موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- نماذِجُ من السَّتر عندَ الصَّحابةِ


- أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رضِي اللهُ عنه وحبُّه للسَّترِ على العُصاةِ:
قال أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رضِي اللهُ عنه: (لو أخذْتُ سارِقًا لأحببْتُ أن يستُرَه اللهُ عزَّ وجلَّ، ولو أخذْتُ شارِبًا لأحببْتُ أن يستُرَه اللهُ عزَّ وجلَّ) [4622] رواه من طرق: ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (5783) واللفظ له، وابن أبي شيبة (28664)، والخرائطي في ((مكارم الأخلاق)) (440) مطوَّلًا. صحَّح إسنادَه ابنُ حجر في ((الإصابة)) (1/575)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (6/430). .
- عُمرُ رضِي اللهُ عنه يأمُرُ بالسَّترِ
عن أبي الشَّعثاءِ قال: (كان شُرَحبيلُ بنُ السِّمْطِ على جيشٍ، فقال لجيشِه: إنَّكم نزَلْتُم أرضًا كثيرةَ النِّساءِ والشَّرابِ -يعني الخَمرَ- فمَن أصاب منكم حدًّا فلْيَأتِنا فنُطهِّرَه، فأتاه ناسٌ، فبلَغ ذلك عُمرَ بنَ الخطَّابِ، فكتَب إليه: أنت لا أُمَّ لك الذي يأمُرُ النَّاسَ أن يهتِكوا سِترَ اللهِ الذي ستَرهم به!) [4623] رواه عبد الرزاق (9371) واللفظ له، وهناد في ((الزهد)) (2/646)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (22/461). .
وعن عامِرٍ قال: جاءت امرأةٌ إلى عُمرَ، فقالت: (يا أميرَ المُؤمِنينَ، إنِّي وجدْتُ صبيًّا، ووجدْتُ معَه قُبطيَّةً [4624] القُبْطيَّةُ: الثَّوبُ من ثيابِ مِصرَ، رقيقةٌ بيضاءُ. يُنظر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) (4/ 6). فيها مائةُ دينارٍ، فأخذْتُه واستَأجَرْتُ له ظِئرًا [4625] الظِّئرُ: المُرضِعةُ. يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (4/ 514). ، وإنَّ أربَعَ نِسوةٍ يأتينَه فيُقبِّلْنَه، لا أدري أيُّهنَّ أمُّه، فقال لها: إذا هُنَّ أتَينَكِ فأعلِميني، ففعلَتْ، فقال لامرأةٍ منهنَّ: أيَّتُكنَّ أمُّ هذا الصَّبيِّ؟  فقالت: واللهِ ما أحسَنْتَ ولا أجمَلْتَ يا عُمرُ، تعمِدُ إلى امرأةٍ ستَر اللهُ عليها فتُريدُ أن تهتِكَ سِترَها! قال: صدقْتِ، ثُمَّ قال للمرأةِ: إذا أتينَكِ فلا تسأليهنَّ عن شيءٍ، وأحسِني إلى صبيِّهنَّ، ثُمَّ انصرَف) [4626] أخرجه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (12/ 161، 162). .
- عائِشةُ رضِي اللهُ عنها تحُثُّ على السَّترِ:
عن مَريَمَ بنتِ طارِقٍ: (أنَّ امرأةً قالت لعائِشةَ رضِي اللهُ عنها: يا أمَّ المُؤمِنينَ، إنَّ كَرِيًّا أخَذ بساقي [4627] الكَرِيُّ: الذي يكري دابَّته. يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (15/219). وأنا مُحرِمةٌ، فقالت رضِي الله عنها: حِجرًا حِجرًا حِجرًا [4628] حَجْرًا، أي: سَترًا وبراءةً من هذا الأمرِ. يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (4/167). ! وأعرضَتْ بوَجهِها، وقالت بكَفِّها، وقالت: يا نساءَ المُؤمِنينَ، إذا أذنَبَت إحداكنَّ ذنبًا، فلا تُخبِرَنَّ به النَّاسَ، ولْتستغفِرِ اللهَ تعالى، ولْتتُبْ إليه؛ فإنَّ العِبادَ يُعيِّرونَ ولا يُغيِّرونَ، واللهُ تعالى يُغيِّرُ ولا يُعَيِّرُ) [4629] رواه الخرائطي في ((مكارم الأخلاق)) (451). .
- تذكيرُ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ رضِي اللهُ عنه لعُمرَ رضِي اللهُ عنه:
عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ رضِي اللهُ عنه: (أنَّه حرَس ليلةً معَ عُمرَ بنِ الخطَّابِ رضِي اللهُ عنه بالمدينةِ، فبَينَما هم يمشونَ شبَّ لهم سِراجٌ في بَيتٍ، فانطَلقوا يؤُمُّونَه [4630] أي: يَقصِدونه ويتوجَّهون إليه. يُنظر: ((تاج العروس)) للزبيدي (31/ 227). ، حتَّى إذا دنَوا منه إذا بابٌ مُجافٍ على قومٍ لهم فيه أصواتٌ مُرتفِعةٌ، فقال عُمرُ رضِي اللهُ عنه، وأخَذ بيدِ عبدِ الرَّحمنِ: أتدري بَيتُ مَن هذا؟ قال: لا، قال: هذا بَيتُ رَبيعةَ بنِ أميَّةَ بنِ خَلفٍ، وهُم الآنَ شَرْبٌ فما ترى؟ فقال عبدُ الرَّحمنِ: أرى قد أتَينا ما نهى اللهُ عنه، نهانا اللهُ عزَّ وجلَّ، فقال: وَلَا تَجَسَّسُوا [الحجرات: 12] ؛ فقد تجسَّسْنا. فانصرَف عُمرُ عنهم، وتَركهم) [4631] أخرجه عبد الرزاق (18943)، والحاكم (8136) واللفظ له، والبيهقي (18080). صحَّح إسنادَه الحاكم، والذهبي في ((المهذب)) (7/3482). .

انظر أيضا: