موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- من القُرآنِ الكريمِ


- قال اللهُ تباركَ وتعالى: لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا
قال ابنُ عاشُورٍ: (فيه تنبيهٌ على أنَّ حقَّ المؤمنِ إذا سمِعَ قالةً في مؤمنٍ أن يبنيَ الأمرَ فيها على الظَّنِّ لا على الشَّكِّ، ثمَّ ينظُرَ في قرائِنِ الأحوالِ وصلاحيَّةِ المقامِ، فإذا نُسِبَ سوءٌ إلى مَن عُرِفَ بالخيرِ ظنَّ أنَّ ذلك إفكٌ وبُهتانٌ، حتَّى يتَّضحَ البُرهانُ، وفيه تعريضٌ بأنَّ ظنَّ السُّوءِ الذي وقع هو من خِصالِ النِّفاقِ التي سَرَت لبعضِ المؤمنين عن غُرورٍ وقلَّةِ بَصارةٍ، فكفى بذلك تشنيعًا له!) [3167] ((التحرير والتنوير)) (18/174، 175). .
وقال أبو حَيَّانَ الأندلُسيُّ: (فيه تنبيهٌ على أنَّ حقَّ المؤمِنِ إذا سَمِع قالةً في أَخيهِ أنْ يبنيَ الأمرَ فيه على ظنِّ الخيرِ، وأن يقولَ بِناءً على ظنِّه: هذا إفكٌ مُبينٌ، هكذا باللَّفظِ الصَّريحِ ببراءةِ أخيه، كما يقولُ المُستيقِنُ المُطَّلِعُ على حقيقةِ الحالِ، وهذا منَ الأدَبِ الحَسَنِ) [3168] ((البحر المحيط في التفسير)) (8/21، 22). .
وقال الخازنُ: (والمعنى: كان الواجبُ على المؤمنين إذْ سمِعوا قولَ أهلِ الإفكِ أن يُكذِّبوه ويُحسِنوا الظَّنَّ، ولا يُسرعُوا في التُّهمةِ، وقَولِ الزُّورِ فيمَن عَرَفوا عفَّتَه وطهارتَه) [3169] ((لباب التأويل في معاني التنزيل)) (3/288). .
- وقال اللَّهُ تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات: 12] .
قال ابن حجر الهيتمي: (عَقَّب تعالى بأمرِه باجتنابِ الظَّنِّ، وعَلَّل ذلك بأنَّ بعضَ الظَّنِّ إثمٌ، وهو ما تخيَّلْتَ وقوعَه من غيرِك من غيرِ مُستنَدٍ يقينيٍّ لك عليه، وقد صَمَّم عليه قلبُك، أو تكَلَّم به لسانُك من غيرِ مُسَوِّغٍ شرعيٍّ) [3170] ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) (2/9). .
ويقولُ الطَّبريُّ: (يقولُ تعالى ذِكرُه: يا أيُّها الذين صدَّقوا اللَّهَ ورسولَه، لا تَقرَبوا كثيرًا من الظَّنِّ بالمُؤمِنين، وذلك أن تظنُّوا بهم سوءًا؛ فإنَّ الظَّانَّ غيرُ مُحِقٍّ، وقال جلَّ ثناؤه: اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ، ولم يقُلْ: الظَّنَّ كُلَّه؛ إذ كان قد أذِنَ للمُؤمِنين أن يَظُنَّ بعضُهم ببعضٍ الخَيرَ، فقال: لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ [النور: 12] ، فأَذِن اللَّهُ جَلَّ ثناؤه للمُؤمِنين أن يظُنَّ بعضُهم ببعضٍ الخَيرَ، وأن يقولوه، وإن لم يكونوا من قيلِه فيهم على يقينٍ.... عن ابنِ عبَّاسٍ، قَولُه يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ، يقولُ: نهى اللَّهُ المُؤمِنَ أن يظُنَّ بالمُؤمِنِ شَرًّا. وقولُه: إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ يقولُ: إنَّ ظَنَّ المُؤمِنِ بالمُؤمِنِ الشَّرَّ لا الخيرَ إثمٌ؛ لأنَّ اللَّهَ قد نهاه عنه، ففِعْلُ ما نهى اللَّهُ عنه إثمٌ) [3171] ((جامع البيان)) (22/303، 304). .
(وكأنَّ الآيةَ الكريمةَ تنهى عن أن يتلوَّثَ الإنسانُ بالظَّنِّ السَّيِّئِ فيَقَعَ في الإثمِ، وتُحُّث على أن يظَلَّ الإنسانُ طاهِرَ القَلبِ نقيَّ الصَّدرِ بريءَ السَّاحةِ، يطوي فؤادَه على حُسْنِ الظَّنِّ بالنَّاسِ) [3172] ((أخلاق القرآن)) للشرباصي (4/48). .

انظر أيضا: