موسوعة التفسير

سُورةُ الأعرافِ
الآيات (65-72)

ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ

غريب الكلمات:

خُلَفَاءَ: جَمعُ خَليفةٍ، والخِلافةُ هي النِّيابةُ عَنِ الغَيرِ؛ يُقال: خَلَف فلانٌ فلانًا: قام بالأمرِ عنه، إمَّا معه وإمَّا بَعدَه، وأصل (خلف): مجيءُ شَيءٍ بعدَ شيءٍ يقومُ مَقامَه [836] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/210)، ((المفردات)) للراغب (ص: 294). .
بَسْطَةً: أي: سَعَةً، مِن بسطْتُ الشَّيءَ: إذا كان مجموعًا، ففَتَحْتَه ووسَّعْتَه، والبَسطةُ في كلِّ شيءٍ السَّعةُ؛ يقال: هو بسيطُ الجِسمِ والباعِ والعِلمِ، وأصل (بسط): امتدادُ الشَّيء [837] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 92)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1 /247). .
آلَاءَ: أي: نِعَم، واحِدُها أَلًى وإِلًى [838]  يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/229)، ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 169)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 59). .
وَنَذَرَ: أي: نترُكَ ونَدَعَ، مِن وَذِرَ يَذَرُ؛ يُقال: فلانٌ يَذَرُ الشَّيءَ، أي: يَقذِفُه لقلَّةِ اعتدادِه به [839] يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (2/845)، ((المفردات)) للراغب (ص: 862)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 989). .
وَقَعَ: أي: وجَبَ، من الوُقوعِ وهو ثبوتُ الشَّيءِ وسُقوطُه، وأكثرُ ما جاءَ في القُرآن مِن لفظ (وقع) جاء في العذابِ الشَّديدِ [840] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/134)، ((المفردات)) للراغب (ص:880)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 113)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 918). .
رِجْسٌ: أي: عَذَابٌ وسَخَطٌ، ويُطلَقُ الرِّجسُ على كلِّ ما استُقذِرَ مِنَ العمَلِ، وعلى العمَلِ الْمُؤَدِّي إلى العَذابِ والعِقابِ والغضَبِ، وأصل (رجس): النَّتن، ويَدُلُّ أيضًا على اختلاطٍ، ومنه القَذَرُ؛ لأنه لَطْخٌ وخَلْطٌ [841] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 145)، ((تفسير ابن جرير)) (10/280)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/490)، ((المفردات)) للراغب (ص: 342)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 465). .
وَقَطَعْنَا دَابِرَ: أي: أهلَكْناهم عَن آخِرِهم، وقطْعُ دابرِ الإنسانِ: هو إفناءُ نَوعِه، ، ودابرُ القومِ آخرُهم، وأصل (قطع): الفَصلُ، وَأصل (دبر): آخِرُ الشَّيْءِ وَخَلْفُهُ، خِلَافُ قُبُلِهِ [842] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 154)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/324)، ((المفردات)) للراغب (ص: 677، 678). .

المعنى الإجمالي:

يُخبِرُ تعالى أنَّه أرسَلَ إلى قبيلةِ عادٍ أخاهم في النَّسَبِ هُودًا؛ لِيدعُوَهم إلى عِبادةِ اللهِ وَحدَه، وتَرْكِ عبادةِ ما سواه، فقال لهم: اعبُدُوا اللهَ وَحدَه، ليس لكم معبودٌ يستحِقُّ العبادةَ غَيرُه، أفلَا تتَّقونَ رَبَّكم، وتَخافونَ عَذابَه وسَخَطَه عليكم؟ فقال الرُّؤساءُ المُتَكبِّرونَ مِن قَومِه: إنَّا لَنَراك في حُمقٍ وخِفَّةِ عَقلٍ، وإنَّا لنَظُنُّك مِنَ الكاذبينَ.
فقال لهم هودٌ: يا قومِ، ليس بي حُمقٌ ولا خِفَّةُ عَقلٍ، ولكِنِّي مُرسَلٌ مِن رَبِّ العالَمينَ، أُبَلِّغُكم ما أرسَلَني ربِّي به، وأنا لكم ناصِحٌ أمينٌ، وهل عَجِبْتُم مُستبعِدينَ أن يأتِيَكم تذكيرٌ مِن رَبِّكم على رَجُلٍ منكم؛ لأجْلِ أن يُخَوِّفَكم مِن عُقوبةِ رَبِّكم على كُفرِكم؟ واذكروا نِعمةَ اللهِ عليكم؛ إذ جَعَلَكم تخلُفونَ قومَ نُوحٍ بعد أن أهلَكَهم، وزادَكم في الطُّولِ وقُوَّةِ الأبدانِ، فاذكُروا نِعَمَ اللهِ عليكم؛ لعَلَّكم تَفوزونَ وتَسعَدونَ.
قالوا: أجِئتَنا لنَعبُدَ اللهَ وَحدَه، ونترُكَ ما كان يعبُدُه آباؤُنا؛ فأْتِنا يا هودُ بما تَعِدُنا مِنَ العذابِ إن كُنتَ صادِقًا. فقال لهم هُودٌ: قد وقَعَ عليكم مِن ربِّكم عذابٌ وغَضَبٌ لا محالةَ، أتُخاصِمُونَني في أصنامٍ سَمَّيتُموها أنتم وآباؤُكم، ما جعَلَ اللهُ لكم مِن حُجَّةٍ على عِبادَتِكم لها؟ فانتظِروا ما هو واقِعٌ بكم مِنَ العذابِ، وأنا معكم مُنتَظِرٌ.
ثم أخبَرَ اللهُ تعالى أنَّه أنجاه ومَن مَعه مِنَ المؤمنينَ برحمةٍ منه عَزَّ وجَلَّ، وأهلَكَ بالعذابِ الشَّديدِ الذين كذَّبوا بآياتِه، ولم يكونوا مُؤمنينَ.

تفسير الآيات:

وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65)
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ
أي: ولقَدْ أرسَلْنا إلى قبيلةِ عادٍ أخاهم في النَّسَبِ هُودًا عليه السَّلامُ؛ لِيَدعُوَهم إلى عبادةِ اللهِ وَحدَه، وينهاهُم عن عبادةِ غَيرِه، فقال لهم: يا قومِ، اعبُدُوا اللهَ وَحدَه ليس لكم معبودٌ يستحِقُّ العبادةَ غيرُه، فلا تُشرِكوا به شيئًا [843] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/264)، ((تفسير السعدي)) (ص: 293)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (3/473). قال ابن عاشور: (الأخُ هنا مستعمَلٌ في مُطلَقِ القَريبِ، وقد كان هودٌ مِن بني عادٍ.. فالمرادُ أنَّ هُودًا كان مِن ذوي نَسَبِ قَومِه عادٍ). ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/201). .
أَفَلَا تَتَّقُونَ
أي: أفلا تتَّقونَ رَبَّكم، فتحذَرونه وتخافون سَخَطَه وعقابَه، إن أقمتم على ما أنتم عليه مِن عبادةِ غَيرِه [844] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/264)، ((تفسير السعدي)) (ص: 293)، ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/202). .
قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66)
قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ
أي: قال الأشرافُ والرُّؤساءُ، الكَفَرةُ المُتكَبِّرونَ عَنِ الحَقِّ مِن قَومِ هُودٍ حين دعاهم إلى إفرادِ اللهِ بالعبادةِ: إنَّا لنعتقِدُ أنَّك- يا هودُ- في ضلالٍ وحُمقٍ وخِفَّةِ عَقلٍ؛ حيث تدعُونا إلى عبادةِ اللهِ وَحدَه، وتركِ ما كان يعبُدُ آباؤُنا [845] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/264)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 399)، ((تفسير ابن كثير)) (3/434)، ((تفسير السعدي)) (ص: 293)، ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/202)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (3/480). .
وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ
أي: وإنَّا لنظُنُّ [846] قال ابن عطية: (وقولهم: لَنَظُنُّكَ هو ظَنٌّ على بابِه؛ لأنَّهم لم يكن عندهم إلَّا ظُنونٌ وتَخَرُّصٌ). ((تفسير ابن عطية)) (2/417). وذهب ابن عاشور إلى أنَّ المرادَ بالظنِّ هاهنا اليقينُ. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/202). أنَّك- يا هودُ- مِنَ الكاذبينَ في ادِّعائِك النُّبوَّةَ، ودَعوَتِك لنا إلى عبادةِ اللهِ وَحدَه [847] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/264 - 265)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 399)، ((تفسير السعدي)) (ص: 293)، ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/202)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (3/480). .
قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67)
أي: قال هودٌ لِقَومِه: يا قومِ، ليس بي حُمقٌ ولا خِفَّةُ عَقلٍ، حين دعوتُكم إلى توحيدِ اللهِ، ونَهَيتُكم عن الشِّركِ به، ولكِنِّي مُرسَلٌ إليكم مِنَ الذي خلَقَ كُلَّ شَيءٍ، وهو مالِكُه ومُدَبِّرُ شُؤونِه [848] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/265)، ((تفسير ابن كثير)) (3/434)، ((تفسير السعدي)) (ص: 294)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (3/480). .
أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68)
أي: وظيفتي أنْ أُوصِلَ إليكم الرِّسالةَ التي أرسَلَني اللهُ بها، وهي أمْرُكم بتوحيدِه، ونَهيُكم عنِ الشِّركِ به، ودَعْوَتُكم لطاعَتِه، وأنا أبغِي لكم بذلك الخيرَ في الدُّنيا والآخرةِ، فلا أغُشُّكم ولا أخدَعُكم، أمينٌ على ما ائتَمَنَني اللهُ عليه مِنَ الرِّسالةِ، فأبلِّغُها لكم كما أُمِرْتُ [849] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/265)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 399)، ((تفسير البغوي)) (2/202)، ((تفسير السعدي)) (ص: 293)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (3/482). .
كما قال تعالى حاكيًا قولَ هُودٍ عليه السَّلامُ: يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ * وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ [هود: 51-52] .
أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69)
أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ
أي: هل تعجَّبتم مستبعدينَ أن يَجِيئَكم تذكيرٌ مِنَ اللهِ، أنزَلَه على رجُلٍ مِنَ البَشَرِ، تَعرفونَ نَسَبَه وصِدقَه؛ لأجلِ أن يُخَوِّفَكم عقابَ اللهِ على كُفرِكم به؟ أي: فكيفَ تعجَبونَ مِمَّا لا ينبغي العَجَبُ منه؟! فليس بعجَبٍ أن يُوحِيَ اللهُ إلى رجلٍ منكم؛ رحمةً بكم، وإحسانًا إليكم [850] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/265)، ((تفسير ابن كثير)) (3/434)، ((تفسير السعدي)) (ص: 294)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (3/484). .
كما قال سبحانه: وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا [الإسراء: 94] .
وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ
أي: واذكروا نعمةَ اللهِ عليكم، بأنْ جَعَلَكم تخلُفُونَ قَومَ نُوحٍ في الأرضِ مِن بعدِ هَلاكِهم؛ حيث أبدَلَكم بِهِم [851] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/265)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 399)، ((تفسير ابن كثير)) (3/434)، ((تفسير السعدي)) (ص: 294)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (3/484). وقال ابنُ عاشور: (عادٌ أوَّلُ أمَّةٍ اضطلعت بالحضارةِ بعد الطُّوفان.. وليس المرادُ أنهم خَلَفُوا قومَ نُوحٍ في ديارِهم؛ لأنَّ منازِلَ عادٍ غيرُ منازِلِ قَومِ نُوحٍ، عند المؤرِّخين). ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/205). .
وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً
أي: واذكروا نعمةَ اللهِ عليكم بما خَصَّكم به على النَّاسِ؛ مِن زيادةٍ في الطُّولِ، وقُوَّةٍ في الأبدانِ [852] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/266)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 399)، ((تفسير ابن كثير)) (3/434)، ((تفسير السعدي)) (ص: 294)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (3/487). .
كما أخبر الله تعالى أنَّه لم يَخلقْ مثلَ قبيلةِ عادٍ في قوَّتِهم وشدَّتِهم وجبروتِهم [853] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (6/154). بقَولِه: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ [الفجر: 8] .
فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
أي: فاذكُرُوا نِعَمَ اللهِ الكثيرةَ عليكم، واشكُرُوه عليها؛ بِطاعَتِه وعبادَتِه وَحْدَه؛ كي تَفوزُوا وتَسعَدُوا، وتنالوا الخُلودَ في الجَنَّةِ [854] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/266)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 399)، ((تفسير ابن كثير)) (3/434)، ((تفسير السعدي)) (ص: 294)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (3/488 - 489). .
كما قال تعالى حاكيًا قولَ هُودٍ عليه السَّلامُ: وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الشعراء: 132 - 134] .
قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70)
قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا
أي: قالتْ عادٌ قَومُ هُودٍ: أجِئتَنا- يا هودُ- كي نعبُدَ اللهَ وَحدَه، ونترُكَ ما كان يعبُدُ آباؤُنا مِن الأصنامِ، ونتبَرَّأَ منها [855] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/279)، ((تفسير السعدي)) (ص: 294)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (3/491). ؟
فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ
أي: لن نُوَحِّدَ اللهَ، ولن نترُكَ عبادةَ الأصنامِ، فهاتِ- يا هودُ- ما تعِدُنا به مِنَ العَذابِ على عبادةِ غَيرِ اللهِ، وتَرْكِنا توحيدَه، إن كنتَ مِن أهلِ الصِّدقِ فيما تقولُ مِن أنَّ العَذابَ واقِعٌ علينا [856] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/279)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 400)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (3/492). .
كما حكى تعالى عنهم بِقَولِه: قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الأحقاف: 22] .
قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71)
قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ
أي: قال هودٌ لِقَومِه: قد حلَّ بكم- لا محالةَ- عَذابٌ وغَضَبٌ مِن رَبِّكم [857] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/280)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 400)، ((تفسير ابن كثير)) (3/435)، ((تفسير السعدي)) (ص: 294)، ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/209)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (3/492). .
أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ
أي: كيف تُخاصِمُونَني وتُحاجِجونَني في هذه الأصنامِ التي سَمَّيتُموها أنتم وآباؤُكم آلهةً، زاعِمينَ أنَّها تُعبَدُ مع اللهِ، وهي مُجَرَّدُ أسماءٍ باطلةٍ اختَلَقْتُموها، ولا حقيقةَ لها، ولم يجعَلِ اللهُ لكم مُطلقًا حُجَّةً على عِبادَتِها [858] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/281)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 400)، ((تفسير ابن كثير)) (3/435)، ((تفسير السعدي)) (ص: 294)، ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/211)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (3/494 - 495). ؟
كما قال تعالى: أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ * قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ [يونس: 66-70] .
فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ
أي: فانتَظِروا مُتَرَقِّبينَ وقوعَ عذابِ اللهِ، الذي وعَدْتُكم به، إنِّي أنتظِرُ وأترَقَّبُ معكم نُزُولَه بكم [859] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/281)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 400)، ((تفسير السعدي)) (ص: 294)، ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/213)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (3/495). .
فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ(72)
فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا
أي: فأنجَينا هُودًا والَّذين معه مِنَ المؤمنينَ بِسَبَبِ رَحْمَتِنا العظيمةِ لهم [860] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/281)، ((تفسير السعدي)) (ص: 294)، ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/214)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (3/495). .
كما قال تعالى: وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ [هود: 58] .
وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا
أي: وأهلَكْنا واستَأصَلْنا بالعَذابِ الشَّديدِ جميعَ الكُفَّارِ المُكَذِّبينَ بآياتِنا مِن قَومِ هُودٍ، فلم نُبْقِ منهم أحدًا [861] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/281)، ((تفسير ابن كثير)) (3/435)، ((تفسير السعدي)) (ص: 294)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (3/496). .
كما قال تعالى: وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ [الحاقة: 6-8] .
وقال عزَّ وجلَّ: وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ [الذاريات: 41-42].
وقال سُبحانه: كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ * تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ [القمر: 18-20].
وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ
أي: وما كان قَومُ هُودٍ مُؤمنينَ باللهِ، ولا بما جاءَهم به رسولُه هودٌ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ [862] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/282)، ((تفسير السعدي)) (ص: 294)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (3/507). قال أبو حيان: (جملةٌ مُؤَكِّدة لقوله: كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ويحتملُ أن يكونَ إخبارًا مِنَ الله تعالى أنَّهم ممَّن عَلِمَ اللهُ تعالى أنَّهم لو بَقُوا لم يؤمنوا، أي: ما كانوا ممَّن يقبلُ إيمانًا ألبتَّةَ، ولو عَلِمَ الله تعالى أنَّهم يؤمنونَ لأبقاهم، وذلك أنَّ المُكَذِّبَ بالآياتِ قد يؤمِنُ بها بعد ذلك، ويَحسُنُ حالُه، فأمَّا مَن حَتَمَ اللهُ عليه بالكُفرِ، فلا يؤمِنُ أبدًا). ((تفسير أبي حيان)) (5/90). وقال الشِّنقيطي: (قوله: وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ تأكيدٌ، وما كانوا في عِلمِ اللهِ مُؤمنينَ أبدًا؛ لأنَّ اللهَ طَبَعَهم على الشَّقاوةِ، والعياذُ باللهِ جَلَّ وعَلا). ((العذب النمير)) (3/507). .
كما قال تعالى: قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ [هود: 53] .
وقال سبحانه: وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ [هود: 59-60] .
وقال عَزَّ وجَلَّ: فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ [فصلت: 15] .

الفوائد التربوية:

1- قال اللهُ تعالى حكايةً عَنِ المَلَأِ: إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ... في إجابةِ الأنبياءِ عليهم السَّلامُ مَن نَسَبَهم إلى الضَّلالةِ والسَّفاهةِ بما أجابُوهم؛ مِنَ الكلامِ الصَّادِرِ عنِ الحِلمِ والإغضاءِ، وتَرْكِ المُقابلةِ بما قالوا لهم، مع عِلْمِهم بأنَّ خُصُومَهم أضَلُّ النَّاسِ، وأسْفَهُهم- أدبٌ حَسَنٌ، وخُلُقٌ عظيمٌ، وحكايةُ اللهِ عَزَّ وجلَّ عنهم ذلك؛ تعليمٌ لِعبادِه كيف يُخاطِبونَ السُّفَهاءَ، وكيف يُغْضُونَ عنهم، ويُسْبِلونَ أذيالَهم على ما يكونُ منهم [863] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/116)، ((تفسير أبي حيان)) (5/87). .
2- في قولِ هُودٍ عليه السَّلامُ لِقَومه: يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ دليلٌ على أنَّ تَرْكَ الانتقامِ أَوْلى؛ فإنَّهم لَمَّا قالوا له: إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ لم يُقابِلْ سَفاهَتَهم بالسَّفاهةِ، بل قابَلَها بالحِلمِ والإغضاءِ [864] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (14/301). .
3- قال اللهُ تعالى: فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إنَّما أمَرَهم بالذُّكْرِ؛ لأنَّ النَّفسَ تنسى النِّعَمَ فتكفُرُ المُنعِمَ، فإذا تذكَّرَتِ النِّعمةَ رأَتْ حَقًّا عليها أن تَشكُرَ المُنعِمَ؛ ولذلك كانت مسألةُ شُكرِ المُنعِمِ مِن أهَمِّ مَسائِلِ التَّكليفِ [865] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/204). .
4- ذكرُ آلاءِ الله تبارك وتعالى ونِعَمِه على عبدِه سببُ الفلاحِ والسَّعادة؛ لأنَّ ذلك لا يزيدُه الا محبةً لله وحمدًا وشكرًا وطاعةً وشهودَ تقصيرِه، بل تفريطِه في القليلِ مما يجبُ لله عليه، قال تعالى: فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [866] يُنظر: ((مفتاح دار السعادة)) لابن القيم (1/229). .
5- إنْ قِيلَ: العبدُ في بعضِ الأحيانِ قد لا يكونُ عنده مَحَبَّةٌ تَبعَثُه على طلَبِ مَحبُوبِه، فأيُّ شَيءٍ يُحَرِّكُ القُلوبَ؟ قُلنا: يُحَرِّكُها شيئانِ: أحدُهما كثرةُ الذِّكرِ للمَحبوبِ؛ لأنَّ كَثرةَ ذِكرِه تُعَلِّقُ القلوبَ به؛ ولهذا أمَرَ اللهُ عزَّ وجَلَّ بالذِّكرِ الكَثيرِ، فقال تعالى: يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا الآية. والثاني: مُطالعةُ آلائِه ونَعمائِه؛ قال الله تعالى: فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، وقال تعالى: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ وقال تعالى: وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً، وقال تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا فإذا ذكَرَ العبدُ ما أنعَمَ اللهُ به عليه: مِن تسخيرِ السَّماءِ والأرضِ، وما فيها مِنَ الأشجارِ والحَيَوانِ، وما أسبَغَ عليه مِنَ النِّعَمِ الباطنةِ من الإيمانِ وغَيرِه؛ فلا بُدَّ أن يُثيرَ ذلك عنده باعثًا، وكذلك الخوفُ تُحَرِّكُه مُطالعةُ آياتِ الوَعيدِ والزَّجرِ، والعَرْضِ والحِسابِ ونحوِه، وكذلك الرَّجاءُ يُحَرِّكه مُطالعةُ الكَرَمِ والحِلمِ والعَفوِ، وما ورد في الرَّجاءِ [867] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (1/95، 96). .
6- في قَولِه تعالى: أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ أنَّ كُلَّ ما يتَعَلَّقُ بِعِبادَتِه لا يجوزُ أنْ يُؤخَذَ إلَّا مِمَّا أنزَلَه على رُسُلِه؛ إذ لا يَعلَمُ ما يُرضِيه ويصِحُّ عنده مِن عِبادَتِه إلَّا المُبَلِّغونَ عنه [869] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (8/444). .

الفوائد العلمية واللطائف:

قَولُ الله تعالى: وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا أي: في النَّسَبِ؛ لأنَّهم عنه أفهَمُ، وبحالِه في الثِّقةِ والأمانةِ أعرَفُ [871] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (7/433). .
قَولُ الله تعالى: وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا لَمَّا عَطَفَ ذِكرَ هُودٍ على نوحٍ- عليهما السلام- بَيَّنَه بِقَولِه: أَخَاهُمْ هُودًا، ولم يُوصَفْ نُوحٌ بأنَّه أخٌ لِقَومِه؛ لأنَّ النَّاسَ في زَمَنِ نوحٍ لم يكونوا قد انقَسَموا شُعوبًا وقبائِلَ [872] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/201). .
قولُ اللهِ تعالى: وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا دليلٌ على جوازِ تَسميةِ القَريبِ الكافِرِ (أخًا) [873] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (8/441). .
قال تعالى: وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قد شابَهَت دعوةُ هُودٍ قَومَه، دعوةَ نُوحٍ قَومَه في المُهِمِّ مِن كلامِها؛ لأنَّ الرُّسُلَ مُرسَلونَ مِنَ اللهِ، والحكمةُ مِنَ الإرسالِ واحدةٌ، فلا جَرَمَ أنْ تتشابَهَ دَعَواتهُم، وفي الحديثِ: ((الأنبياءُ أبناءُ عَلَّاتٍ )) [874] أخرجه البخاري (3442)، ومسلم (2365) من حديث أبي هريرة. ، وقال تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا والَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى [875] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور) (8-ب/201، 202). .
الغايةُ التي بُعِثَ مِن أجلِها الرُّسُلُ: إفرادُ اللهِ تعالى بالعبادةِ، والنَّهيُ عن جميعِ المُوبِقاتِ، مِن الكُفرِ والفُسوقِ والعِصيانِ؛ يُرشِدُنا إلى ذلك قولُه تعالى: وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ [876] يُنظر: ((النبوات)) لابن تيمية (1/39). .
قال اللهُ تعالى: قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ قد تشابَهَتْ أقوالُ قَومِ هُودٍ، وأقوالُ قَومِ نُوحٍ في تكذيبِ الرَّسولِ؛ لأنَّ ضَلالةَ المُكَذِّبينَ مُتَّحدةٌ، وشُبُهاتِهم مُتَّحِدة، كما قال تعالى: تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ [البقرة: 118] فكأنهَّم لَقَّنَ بَعضُهم بعضًا كما قال تعالى: أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ [877] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/203). .
يُستفادُ مِن قَولِه تعالى: قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أنَّ الرِّسالةَ لا يُختارُ لها إلَّا أهلُ الحَصافةِ برُجحانِ العَقلِ، وسَعَةِ الحِلمِ، وكَمالِ الصِّدقِ، وإلَّا لفات ما يُقصَدُ بها مِنَ الحكمةِ، ولم تَقُمْ بها لله الحُجَّةُ [878] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (8/442). .
قَولُ اللهِ تعالى: وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فيه مَدحٌ للنَّفسِ بأعظَمِ صِفاتِ المَدحِ؛ ومَدحُ الذَّاتِ الأصلُ فيه أنَّه غيرُ لائقٍ بالعُقلاءِ، لكن إنَّما فَعَلَ هُودٌ ذلك؛ لأنَّه كان يجِبُ عليه إعلامُ القَومِ بذلك، وذلك يدلُّ على أنَّ مَدْحَ الإنسانِ نَفسَه إذا كان في مَوضِعِ الضَّرورةِ؛ جائِزٌ [879] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (14/301)، ((تفسير الشربيني)) (1/486). .
قَولُ اللهِ تعالى: وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ لَمَّا كانوا قد رَمَوْه- عليه السَّلامُ- بالسَّفَهِ الذي هو مِن غَرائِزِ النَّفسِ؛ لأنَّه ضِدُّ الحِلمِ والرَّزانة- عَبَّرَ عن مضمونِ الجُملةِ النَّافية له بما يقتضي الثَّباتَ، فقال: وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أي: لم يزَلِ النُّصحُ من صفتي، ثابتٌ فيَّ ومتمَكِّنٌ منِّي [880] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (7/436)، ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/203). .
قَولُ الله تعالى: فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ أسنَدُوا الفِعلَ إلى ضَميرِه؛ تعريضًا بأنَّ ما تَوَعَّدَهم به هو شيءٌ مِن مُختَلَقاتِه، وليس مِن قِبَلِ اللهِ تعالى [881] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/209). .
قَولُ اللهِ تعالى: فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ عَقَّبوا كلامَهم بالشَّرطِ فقالوا: إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ؛ استقصاءً لمقدِرَتِه، قصدًا منهم لإظهارِ عَجْزِه عن الإتيانِ بالعذابِ، وجوابُ الشَّرطِ مَحذوفٌ دَلَّ عليه ما قبلَه، تقديره: أتيتَ به، وإلَّا فَلَسْتَ بصادقٍ [882] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/209). .
في قوله تعالى: قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ عَطفُ الغَضَبِ على الرِّجسِ لِبَيانِ أنَّ الرِّجسَ قد أُريدَ به الانتقامُ الحَتمُ، فلا يُمكِنُ رَفعُه [883] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (8/444). .
قَولُ اللهِ تعالى: أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ، قوله نَزَّلَ هذا التفعيلُ يأتي بمعنى الفِعلِ المُجَدَّد، وبمعنى الفعل بالتَّدريجِ، فقَصَد النفيَ بكلِّ اعتبارٍ: سواءٌ كان تجديدًا أو تدريجًا، وإشارة إلى أنَّه لو نَزَلَ عليهم في الأمرِ بعبادَتِها شيءٌ واحِدٌ، لتوَقَّفوا فيه؛ لعَدَمِ فَهْمِهم لمعناه حتى يُكَرِّرَ عليهم الأمرَ فيه مَرَّةً بعدَ أخرى، فدلَّ ذلك قطعًا على أنَّ الأمرَ لهم بعبادةِ الأصنامِ إنَّما هو ظَلامُ الهوى؛ لأنَّه عَمًى محضٌ، مِن شأنِ الإنسانِ رُكوبُه بلا دليلٍ أصلًا [884] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (7/441-442). .
في قَولِه تعالى: فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ فَرْقٌ بين الانتظارَينِ؛ انتظارِ مَن يخَشَى وُقوعَ العِقابِ، ومَن يَرجُو مِنَ اللهِ النَّصرَ والثَّوابَ؛ ولهذا فتَحَ اللهُ بين الفَريقينِ، فقال:فَأَنْجَيْنَاهُ أي: هودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا فإنَّه الذي هداهم للإيمانِ، وجعَلَ إيمانَهم سببًا ينالونَ به رَحمَتَه، فأنجاهم بِرَحمته، وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أي: استَأصَلْناهم بالعَذابِ الشَّديدِ، الذي لم يُبقِ منهم أحدًا [885] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 294). .
قولُ الله تعالى: وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا الدَّابِرُ هو آخِرُ واحدٍ في الرَّكْبِ يتبَعُ أدبارَ القَومِ، ففي الآيةِ إعلامٌ منه تعالى أنَّ أخْذَه لهم كان على غيرِ أخْذِ المُلوكِ الَّذينَ يَعجِزونَ عن الاستقصاءِ في الطَّلَبِ، فتَفُوتُهم أواخِرُ العَساكرِ، والمتفرقين مِن الجُنودِ والأتباعِ [886] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (14/304)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (7/442). .
قولُ اللهِ تعالى: وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَصْفُهم بالتَّكذيبِ بالفِعلِ الماضي لا يُفهِم دوامَهم على تكذيبِهم، بل لنَفْيِ احتمالِ أنَّهم آمَنُوا بعد التَّكذيبِ، وأنَّ أخْذَهم إنَّما كان لمُطلَقِ صُدورِ التَّكذيبِ منهم، وأنَّهم لم يبادِروا إلى الإيمانِ قَبلَ التَّكذيبِ [887] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (7/443). .
قول الله تعالى: وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ فائدة نَفْي الإيمانِ عنهم في قولِه: وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ مع إثباتِ التَّكذيبِ بآياتِ اللهِ، هو الإشارةُ إلى مَن آمَن منهم، ومَن نَجا مع هُودٍ عليه السَّلامُ، والتَّنبيهُ على أنَّ الفارقَ بَينَ مَن نَجَا وبَينَ مَن هلَك هو الإيمانُ، كأنَّه قال: وقَطَعْنا دابرَ الذين كذَّبوا منهم ولم يَكونوا مِثلَ مَن آمَنَ منهم؛ ليُؤذِنَ أنَّ الهلاك خَصَّ المُكذِّبين، ونَجَّى اللهُ المؤمنِين [888] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/119)، ((تفسير البيضاوي)) (3/19). .

بلاغة الآيات:

قوله: وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ
قوله: وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هودًا فيه تقديمُ المجرورِ وَإِلَى على المفعولِ الأصليِّ هُودًا؛ ليتأتَّى الإيجازُ بالإضمارِ؛ حيثُ أُريد وصْفُ هودٍ بأنَّه مِن إخوةِ عادٍ ومِن صميمِهم، مِن غير احتياجٍ إلى إعادةِ لفظ (عاد)، ومع تجنُّبِ عودِ الضَّميرِ على متأخر لفظًا ورُتبةً [889] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/200). .
وقولُه: قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ استئنافٌ مبنيٌّ على سؤالٍ نشأ مِن حِكايةِ إرسالِه عليه السلام إليهم كأنَّه قيل: فماذا قال لهم؟ فقيل: قال قوله: قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ [890] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/237). .
وفُصِلتْ جملةُ: قَالَ يَا قَوْمِ ولم تُعطَفْ بالفاءِ- كما عُطِف نظيرُها المتقدِّمُ في قِصَّة نوح في قوله: فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ، فعُطِفتْ بالفاءِ-؛ لأنَّ الحالَ اقتضَى هنا أنْ تكونَ مُستأنفةً استئنافًا بيانيًّا؛ لأنَّ قِصَّةَ هُودٍ لَمَّا ورَدَتْ عقِبَ قِصَّة نوحٍ المذكورِ فيها دَعوتُه قَومَه، صار السامعُ مُترقِّبًا معرفةَ ما خاطَبَ به هودٌ قومَه، حيثُ بعَثَه اللهُ إليهم، فكان ذلك مثارَ سؤالٍ في نفْسِ السَّامعِ أن يقول: فماذا دعا هودٌ قومَه؟ وبماذا أجابوا؟ فيقع الجوابُ بأنَّه قال: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ...؛ فقدْ فُصِلتْ الجُملةُ هنا وفيما يأتِي مِن سائرِ القصص، والفَرقُ المقتضي لذلك أنَّ العطف هُنالك في قِصَّة نوحٍ جاءَ على أصْلِه: وهو كونُ التبليغِ جاءَ عقِبَ الإرسالِ؛ لأنَّ التأخيرَ غيرُ جائزٍ، ولَمَّا صارَ هذا معلومًا كان مِن المناسبِ فيما بَعْدَه مِن القصصِ أنْ يجيءَ بأُسلوبِ الاستئنافِ [891] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/201)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (8/441). .
وجملةُ أَفَلَا تَتَّقُونَ استفهاميَّةٌ إنكاريةٌ معطوفةٌ بفاءِ التَّفريع على جُملةِ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ، والمرادُ بالتَّقوَى الحذرُ مِن عِقابِ اللهِ تعالى على إشراكِهم غيرَه في العِبادةِ، واعتقادِ الإلهيَّةِ، وفيه تعريضٌ بوعيدِهم إنِ استمرُّوا على ذلك [892] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/202). .
وإنَّما ابتدأَ بالإنكارِ عليهم؛ إغلاظًا في الدَّعوةِ، وتهويلًا لفظاعةِ الشِّرْك- إنْ كان قال ذلك في ابتداءِ دَعوتِه [893] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/202). .
قَولُه تعالى: قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ فيه تنكيرُ سَفَاهَةٍ؛ لبيانِ نَوعِها، أو المبالغة بعِظَمِها، أي: قالوا: إنَّا لنراكَ في سَفاهةٍ غريبةٍ، أو تامَّةٍ راسخةٍ تُحيط بك مِن كلِّ جانبٍ، بأنَّك لم تَثبُتْ على دِينِ آبائِك وأجدادِك، بل قُمتَ تَدْعُو إلى دِينٍ جديدٍ [894] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (8/422). .
قَولُه تعالى: وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ فيه تقديمُ الجارِّ والمجرورِ لَكُمْ على عاملِه؛ للإيذانِ باهتمامِه بما يَنفعُهم [895] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/204). .
قوله: أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ
قوله: أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ الهَمزةُ في قوله: أَوَعَجِبْتُمْ للإنكارِ والتَّوبيخِ، أي: هذا ممَّا لا يُعجَبُ منه؛ إذ له تعالى التصرُّفُ التامُّ بإرسالِ مَن يشاءُ لِمَن يشاءُ [896] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/115)، ((تفسير البيضاوي)) (3/18)، ((تفسير أبي حيان)) (5/84)، ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/195). .
قوله: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ في هذا التذكيرِ تَصريحٌ بالنِّعمةِ، وتعريضٌ بالنَّذارةِ والوعيدِ بأنَّ قومَ نوح إنَّما استأصلَهم وأبادَهم عذابٌ مِن اللهِ على شِركِهم؛ فمَن اتَّبعهم في صُنعِهم يُوشِكُ أنْ يَحُلَّ به عذابٌ أيضًا [897] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/205). .
قوله: قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ أعادوا تَكذيبَه بطريقِ الاستفهامِ الإنكاريِّ على دَعوتِه للتوحيدِ، وقَصَدوا ممَّا دلَّ عليه فِعلُ المجيءِ زِيادةَ الإنكارِ عليه، وتَسفيهَه على اهتمامِه بأمْرٍ مِثلِ ما دعاهم إليه، وهذا الجوابُ أقلُّ جفوةً وغِلظةً من جوابِهم الأوَّل؛ إذ قالوا: إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، كأنَّهم قَصَدوا استنزالَ نَفْسِ هودٍ، ومحاولةَ إرجاعِه عمَّا دعاهم إليه؛ فلذلك اقْتَصروا على الإنكارِ، وذكَّروه بأنَّ الأمْرَ الذي أَنكرَه هو دِينُ آباءِ الجميعِ؛ تعريضًا بأنَّه سَفَّه آباءَه، وهذا المقصدُ هو الذي اقْتَضى التعبيرَ عن دِينِهم بطريقِ الموصوليَّة في قولهم: مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا؛ إيماءً إلى وجْه الإنكارِ عليه، وإلى أنَّه حقيقٌ بمتابعةِ دِين آبائِه [898] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/207). .
واجتلابُ (كان) في قولهم: وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا لتدلَّ على أنَّ عبادَتَهم أمرٌ قديمٌ مَضَتْ عليه العُصورُ [899] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (7/440)، ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/208). .
والتعبير بالفِعل وكونه مُضارِعًا في قوله: يَعْبُدُ؛ ليدلَّ على أنَّ ذلك مُتكرِّرٌ مِن آبائهم ومُتجِّددٌ، وأنَّهم لا يَفتُرون عنه [900] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/208). .
وفي قولهم: فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا أَسْنَدوا الفِعلَ إلى ضَميرِه؛ تعريضًا بأنَّ ما تَوعَّدهم به هو شيءٌ مِن مُختَلَقاتِه، وليس مِن قِبَلِ اللهِ تعالى [901] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/209). .
قوله: قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ
قوله: قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ فيه تقديمُ الظرفِ الأوَّل عَلَيْكُمْ على الثاني مِنْ رَبِّكُمْ، مع أنَّ مَبْدأَ الشيءِ متقدِّمٌ على مُنتهاه؛ للمُسارعةِ إلى بيانِ إصابةِ المكروهِ لهم، وتقديمهما على الفاعِل رِجْسٌ؛ للاهتمامِ بتَعجيلِ ذِكرِ المغضوبِ والغاضِب، إيقاظًا لبصائرِهم؛ لعلَّهم يُبادِرونَ بالتوبةِ، ولأنَّ المَجرورَينِ مُتعلِّقانِ بالفِعلِ؛ فناسَب إيلاؤُهما إيَّاه، ولو ذُكِرَا بعدَ الفاعِلِ؛ لتُوهِّم أنَّهما صِفتانِ له، وقُدِّم المجرورُ الذي هو ضميرُهم، على الذي هو وصْفُ ربِّهم؛ لأنَّهم المقصودُ الأوَّلُ بالفِعلِ [902] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/210-211). .
قوله: قَدْ وَقَعَ فيه استعمالُ صِيغة المُضيِّ في مَعْنى الاستقبالِ؛ إشعارًا بتَحقيقِ وقوعِه، واقترانُ الفِعل وَقَعَ بـقَدْ؛ للدَّلالةِ على تَقريبِ زَمنِ الماضي مِن الحال، مِثلُ: قد قامَتِ الصَّلاةُ [903] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (5/89)، ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/210). .
قوله: أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الاستفهامُ في قوله: أَتُجَادِلُونَنِي للإنكارِ؛ فهو إنكارٌ مِنه لِمُخاصمتِهم له فيما لا يَنبغي فيه الخِصامُ [904] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (5/89). .
قوله: فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ صِيغةُ الأمْر فَانْتَظِرُوا للتَّهديدِ، والجُملةُ استئنافٌ بَيانيٌّ؛ لأنَّ تَهديدَه إيَّاهم يُثيرُ سؤالًا في نُفوسِهم أنْ يقولوا: إذا كُنَّا ننتظرُ العذابَ؛ فماذا يكونُ حالُك؟ فبَيَّن أنَّه يَنتظِرُ معهم، وهذا مقامُ أَدبٍ معَ اللهِ تعالى [905] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/213). .
والفاءُ في قولِه: فَانْتَظِرُوا لتَفريعِ هذا الإنذارِ والتَّهديدِ السَّابق؛ لأنَّ وُقوعَ الغَضبِ والرِّجسِ عليهم، ومُكابرتَهم واحتجاجَهم لِمَا لا حُجَّةَ له؛ ينشأُ عن ذلك التَّهديدُ بانتظارِ العذابِ [906] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (5/90)، ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/213). .
قوله: فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ كانَ مُقتضَى الظاهِرِ أنْ يَكونَ النَّظمُ هكذا: (فقطَعْنا دابرَ الذين كذَّبوا... وأنْجَينا هودًا...)، ولكن جَرَى النَّظمُ على خِلافِ مُقتضَى الظاهِرِ؛ للاهتمامِ بتَعجيلِ الإخبارِ بنَجاةِ هُودٍ ومَن آمَن مَعه [907] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/214). .
قوله: بِرَحْمَةٍ مِنَّا تَنكيرُ الرَّحمةِ للتَّعظيمِ، ووصفُها بأنَّها مِن اللهِ؛ للدَّلالةِ على كمالِها وأنَّها غيرُ مُنقطعةٍ عنهم [908] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/214). ، وقولُه: مِنَّا، أي: مِن جِهتنا، مُتعلِّق بمحذوف هو نعتٌ لـ رَحْمَةٍ مُؤكِّدٌ لفخامتِها الذاتيَّةِ المنفهمةِ مِن تنكيرِها بالفَخامةِ الإضافيَّةِ [909] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/240). .
قوله تعالى: وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ عَطفٌ على كَذَّبُوا في قولِه تعالى: كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا؛ فهو مِن الصِّلةِ، وفائدةُ عَطْفِه الإشارةُ إلى أنَّ كِلتَا الصِّلتينِ مُوجِبٌ لقَطعِ دابرِهم، وهما: التَّكذيبُ، والإشراك؛ تَعريضًا بمُشركِي قُرَيشٍ، ولموعظتِهم ذُكرتْ هذه القَصصُ [910] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/215). .