موسوعة الأخلاق والسلوك

د- نماذِجُ مِن السَّترِ عندَ العُلَماءِ المُعاصِرينَ


- عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ وسَترُه على النَّاسِ:
كان مِن عادةِ أهلِ سوقِ عُنَيزةَ ذلك الوَقتَ خاصَّةً الذين يبيعونَ الحِنطةَ أنَّهم يترُكونَ وقتَ الضُّحى أو الظُّهرِ أكياسَ الحِنطةَ بالشَّارِعِ خارِجَ الدَّكاكينِ؛ لثِقتِهم بالأمنِ، وفي أحدِ الأيَّامِ وفي فترةِ صلاةِ الظُّهرِ قام رجُلٌ فقيرٌ (مِن قُرى القَصيمِ) بسرقةِ كيسِ حِنطةٍ مِن الشَّارِعِ وقتَ انشِغالِ النَّاسِ بصلاةِ الظُّهرِ، وهرَب به، لكن قدَّر اللهُ أنَّ رجُلًا كان ذاهِبًا إلى مسجِدٍ، فقابَل هذا السَّارِقَ وهو يحمِلُ الكيسَ، فلم يَدُرْ في ذِهنِه أنَّ الكيسَ مسروقٌ، وأنَّ الرَّجلَ سارِقٌ، فلمَّا علِم هذا الرَّجلُ بَعدَ خُروجِه مِن الصَّلاةِ وبَعدَ سَماعِ خبرِ السَّرقةِ مِن أهلِ السُّوقِ، تذكَّر الرَّجلَ الذي صادَفه في أثناءِ ذَهابِه للصَّلاةِ، وكان يعرِفُه ويعرِفُ بَيتَه، لكنَّه لم يتكلَّمْ، وكتَم الأمرَ، ثُمَّ احتار في وَضعِه: هل يُبلِّغُ عنه أو يسكُتُ عنه؟ ماذا يعمَلُ، فهداه اللهُ إلى إخبارِ الشَّيخِ عبدِ الرَّحمنِ السَّعديِّ بما شاهَده، فقال له السَّعديُّ: لا تُخبِرْ بما شاهَدْتَ أحدًا مِن النَّاسِ، ولكن اذهَبْ إلى الرَّجلِ واذكُرْ له ما شاهَدْتَه، واطلُبْ منه أن يُرجِعَ الكيسَ إلى مَحلِّه الذي أخَذه منه في اليومِ الفُلانيِّ وفي السَّاعةِ الفلانيَّةِ، وأمهِلْه يومًا إلى ثلاثةِ أيَّامٍ، وفِعلًا ذهَب هذا الشَّاهِدُ دونَ عِلمِ أحدٍ مِن النَّاسِ إلى ذلك الرَّجلِ في بَيتِه، وطلَب منه أن يُرجِعَ الكيسَ إلى الدُّكَّانِ الذي أخَذه منه؛ لأنَّ الكيسَ مسروقٌ، وبَعدَ ثلاثةِ أيَّامٍ لم يُرجِعِ السَّارِقُ الكيسَ، فأخبَر الشَّاهِدُ الشَّيخَ بأمرِ الرَّجلِ، فقال له: اذهَبْ إليه مرَّةً ثانيةً، وقُلْ له: إذا ما رجَع الكيسُ فسوف نُبلِّغُ الأميرَ بالأمرِ وبما شاهَدْتُه، وسوف تُفتضَحُ عندَ اللهِ وعندَ خَلقِه، لكن أرجِعِ الكيسَ إلى مكانِه، وتُبْ إلى اللهِ، واللهُ يستُرُ عليك، فذهَب الشَّاهِدُ إلى السَّارِقِ وحذَّره بأن يُبلِّغَ الأميرَ، فلمَّا أصبَح النَّاسُ مِن اليومِ الرَّابِعِ سُمِعَ بالسُّوقِ مَن يُنادي بأنَّ الكيسَ المسروقَ قد رجَع إلى صاحِبِه، فقال الوالِدُ: الحَمدُ للهِ حدَث المقصودُ، وهذا مِن حِكمةِ الشَّيخِ السَّعديِّ، وسَترِه على النَّاسِ، وانتهَت القِصَّةُ دونَ أن يعلَمَ أحدٌ مَن هو السَّارِقُ [4636] يُنظر: ((مواقف اجتماعية من حياة الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي)) لولده وحفيده (ص: 123-124). .

انظر أيضا: