موسوعة الأخلاق والسلوك

ثاني عَشَرَ: أخطاءٌ شائعةٌ حولَ الحَياءِ


1- اعتِقادُ أنَّ الحَياءَ ممدوحٌ في كُلِّ حالٍ حتى لو أدَّى إلى مداهنةٍ أو تركِ واجبٍ أو فِعلِ محرَّمٍ، إلى غيرِ ذلك من الصُّوَرِ التي يُذَمُّ فيها الحَياءُ.
قال ابنُ عُثَيمين: (اعلَمْ أنَّ الحَياءَ خُلُقٌ محمودٌ إلَّا إذا منع ممَّا يجِبُ، أو أوقع فيما يَحرُمُ، فإذا مَنَع ممَّا يجِبُ فإنَّه مذمومٌ، كما لو منعه الحَياءُ من أن يُنكِرَ المنكَرَ مع وجوبِه، فهذا حَياءٌ مذمومٌ، أنكِرِ المنكَرَ ولا تُبالِ، ولكِنْ بشَرطِ أن يكونَ ذلك واجِبًا، وعلى حَسَبِ المراتِبِ والشُّروطِ) [3982] ((شرح الأربعين النووية)) (ص: 210). .
فـ (الحَياءُ محمودٌ في الدِّينِ، وفي اجتنابِ المحارِمِ، وفي الإفضالِ، وأمَّا في تركِ الحُقوقِ والنُّكوصِ عن الخُصومِ عندَ الحِجاجِ فهو نُقصانٌ في النَّفسِ) [3983] ((معجم الأدباء)) للحموي (1/ 58، 59). .
وقال أبو الوليدِ الباجيُّ: (معنى الحَياءِ المأمورِ به: إذا كان سبَبَ الإمساكِ عمَّا لا يحِلُّ أو يَنقُصُ المروءةَ، وأمَّا إذا منع شيئًا من الدِّيانةِ أو العِلمِ، أو قضاءِ الحقوقِ التي عليه للهِ أو للنَّاسِ، فهو مذمومٌ، واسمُ العِيِّ أحَقُّ به) [3984] ((سنن الصالحين وسنن العابدين)) لأبي الوليد الباجي (ص: 643). .
إنَّ الحَياءَ لا يكونُ إلَّا في الحُدودِ المشروعةِ، فالذي يتهيَّبُ تقريعَ المُبطِلين لا يعتَبَرُ حَييًّا! إنَّ الحَياءَ لا يكونُ تجاهَ الباطِلِ، ولا موضِعَ له مع النَّاسِ إذا ضَلُّوا، ولا موضِعَ له في السُّلوكِ عندَما يَقِفُ المرءُ مَوقِفًا يناصِرُ فيه الحَقَّ [3985]  يُنظَر: ((خلق المسلم )) لمحمد الغزالي (ص: 153). .
2- الاعتقادُ بأنَّ الحَياءَ الغريزيَّ الذي يخلُقُه اللهُ سُبحانَه في الإنسانِ لا يحتاجُ إلى المحافظةِ عليه أو تنميتِه، وهذا اعتقادٌ خَطَأٌ، فهذا الحَياءُ مع كونِه فِطريًّا أودعه اللهُ في النَّاسِ، فإنَّه قد يَفقِدُ وظيفتَه، وقد يتخلَّى الإنسانُ عنه، أو ينحَرِفُ بالإنسانِ إلى الحَياءِ المذمومِ.
3- الحَياءُ ينفَعُ المطيعَ والعاصيَ:
قال أبو عبدِ اللهِ المَرْوَزيُّ: (الحَياءُ خيرٌ كُلُّه، غيرَ أنَّه أمرٌ يَدَّعيه الصَّادِقُ والكاذِبُ، وأصلُه فِعلٌ من الطَّبيعةِ الكريمةِ غريزةً، وخيرٌ يختصُّ اللهُ تعالى به مَن يشاءُ مِن خَلقِه، ينفَعُ العاصيَ والمُطيعَ؛ أمَّا المُطيعُ فقد زال كُلُّ خُلُقٍ دَنيٍّ، وأمَّا الفاسِقُ فلم يجمَعْ مع فِسقِه تهتُّكًا) [3986] ((تعظيم قدر الصلاة)) (2/850) بتصرُّفٍ يسيرٍ. .
وقال أيضًا: (إنْ فَعَلَ الفِعلَ للحَياءِ وتَرَكَه لغيرِ ذِكرِ إخلاصٍ ولا رياءٍ، فهو دينٌ ... وذلك أن يستحيَ العبدُ من إظهارِ المعاصي فيستَتِرَ حَياءً من النَّاسِ، والحَياءُ من اللهِ أَولى به، فضَيَّع الحَياءَ من اللهِ تعالى في سريرتِه، واستحيا من النَّاسِ، والحَياءُ الذي أدَّاه إلى السَّترِ خَيرٌ له من التَّهتُّكِ) [3987] ((تعظيم قدر الصلاة)) (2/ 852). .
4- الاعتقادُ بأنَّ الحَياءَ من سماتِ النِّساءِ، وأنَّه قدحٌ في رُجولةِ الرِّجالِ، وهذا اعتقادٌ خَطَأٌ تسبَّبَت فيه المفاهيمُ المغلوطةُ التي يُرَوَّجُ لها في بعضِ البيئاتِ، ففَضلًا عن أنَّ الحَياءَ من سماتِ الأنبياءِ، وهم أكمَلُ الرِّجالِ وأقواهم في الحَقِّ، وأرفَعُهم أخلاقًا؛ فإنَّ الحَياءَ لا يمنَعُ الرِّجالَ من قَولِ الحَقِّ والصَّدعِ به.
إذًا: (الفَرقُ بَينَ الحَياءِ والضَّعفِ هو الفَرقُ تمامًا بَينَ الكمالِ والنَّقصِ، فلا يستَشعِرُ الحَياءَ إلَّا من اكتَمَلت شمائِلُه أدَبًا وعِفَّةً ورَزانةً، واعتِدادًا بالذَّاتِ، وثِقةً بسلامةِ بِنائِه الأخلاقيِّ) [3988] ((الحياء المفتقد)) لعلي بن قاسم (ص: 226). .
5- الحَياءُ من النَّاسِ واتقاءُ المُسلِمِ لهم والاستتارُ بالمعاصي عنهم، لا يعني النِّفاقَ بإبطانِ القبيحِ وإظهارِ الحَسَنِ. كلَّا، بل المرادُ عَدَمُ الجَهرِ بالقبائِحِ والاستِحياءُ من مقارفتِها علانيةً؛ فإنَّ الرَّجُلَ الذي يخجَلُ من الظُّهورِ برذيلةٍ، لا تزالُ فيه بقيَّةٌ من خيرٍ، والرَّجُلُ الذي يطلُبُ الظُّهورَ بالفضيلةِ لا تزالُ فيه بقيَّةٌ من شَرٍّ.. على أنَّ الإنسانَ ينبغي أن يخجَلَ من نفسِه كما يخجَلُ من النَّاسِ، فإذا كَرِه أن يَرَوه على نقيصةٍ فلْيَكْرَهْ أن يَرى نفسَه على مِثْلِها [3989]  يُنظَر: ((خلق المسلم )) لمحمد الغزالي (ص: 152). .
6- ليس الحَياءُ جُبنًا؛ فإنَّ الرَّجُلَ الخجولَ قد يُفَضِّلُ أن يريقَ دَمَه على أن يريقَ ماءَ وَجْهِه، وتلك هي الشَّجاعةُ في أعلى صُوَرِها، قد يكونُ في الحَياءِ شيءٌ من التَّخوُّفِ، بَيْدَ أنَّه تخوُّفُ الرَّجُلِ الفاضِلِ على مكارِمِه ومحامِدِه أن تذهَبَ ببهائِها الأوضاعُ المُحْرِجةُ. وهذا التَّخوُّفُ يقارِنُ الجراءةَ في مواطنِها المحمودةِ [3990]  يُنظَر: ((خلق المسلم )) لمحمد الغزالي (ص: 153). .

انظر أيضا: