موسوعة الأخلاق والسلوك

ثالِثَ عَشَرَ: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ


- حَذَرُ المُنافِقين وحَيطتُهم من المُؤمِنينَ:
كان المُنافِقون يحرِصون كُلَّ الحِرصِ على إخفاءِ مُخَطَّطاتهم وأقوالِهم الشَّنيعةِ، ويَحذَرون أن يَسمَعَ بها أحدٌ غيرُهم؛ فذَمَّ اللَّهُ هذا الحَذَرَ المذمومَ.
قال تعالى: يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ [التوبة: 64] .
أي: يخافُ المُنافِقون ويتحَرَّزون أن تُنَزَّلَ على المُؤمِنين سورةٌ تَكشِفُ أحوالَهم، وتفضَحُ أسرارَهم، وتُبَيِّنُ نفاقَهم، وتُخبِرُهم بحقيقةِ وَضعِهم؛ فيُفتَضَحُ أمرُهم، وتنكَشِفُ أسرارُهم [3020] يُنظَر: ((التفسير المنير)) للزحيلي (10/289). .
قال السُّدِّيُّ: (قال بعضُ المُنافِقين: واللَّهِ ودِدْتُ لو أنِّي قُدِّمتُ فجُلِدتُ مائةَ جَلدةٍ، ولا يَنزِلُ فينا شَيءٌ بفَضْحِنا؛ فنَزَلت الآيةُ) [3021] ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (8/195). .
- دواعي الحَذَرِ والحَيطةِ واليَقَظةِ بَيْنَ مكَّةَ والمدينةِ:
يلاحَظُ في آياتِ القرآنِ الكريمِ أنَّ هذه الأمورَ كانت مطلوبةً أكثَرَ في السُّوَرِ المدنيَّةِ عنها في السُّوَرِ المكِّيَّةِ، وهذا دليلٌ على أنَّ المكرَ والكيدَ للإسلامِ والمُسلِمين في المدينةِ أضعافُ ما كان عليه في مكَّةَ؛ فكُلَّما ظهَر الإسلامُ وقَوِي المُسلِمون ازداد المكرُ والكيدُ لهم؛ ففي المدينةِ بدأت دولةُ الإسلامِ تقوى يومًا تِلْوَ يومٍ، وبدأ أعداؤُها في الدَّاخِلِ والخارجِ يكيدون لها اللَّيلَ والنَّهارَ، ويَمكُرون بها سِرًّا وجَهرًا.
قال تعالى: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال: 30] .
وقال تعالى في آلِ عِمرانَ: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [آل عمران: 54] .
وكِلتا الآيتَينِ مَدَنيَّةٌ ممَّا يوحي بطبيعةِ المكرِ في المدينةِ ممَّا يحتاجُ إلى مزيدٍ من الحَذَرِ والحَيطةِ.
وهذا لا يعني أنَّه لم يكُنْ هناك مَكرٌ بالمُسلِمين في العَهدِ المكِّيِّ؛ فقد قال تعالى في سورةِ إبراهيمَ -وهي مكِّيَّةٌ-: وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ [إبراهيم: 46] ، وقال تعالى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال: 30] .

انظر أيضا: