موسوعة التفسير

سورة هود
الآيات (84-86)

ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ

غريب الكلمات:

تَبْخَسُوا: أي: تَنْقُصُوا، وتَظْلِموا، والبَخْسُ: نقص الشيء على سبيل الظلم، وأصلُ (بخس): نقص [916] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 140)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/205)، ((المفردات)) للراغب (ص: 110)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 975). .
تَعْثَوْا: العثوُّ أشدُّ الفَسادِ، وأصلُ (عثي): يدُلُّ على فَسادٍ [917] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/230)، ((تفسير ابن عطية)) (3/199)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص:76). .  
بَقِيَّتُ اللَّهِ: أي: ما يُبقيه اللهُ لكم، وأصلُ (بقي): يدلُّ على دَوامٍ [918] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 208)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/276)، ((تفسير القرطبي)) (9/86). .

المعنى الإجمالي:

يُخبرُ اللهُ تعالى أنَّه أرسلَ إلى مَدْينَ أخاهم في النَّسَبِ شُعَيبًا، فقال: يا قومِ اعبُدوا اللهَ وَحدَه، ليس لكم مِن إلهٍ يستحِقُّ العبادةَ غيرُه جلَّ وعلا، فأخلِصوا له العبادةَ، ولا تنقُصوا النَّاسَ حُقوقَهم في مَكاييلِهم ومَوازينِهم، إنِّي أراكم في سَعَةِ عَيشٍ، وإنِّي أخاف عليكم- بسبَبِ شِركِكم، وإنقاصِكم المكيالَ والميزانَ- عذابَ يومٍ يُحيطُ بكم، ويا قومِ أتِمُّوا المكيالَ والميزانَ بالعَدلِ، ولا تَنقُصوا النَّاسَ حَقَّهم، ولا تَسيروا في الأرضِ تَعملونَ فيها بمعاصي اللهِ ونَشرِ الفَسادِ، إنَّ ما يبقَى لكم بعدَ إيفاءِ الكَيلِ والميزانِ مِن الرِّبحِ الحلالِ خيرٌ لكم ممَّا تأخذونَه بالتَّطفيفِ ونَحوِه من الكَسبِ الحَرامِ، إن كُنتُم تؤمِنونَ باللهِ حَقًّا، فامتَثِلوا أمْرَه، وما أنا عليكم برقيبٍ أُحصي عليكم أعمالَكم.

تفسير الآيات:

وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ (84).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا انتَهَت قصَّةُ لوطٍ عليه السَّلامُ مُعلِمةً لِما قام به مِن أمرِ اللهِ غيرَ وانٍ فيه لرغبةٍ ولا رهبةٍ، وبما في إنزالِ الملائكةِ مِن الخطَرِ- أُتِبَعت أقربَ القصَصِ الشَّهيرةِ إليها في الزَّمَن [919] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (9/350). .
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا.
أي: وأرسَلْنا إلى أهلِ مَدينَ أخاهم في النَّسَبِ شُعَيبًا عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ [920] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/538)، ((البسيط)) للواحدي (11/519)، ((تفسير القرطبي)) (9/85)، ((تفسير ابن كثير)) (4/342)، ((تفسير السعدي)) (ص: 387). قال ابنُ كثيرٍ: (هم قبيلةٌ من العَرَب، كانوا يسكنونَ بين الحِجازِ والشَّامِ، قريبًا من بلاد مَعان، في بلدٍ يُعرَف بهم، يقال لها «مَدْيَن»). ((تفسير ابن كثير)) (4/342). .
قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ.
أي: قال: يا قومِ اعبُدوا اللهَ وَحدَه لا شريكَ له، ليس لكم معبودٌ يستحِقُّ العبادةَ غيرُه [921] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/538)، ((تفسير ابن كثير)) (4/342)، ((تفسير السعدي)) (ص: 387).  .
وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ.
مُناسَبتُها لِما قَبلَها:
لَمَّا دعا إلى العدلِ فيما بينَهم وبينَ الله، دعاهم إلى العدلِ فيما بينَهم وبينَ عَبيدِه في أقبَحِ ما كانوا قد اتَّخَذوه بعدَ الشِّركِ دَيدنًا، فقال [922] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (9/351). :
وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ.
أي: ولا تنقُصوا النَّاسَ حُقوقَهم في الكَيلِ والوَزنِ لهم [923] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/538)، ((تفسير القرطبي)) (9/85)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (6/371)، ((تفسير الألوسي)) (6/310). .
إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ .
أي: إنِّي أراكم في سَعةٍ مِن الرِّزقِ، وكثرةِ نِعَمٍ، وخَيرٍ في معيشتِكم، فاشكُروا الله على ذلك [924] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/539)، ((البسيط)) للواحدي (11/520)، ((تفسير القرطبي)) (9/85)، ((تفسير ابن كثير)) (4/342)، ((تفسير السعدي)) (ص: 387).  .
وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ.
أي: وإنِّي أخافُ عليكم- بسبَبِ شِركِكم، وبَخسِكم حقوقَ النَّاسِ- أن يَنزِلَ بكم عذابُ يومٍ يحيطُ بكم، فلا يُفلِتُ منه أحدٌ [925] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/540)، ((البسيط)) للواحدي (11/521)، ((تفسير القرطبي)) (9/85)، ((تفسير السعدي)) (ص: 387). قال الواحدي: (والمحيطُ مِن صفةِ اليومِ في الظَّاهر، وهو في المعنى من صفةِ العذابِ؛ وذلك أنَّ يومَ العذابِ إذا أحاط بهم فقد أحاط بهم العذابُ). ((البسيط)) (11/521).  .
وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا كان عدمُ النَّقصِ قد يُفهَمُ منه التَّقريبُ، أتبَعَه بما ينفي هذا الاحتمالَ، وللتَّنبيهِ على أنَّه لا يكفي الكفُّ عن تعمُّدِ التَّطفيفِ، بل يلزمُ السَّعيُ في الإيفاءِ، ولو بزيادةٍ لا يتأتَّى بدونِها [926] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (9/352). .
وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ.
أي: ويا قومِ أتمُّوا للنَّاسِ حُقوقَهم في الكَيلِ والوَزنِ لهم بالعَدلِ، مِن غيرِ نَقصٍ [927] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/540)، ((تفسير القرطبي)) (9/86)، ((تفسير السعدي)) (ص: 387).  .
وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ.
أي: ولا تَنقُصوا النَّاسَ مِن حُقوقِهم شَيئًا [928] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/540)، ((تفسير القرطبي)) (9/86)، ((تفسير السعدي)) (ص: 387).  .
وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ.
أي: ولا تَسيروا في الأرض ِبمَعصيةِ اللهِ، والإضرارِ بالخَلقِ [929] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/541)، ((تفسير ابن كثير)) (4/343)، ((تفسير الشوكاني)) (2/588)، ((تفسير السعدي)) (ص: 387).   .
بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (86).
بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ.
أي: قال شُعَيبٌ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لِقَومِه: ما يُبقيه اللهُ لكم بعد أن تُوَفُّوا النَّاسَ حُقوقَهم خيرٌ لكم من الحرامِ الذي تَجمَعونَه بظُلمِ النَّاسِ، شريطةَ أن تكونوا مؤمنينَ بما جئتُكم به [930] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/541)، ((تفسير القرطبي)) (9/86)، ((تفسير البيضاوي)) (3/144). قال القرطبي: (شَرطَ هذا؛ لأنَّهم إنما يعرفونَ صِحَّةَ هذا إن كانوا مؤمنينَ. وقيل: يحتملُ أنَّهم كانوا يعترفونَ بأنَّ الله خالقُهم، فخاطبهم بهذا). ((تفسير القرطبي)) (9/86). .
كما قال تعالى: قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ [المائدة: 100] .
وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ.
أي: وما أنا برقيبٍ عليكم عند كيلِكم ووَزنِكم، وليس عليَّ حفظُ أعمالِكم، وإنَّما عليَّ إبلاغُكم رسالةَ اللهِ [931] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/544)، ((تفسير القرطبي)) (9/86)، ((تفسير ابن كثير)) (4/343)، ((تفسير السعدي)) (ص: 387). .

الفوائد التربوية :

1- الأنبياءُ عليهم السَّلامُ يَشرَعونَ في أوَّلِ الأمرِ بالدَّعوةِ إلى التوحيدِ؛ فلهذا قال شعيبٌ عليه السَّلامُ: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ثمَّ إنَّهم بعد الدَّعوةِ إلى التَّوحيدِ، يَشرَعونَ في الأهمِّ ثمَّ الأهمِّ، ولَمَّا كان المعتادُ مِن أهلِ مَدْينَ البَخسَ في المكيالِ والميزانِ، دعاهم إلى تركِ هذه العادةِ في قولِه: وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ [932] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (18/384). .
2- قولُ الله تعالى: وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ * وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ سلكَ شعيبٌ عليه السَّلامُ في نهيِهم عن الفَسادِ مَسلَك التدرُّجِ، وهذا من أساليبِ الحِكمةِ في تهيئةِ النُّفوسِ بقَبولِ الإرشادِ والكَمالِ، فابتدأ بنَهيِهم عن نوعٍ مِن الفسادِ فاشٍ فيهم، وهو التَّطفيفُ، ثمَّ ارتقَى فنهاهم عن جِنسِ ذلك النَّوعِ، وهو: أكلُ أموالِ النَّاسِ، ثمَّ ارتقَى فنهاهم عن الجِنسِ الأعلى للفَسادِ الشَّاملِ لجميعِ أنواعِ المفاسدِ، وهو: الإفسادُ في الأرضِ كُلُّه [933] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/138). .
3- قولُ الله تعالى: إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ أي: فلا تتَسَبَّبوا إلى زوالِه بفِعلِكم، ففيه أنَّ الجزاءَ مِن جنسِ العمَلِ، فمَن بخسَ أموالَ النَّاسِ، يريدُ زيادةَ مالِه؛ عوقِبَ بنقيضِ ذلك، وكان سببًا لزوالِ الخيرِ الذي عندَه مِن الرِّزقِ [934] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:388).
4- قولُ الله تعالى: بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ فيه أنَّ على العبدِ أن يقنَعَ بما آتاه اللهُ، ويقنعَ بالحلالِ عن الحرامِ، وبالمكاسبِ المُباحةِ عن المكاسبِ المحرَّمةِ، وأنَّ ذلك خيرٌ له؛ ففي ذلك من البَرَكةِ، وزيادةِ الرِّزقِ ما ليس في التكالُبِ على الأسبابِ المحرَّمةِ مِنَ المَحْقِ، وضِدِّ البَرَكةِ [935] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:388). .
5- قولُ الله تعالى: بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فيه أنَّ القناعةَ بالحلالِ عن الحرامِ، وبالمكاسبِ المباحةِ عن المكاسبِ المحرمةِ مِن لوازمِ الإيمانِ وآثارِه؛ فإنَّه رتَّبَ العملَ به على وجودِ الإيمانِ، فدَلَّ على أنَّه إذا لم يوجَدِ العمَلُ، فالإيمانُ ناقِصٌ أو معدومٌ [936] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:388). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قال الله تعالى: قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ دعاءُ شُعَيبٍ إلى عبادةِ اللهِ يقتضي أنَّهم كانوا يعبُدونَ الأوثانَ، وذلك بيِّنٌ مِن قَولِهم فيما بعدُ، وكُفرُهم هو الذي استوجَبوا به العذابَ لا معاصيهم؛ فإنَّ الله لم يعذِّبْ قطُّ أُمَّةً (عذابَ استئصالٍ عامٍّ) إلَّا بالكُفرِ، فإن انضافَت إلى ذلك معصيةٌ كانت تابعةً [937] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/199). .
2- قولُ الله تعالى: وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ هذا النَّهيُ يتضمَّنُ الأمرَ بالإيفاءِ، وصرَّحَ به بعدُ في قولِه: وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وهو يتضمَّنُ النَّهيَ عن النَّقصِ، ففي ذلك تأكيدٌ على الحَثِّ على عدمِ البَخسِ، وعلى الحثِّ على العدلِ [938] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص:269). .
3- قولُ الله تعالى: وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ فيه أنَّ نَقصَ المكاييلِ والموازينِ مِن كبائرِ الذُّنوبِ، وتُخشَى العقوبةُ العاجلةُ على مَن تعاطَى ذلك، وأنَّ ذلك مِن سَرِقةِ أموالِ النَّاسِ، وإذا كانت سَرِقتُهم في المكاييلِ والموازينِ مُوجِبةً للوعيدِ، فسَرِقتُهم على وجهِ القَهرِ والغَلَبةِ مِن بابِ أَولَى وأحرَى [939] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:388). .
4- قولُ الله تعالى: وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ فيه أنَّ الكفَّارَ كما يُعاقَبونَ ويُخاطَبونَ بأصلِ الإسلامِ، فكذلك بشَرائِعِه وفروعِه؛ لأنَّ شُعَيبًا عليه السَّلامُ دعا قومَه إلى التَّوحيدِ، وإلى إيفاءِ المكيالِ والميزانِ، وجعلَ الوعيدَ مُرَتَّبًا على مجموعِ ذلك [940] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:388). .
5- في قولِه تعالى: وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ بيَّن أنَّ ما فعلوه كان بَخسًا للنَّاسِ أشياءَهم؛ وأنَّهم كانوا عاثينَ في الأرضِ مُفسِدينَ قبل أن ينهاهم، بخلافِ قولِ «المُجْبرةِ» أنَّ ظُلمَهم ما كان سيِّئةً إلَّا لَمَّا نهاهم، وأنه قَبلَ النَّهيِ كان بمنزلةِ سائرِ الأفعالِ مِن الأكلِ والشُّربِ وغيرِ ذلك، كما يقولونَ في سائرِ ما نهت عنه الرسُلِ مِن الشِّركِ والظُّلمِ والفواحشِ [941] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (11/680). .
6- قَولُ الله تعالى: وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ قيَّدَه بقَصدِ الإفسادِ؛ لأنَّ بعضَ ما هو إفسادٌ في الظَّاهرِ قد يرادُ به الإصلاحُ، أو دَفعُ أخَفِّ الضَّرَرينِ، كالذي يقعُ في الحربِ مِن قَطعِ الأشجارِ، أو فَتحِ سُدودِ الأنهارِ، أو إحراقِ بعضِ الأشياءِ بالنَّارِ، ومنه خَرقُ الخَضِر للسَّفينةِ التي كانت لمساكينَ يعمَلونَ في البَحرِ؛ لِمنعِ المَلِك الظَّالمِ الذي وراءَهم [942] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (12/117). .
7- قولُ الله تعالى: بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ لفظُ بَقِيَّتُ كلمةٌ جامعةٌ لمعانٍ في كلامِ العرَبِ، منها: الدَّوامُ، ومُؤذِنةٌ بضِدِّه وهو: الزَّوالُ، فأفادت أنَّ ما يقتَرِفونَه متاعٌ زائِلٌ، وما يَدعوهم إليه حظٌّ باقٍ غيرُ زائلٍ، وبقاؤُه دُنيويٌّ وأخرويٌّ [943] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/139). .

بلاغة الآيات:

1- قوله تعالى: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ
- قولُه: قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا استِئْنافٌ وقَع جَوابًا عن سؤالٍ نشَأ عن صدرِ الكلامِ، فكأنَّه قيل: فماذا قال لهم؟ فقيل: قال كما قال مَنْ قبلَه مِن الرُّسلِ عليهم السَّلامُ: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ [944] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/231). .
- قولُه: مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ تحقيقٌ للتَّوحيدِ، وتعليلٌ للأمرِ به [945] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/231). .
- قال تعالى: وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ...، ثم قال بعد ذلك: وَيَا قَوْمِ أوْفُوا المِكْيالَ والمِيزَانَ بِالقِسْطِ فقدَّمَ النَّهيَ على الأمرِ؛ لأنَّ دفْعَ المفاسدِ آكَدُ مِن جلْبِ المصالحِ [946] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (1/269). .
- قولُه: إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ: جملةٌ تعليليَّةٌ للنَّهيِ عن نقْصِ المكيالِ والميزانِ، أي: إنَّكم في غِنًى عن هذا التَّطفيفِ بما أُوتيتُم مِن النِّعمةِ والثَّرْوةِ، وهذا التَّعليلُ يَقْتَضي قُبحَ ما يَرتكِبونه مِن التَّطفيفِ في نظَرِ أهْلِ المُروءةِ، ويَقطَعُ مِنهم العُذرَ في ارتِكابِه، وهذا حَثٌّ على وسيلةِ بَقاءِ النِّعمةِ [947] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/133- 134). ؛ ونبَّه بقولِه: بِخَيْرٍ على العلَّةِ المقتضِيَةِ للوفاءِ لا للنَّقصِ [948] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/195). .
- قولُه: عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ فيه وصْفُ اليومِ بالإحاطةِ، وهو أبلَغُ مِن وصْفِ العذابِ به؛ لأنَّ اليومَ زَمانٌ يَشتمِلُ على الحوادثِ، فإذا أحاط بعَذابِه فقد اجتمَع للمُعذَّبِ ما اشتمَل عليه منه، كما إذا أحاط بنَعيمِه [949] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/417)، ((تفسير أبي السعود)) (4/231)، ((تفسير أبي حيان)) (6/195). ، وفيه أيضًا ارتِقاءٌ في تعليلِ النَّهيِ بأنَّه يَخافُ عليهم عَذابًا يَحِلُّ بهم؛ إمَّا يومَ القيامةِ وإمَّا في الدُّنيا، ولِصُلوحيَّتِه للأمْرَينِ أجمَلَه بقولِه: عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ، وهذا تحذيرٌ مِن عَواقِبِ كُفْرانِ النِّعمةِ، وعِصْيانِ واهِبِها [950] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/137). .
2- قولُه تعالى: وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ
- قولُه: وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ فيه إعادةُ النِّداءِ في جُملةِ وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ؛ لزِيادةِ الاهتمامِ بالجُمْلةِ، والتَّنبيهِ لِمَضمونِها، وهو الأمرُ بإيفاءِ المكيالِ والميزانِ [951] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/137). .
- قولُه: وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ فيه تصريحٌ بالأمرِ بالإِيفاءِ بعدَ النَّهيِ عن ضدِّه، وهو قولُه: وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ؛ مبالَغةً وتنبيهًا على أنَّه لا يَكْفيهم الكفُّ عن تَعمُّدِهم التَّطفيفَ، بل يَلزَمُهم السَّعيُ في الإِيفاءِ؛ فهذا الأمرُ تأكيدٌ للنَّهيِ عن نَقصِهما، والشَّيءُ يُؤكَّدُ بنفيِ ضدِّه؛ لزيادةِ التَّرغيبِ في الإيفاءِ بطلَبِ حُصولِه بعدَ النَّهيِ عن ضدِّه، كقولِه تعالى: وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى [952] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/417)، ((تفسير البيضاوي)) (3/144)، ((تفسير ابن عاشور)) (12/137). [طه: 79] .
- وعبَّر بقولِه: بِالْقِسْطِ؛ لِيَكونَ الإيفاءُ على جِهَةِ العدلِ والتَّسويةِ وهو الواجبُ؛ لأنَّ ما جاوزَ العدلَ فضلٌ، وأمرٌ مندوبٌ إليه [953] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/195). .
- قولُه: مُفْسِدِينَ حالٌ مُؤكِّدةٌ لِعامِلِها تَعْثَوْا؛ مُبالَغةً في النَّهيِ عن الفسادِ [954] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/137- 138). .
- وأيضًا في قولِه: وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ حصَل النَّهيُ عن الأعَمِّ بعدَ النَّهيِ عن العامِّ، وبه حصَلَت خَمسةُ مُؤكِّداتٍ: أوَّلُها: الأمرُ بعدَ النَّهيِ عن الفسادِ الخاصِّ، ثانيها: التَّعميمُ بعدَ التَّخصيصِ، ثالِثُها: زيادةُ التَّعميمِ، رابعًا: تأكيدُ التَّعميمِ الأعَمِّ بتعميمِ المكانِ، خامِسُها: تأكيدُه بالمؤكِّدِ اللَّفظيِّ [955] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/138). .
3- قوله تعالى: بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ
- قولُه: بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ، أي: افْعَلوا ذلك باختيارِكم؛ لأنَّه لِصَلاحِكم، ولَسْتُ مُكْرِهَكم على فِعْلِه، والمقصودُ من ذلك استِنْزالُ طائرِهم لئلَّا يَشمئِزُّوا مِن الأمرِ، وهذا استقصاءٌ في التَّرغيبِ، وحُسْنِ الجدالِ [956] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/141). .
- قولُه: بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فيه إضافةُ بَقِيَّتُ إلى اسْمِ الجلالةِ على المعاني كلِّها جَمْعًا وتفريقًا، إضافةَ تَشريفٍ وتيَمُّنٍ، وهي إضافةٌ على معنى اللَّامِ؛ لأنَّ البقيَّةَ مِن فضْلِه أو ممَّا أمَر به [957] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/140). .
- وفي قولِه: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ جاء باسْمِ الفاعلِ مُؤْمِنِينَ الَّذي هو حقيقةٌ في الاتِّصافِ بالفعلِ في زَمانِ الحالِ؛ تقريبًا لإيمانِهم بإظهارِ الحِرْصِ على حُصولِه في الحالِ، واستعجالًا بإيمانِهم؛ لِئَلَّا يَفْجَأَهمُ العذابُ فيَفُوتَ التَّدارُكُ [958] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/141). .