موسوعة الأخلاق والسلوك

ب-  نماذِجُ من حُسنِ العِشْرةِ والجِوارِ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم


كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَسِنَ العِشْرةِ جميلَ الصُّحبةِ؛ قال تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران: 159] ، فوصفه اللهُ تعالى بحُسنِ العِشْرةِ وكريمِ الصُّحبةِ [3321] ((آداب الصحبة)) لأبي عبد الرحمن السلمي (ص: 37). ، يقولُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((خيرُكم خيرُكم لأهلِه، وأنا خيرُكم لأهلي)) [3322] أخرجه الترمذي (3895)، وابن حبان (4177) واللفظ لهما، والدارمي (2260) من حديثِ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها. صحَّحه ابن حبان، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3895)، والوادعي على شرط الشيخين في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1595)، وقال الترمذي: حسنٌ غريبٌ صحيحٌ. ، فهذا إعلامٌ للعبادِ بما كان عليه من حُسنِ العِشْرةِ؛ ليقتَدوا به [3323] ((التنوير)) للصنعاني (6/ 32). .
1- عن أنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنَّ رجُلًا قال: يا رسولَ اللَّهِ، أين أبي؟ قال: ((في النَّارِ، فلمَّا قفَّى دعاه، فقال: إنَّ أبي وأباك في النَّارِ)) [3324] أخرجه مسلم (203). .
قال النَّوويُّ: (هو من حُسنِ العِشْرةِ؛ للتَّسليةِ بالاشتراكِ في المصيبةِ) [3325] ((شرح النووي على مسلم)) (3/ 79). .
2- واستَمَعَ إلى عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها تخبِرُه بحديثِ أمِّ زَرعٍ الطَّويلِ [3326] يُنظَر: ما أخرجه البخاري (5189) ومسلم (2448) من حديثِ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها. ، قال الخطَّابيُّ: (وفيه من العِلمِ حُسنُ العِشْرةِ مع الأهلِ، واستحبابُ محادثتِهم بما لا إثمَ فيه) [3327] ((أعلام الحديث)) (3/ 2000). .
3- وقال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((عُرِضَتْ عليَّ الأمَمُ، فرَأيتُ النَّبيَّ ومَعَه الرُّهَيطُ، والنَّبيَّ ومَعَه الرَّجُلُ والرَّجُلانِ ... فإذا سَوادٌ عَظيمٌ، فقيلٌ لي: هذه أمَّتُك ومَعَهم سَبعونَ ألفًا يَدخُلونَ الجَنَّةَ بغَيرِ حِسابٍ ولا عَذابٍ... فقامُ عُكَّاشةُ بنُ مِحصَنٍ فقالَ: ادْعُ اللهَ أن يَجعَلَني منهم. فقال: أنت منهم، ثُمَّ قامَ رَجُلٌ آخَرُ، فقال: ادْعُ اللهَ أن يَجعَلَني منهم. فقال: سَبَقَك بها عُكَّاشةُ)) [3328] أخرجه البخاري (5705)، ومسلم (220) واللفظ له، من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما. ، قيل: أجابه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بما كان عليه من حُسنِ العِشْرةِ وجميلِ الصُّحبةِ بكلامٍ محتَمَلٍ ولفظٍ مُشتَرَكٍ؛ فهو من بابِ المعاريضِ الجائزةِ، ولم يرَ التَّصريحَ له بأنَّك لستَ منهم ولا مُستَحِقًّا لتلك المنزلةِ [3329] ((إكمال المعلم)) (1/ 604). .
4- وعن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((سألتِ امرأةٌ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن المرأةِ ترى في منامِها ما يرى الرَّجُلُ في منامِه، فقال: إذا كان منها ما يكونُ من الرَّجُلِ فلتغتَسِلْ)) [3330] أخرجه مسلم (312). ، وهذا من حُسنِ العِشْرةِ، ولُطفِ الخطابِ، واستعمالُ اللَّفظِ الجميلِ مَوضِعَ اللَّفظِ الذي يُستحيا منه في العادةِ [3331] ((شرح مسلم)) للنووي (3/ 223). .
5- وعن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه: ((أنَّ جَدَّتَه مُلَيكةَ دعَت رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لطعامٍ صنعَته له، فأكل منه، ثُمَّ قال: قوموا فلأُصلِّي بكم، فقمْتُ إلى حَصيرٍ لنا قد اسوَدَّ مِن طولِ ما لُبِس [3332] لُبِس: أي: استُعمِلَ. يُنظَر: ((كشف المشكل من حديثِ الصحيحين)) لابن الجوزي (3/ 201). فنضَحَتْه بماءٍ، فقام عليه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وصفَفْتُ أنا واليتيمُ)) [3333] أخرجه البخاري (380)، ومسلم (658) واللفظ له. . فيه: ما كان عليه من حُسنِ الخُلُقِ وحُسنِ العِشْرةِ والتَّواضُعِ، وإجابةِ المحتاجين، والانبساطِ مع الضُّعَفاءِ، وحُسنِ العِشْرةِ مع الصَّغيرِ والكبيرِ [3334] ((إكمال المعلم)) للقاضي عياض (2/ 635). .
6- قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((قد أجَرْنا من أجَرْتِ [3335] أجَرْنا من أجَرْتِ، أي: أمَّنَّا من أمَّنتِ. يُنظَر: ((المفاتيح في شرح المصابيح)) للمظهري (4/ 422). يا أمَّ هانئٍ)) [3336] أخرجه البخاري (357)، ومسلم (336) مطوَّلًا من حديثِ أمِّ هانئٍ بنتِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنها. ، فيه من حُسنِ العِشْرةِ وتطييبِ النَّفسِ وجميلِ المخاطَبةِ ما فيه [3337] ((إكمال المعلم)) للقاضي عياض (3/ 60). .
7- قال جابِرُ بنُ عبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: (وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجلًا سهلًا، إذا هَوِيَتِ الشَّيءَ تابَعَها عليه) [3338] أخرجه مسلم (1213). ، يعني: عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها، وفيه حُسنُ العِشْرةِ مع الأزواجِ ومُساعدتُهنَّ، لا سيَّما فيما هو من بابِ الطَّاعاتِ، وما كان عليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الخُلُقِ العظيمِ [3339] ((إكمال المعلم)) للقاضي عياض (4/ 255، 256). .
8- عن عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها قالت: (كنتُ ألعَبُ بالبناتِ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكان لي صواحِبُ يلعَبْنَ معي، فكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا دخل يتقمَّعْنَ منه، فيُسَرِّبُهنَّ إليَّ فيلعَبْنَ معي) [3340] أخرجه البخاري (6130) واللفظ له، ومسلم (2440). ، وفيه دلالةٌ على استحبابِ المساهلةِ في العِشْرةِ مع الأهلِ والأطفالِ [3341] ((الكوثر الجاري)) للكوراني (9/ 484). .

انظر أيضا: