موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- نماذِجُ مِن الإصلاحِ عندَ الأنبياءِ والمُرسَلينَ


اتَّجهَت جُهودُ الأنبياءِ إلى إصلاحِ عقائِدِ المُجتمَعاتِ قَبلَ كُلِّ شيءٍ، كُلُّ نبيٍّ أرسَله اللهُ سبحانَه يدعو قومَه إلى إصلاحِ العقيدةِ، وإزالةِ فسادِ المُعتقَداتِ الباطِلةِ وما أدَّت إليه مِن انحِرافاتٍ أخلاقيَّةٍ وسُلوكيَّةٍ؛ ولذلك وُصِفَت دَعواتُ الأنبياءِ عليهم السَّلامُ بأنَّها دَعَواتُ إصلاحٍ.
وكانت أولى خَطواتِ الإصلاحِ وأهمَّها لدى الأنبياءِ الدَّعوةُ إلى عبادةِ اللهِ وحدَه ونَبذِ الشِّركِ؛ قال تعالى:وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: 36] ، وقال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: 59] ، وقال تعالى: وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: 65] ، وقال تعالى: وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: 73] ،
وقال تعالى: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: 85] ، وقال تعالى: وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مِنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة: 72] .
قال ابنُ عُثَيمينَ: (الرُّسلُ ما جاءت إلَّا لإصلاحِ الخَلقِ، والخَلقُ لا يُمكِنُ صلاحُهم ولا إصلاحُهم إلَّا إذا قاموا بتوحيدِ اللهِ سبحانَه وتعالى، فإن لم يقوموا بتوحيدِه تشتَّتَت قُلوبُهم، وصار كُلُّ واحِدٍ منهم يذهَبُ مَذهَبًا غَيرَ الآخَرِ؛ لأنَّ كُلَّ أمَّةٍ تُريدُ أن يكونَ لها معبودٌ خاصٌّ، فتحصُلَ الفوضى بَينَ العِبادِ، فإذا اجتمَع النَّاسُ على عِبادةِ اللهِ وحدَه حصَل الاتِّفاقُ بدونِ فوضى) [387] ((تفسير العثيمين- الزخرف)) (ص: 171). .
شُعَيبٌ عليه السَّلامُ ورغبتُه في الإصلاحِ:
قال تعالى: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ * وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آَمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ [الأعراف: 85 - 87] .
وقال تعالى: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ * وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ * قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ * قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [هود: 84 - 88] .
قال الطَّبريُّ: (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ، يقولُ: ما أُريدُ فيما آمُرُكم به وأنهاكم عنه إلَّا إصلاحَكم وإصلاحَ أمرِكم مَا اسْتَطَعْتُ، يقولُ : ما قدَرْتُ على إصلاحِه) [388] ((جامع البيان)) (12/ 549). .

انظر أيضا: