى أصحابِها والمسامحةُ فيها؛ فعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن كانت له مَظلَمةٌ لأحَدٍ مِن عِرضِه أو شيءٍ، فليتحَلَّلْه منه اليومَ قَبلَ ألَّا يكونَ دينارٌ ولا دِرهَمٌ...)) [4815] أخرجه البخاري (2449). . (ذلك نُصحُ الإسلامِ لِمَن عليه الحَقُّ، أمَّا من له الحَقُّ فقد رَغَّب إليه أن يُلينَ ويَسمَحَ، وأن يمسَحَ أخطاءَ الأمسِ بقَبولِ المعذِرةِ، عندما يجيءُ له أخوه معتَذِرًا ومُستغفِرًا) [4816] ((خلق المسلم)) لمحمد الغزالي (ص: 82). .
9- حُسنُ الظَّنِّ بالمُؤمِنين؛ قال تعالى: لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ [النور: 12] ، وفيه دليلٌ على أنَّ الواجِبَ فيمن كان ظاهِرُه العدالةَ أن يُظَنَّ به خيرٌ [4817] يُنظَر: ((تفسير الرازي)) (23/341). .
10- تسويةُ الصُّفوفِ في الصَّلاةِ؛ فعن النُّعمانِ بنِ بشيرٍ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لَتُسَوُّنَّ صُفوفَكم، أو ليُخالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجوهِكم)) [4818] أخرجه البخاري (717)، ومسلم (436). .
قال ابنُ دقيقِ العيدِ: (قَولُه: ((أو ليُخالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجوهِكم))، معناه: إن لم تُسَوُّوا؛ لأنَّه قابَلَ بَيْنَ التَّسويةِ وبَينَه، أي: الواقِعُ أحَدُ الأمرَينِ: إمَّا التَّسويةُ، أو المخالفةُ. وكان يَظهَرُ لي في قَولِه: ((أو ليخالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجوهِكم)) أنَّه راجِعٌ إلى اختلافِ القُلوبِ، وتغَيُّرِ بعضِهم على بعضٍ، فإنَّ تقَدُّمَ إنسانٍ على الشَّخصِ أو على الجماعةِ، وتخليفَه إيَّاهم، من غيرِ أن يكونَ مُقامًا للإمامةِ بهم: قد يوغِرُ صُدورَهم. وهو مُوجِبٌ لاختلافِ قُلوبِهم. فعَبَّرَ عنه بمخالفةِ وُجوهِهم؛ لأنَّ المختَلِفينِ في التَّباعُدِ والتَّقارُبِ يأخُذُ كُلُّ واحدٍ منهما غيرَ وَجهِ الآخَرِ. فإنْ شِئتَ بعدَ ذلك أن تجعَلَ «الوَجْهَ» بمعنى «الجهةِ»، وإن شِئتَ أن تجعَلَ «الوَجهَ» مُعبَّرًا به عن اختلافِ المقاصِدِ وتبايُنِ النُّفوسِ؛ فإنَّ مَن تباعَد عن غيرِه وتنافَرَ، زوى وجهَه عنه. فيكونُ المقصودُ التَّحذيرَ من وقوعِ التَّباغُضِ والتَّنافُرِ) [4819] ((إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام)) (1/ 218). .
11- معرفةُ فَضلِ سَلامةِ الصَّدرِ وعِظَمِ شأنِه؛ قال بعضُ السَّلَفِ: (أفضَلُ الأعمالِ سلامةُ الصُّدورِ، وسَخاوةُ النُّفوسِ، والنَّصيحةُ للأمَّةِ، وبهذه الخِصالِ بَلَغ مَن بَلَغ لا بكثرةِ الاجتهادِ في الصَّومِ والصَّلاةِ) [4820] ((لطائف المعارف)) لابن رجب (ص: 139). .
12- الابتعادُ عن الوُقوعِ في الذُّنوبِ والمعاصي؛ لأنَّها أسبابُ كُلِّ شَرٍّ [4821] ((سلامة الصدر)) لسعيد بن وهف القحطاني (ص: 43). .
13- دَفعُ السَّيِّئةِ بالحَسَنةِ، والاستعاذةُ باللهِ من الشَّيطانِ الرَّجيمِ؛ قال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ * وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ [المُؤمِنون: 96 - 98] ، وقال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فصلت: 34 - 36] .
14- العَمَلُ على تقويةِ الإيمانِ وزيادةِ العِلمِ.
15- صيامُ شَهرِ رَمَضانَ وثلاثةِ أيَّامٍ من كُلِّ شَهرٍ؛ فقد قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صومُ شَهرِ الصَّبرِ وثلاثةِ أيَّامٍ من كُلِّ شَهرٍ يُذهِبْنَ وَحَرَ الصَّدرِ)) [4822] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (37790)، وأحمد في ((المسند)) (23070). قال الألباني في ((صحيح الترغيب)) (1032): حسنٌ صحيحٌ. وصحَّح إسنادَه شعيب في تخريج ((المسند)) (23070). ، أي: غِشَّه أو حِقدَه أو غَيظَه أو نِفاقَه -بحيثُ لا يبقى فيه رَينٌ- أو العَداوةَ أو أشَدَّ الغَضَبِ [4823] ((فيض القدير)) للمناوي (4/ 211). .
16- أن يَنظُرَ المرءُ إلى مَن هو دونَه، ولا ينظُرَ إلى مَن هو فَوقَه، في العافيةِ والرِّزقِ وتوابِعِهما [4824] ((سلامة الصدر)) لسعيد بن وهف القحطاني (ص: 45). .

انظر أيضا: