موسوعة الأخلاق والسلوك

ثاني عَشَرَ: أخطاءٌ شائعةٌ حولَ الحَذَرِ واليَقَظةِ والحَيطةِ


1- الاعتقادُ بأنَّ المُسلِمَ إذا احتاط في أمورِه، وكان حَذِرًا يَقِظًا فيما يَفعَلُ أو يُفعَلُ مِن حَولِه، فإنَّ ذلك لا يكونُ إلَّا مِن ضَعفِ توكُّلِه على رَبِّه؛ إذ لو توكَّل على اللَّهِ سُبحانَه وكَمَل يقينُه به لتَرَك الحَذَرَ، وأوكَل أمورَه إلى باريها، وهذا اعتقادٌ خَطَأٌ؛ لأنَّ الأخذَ بالأسبابِ -ومنها الحَذَرُ والحَيطةُ- لا يُنافي التَّوكُّلَ.
قال اللَّهُ تعالى حكايةً عن يعقوبَ عليه السَّلامُ: يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ [يوسف: 67] (فأمَرَهم بالحَذَرِ مع التَّنبيهِ على أنَّه متوكِّلٌ على اللَّهِ، والتَّذكيرِ بوُجوبِ التَّوكُّلِ عليه، فجَمَع بَيْنَ الواجبَينِ، وبَينَ أنَّه لا تنافيَ بَيْنَهما، ولا غَناءَ للمُؤمِنِ عنهما؛ ذلك بأنَّ الإنسانَ إذا توكَّل ولم يستعِدَّ للأمرِ ويأخُذْ له أُهبَتَه بحسَبِ سُنَّةِ اللَّهِ في الأسبابِ والمُسَبِّباتِ، يَقَعُ في الحَسرةِ والنَّدَمِ عندما يخيبُ ويفوتُه غَرَضُه، فيكونُ ملومًا شرعًا وعَقلًا) [3017] ((تفسير المنار)) (4/ 170). .
يقولُ ابنُ القَيِّمِ: (لا تَتِمُّ حقيقةُ التَّوحيدِ إلَّا بمباشَرةِ الأسبابِ التي نصبَها اللَّهُ مُقتَضياتٍ لمُسَبَّباتِها قَدرًا وشَرعًا، وإنَّ تعطيلَها يقدَحُ في نَفسِ التَّوكُّلِ، كما يقدَحُ في الأمرِ والحِكمةِ، ويُضعِفُه من حيثُ يظُنُّ مُعطِّلُها أنَّ تَرْكَها أقوى في التَّوكُّلِ، فإنَّ تَرْكَها عجزًا ينافي التَّوكُّلَ الذي حقيقتُه اعتمادُ القَلبِ على اللَّهِ في حُصولِ ما ينفَعُ العبدَ في دينِه ودُنياه، ودَفعِ ما يَضُرُّه في دينِه ودُنياه، ولا بُدَّ مع هذا الاعتمادِ من مباشَرةِ الأسبابِ، وإلَّا كان مُعَطِّلًا للحِكمةِ والشَّرعِ، فلا يجعَلُ العبدُ عَجْزَه توكُّلًا، ولا توكُّلَه عَجزًا) [3018] ((زاد المعاد)) (4/14). .
وقالوا: (من أخَذ بالحَزمِ وقَدَّم الحَذَرَ، وجاءت المقاديرُ بخِلافِ مُرادِه؛ كان أحمَدَ رأيًا وأظهَرَ عُذرًا ممَّن عَمِل بالتَّفريطِ، وإن اتَّفَقت له الأمورُ على ما يريدُ؛ فليس على العاقِلِ النَّظَرُ في القَدَرِ الذي لا يدري ما يأتيه منه، وما ينصَرِفُ عنه، ولكِنْ عليه العَمَلُ بالحَزمِ في أمرِه، ومحاسَبةُ نَفسِه في ذلك) [3019] ((لباب الآداب)) لأسامة بن منقذ (1/ 46). .
2- الاعتقادُ بأنَّ الحَذَرَ في التَّعامُلِ مع النَّاسِ وأخذَ الحَيطةِ منهم يتنافى مع أمرِ الشَّريعةِ بحُسنِ الظَّنِّ بالنَّاسِ، وهذا خَطَأٌ؛ فقد أمَرَنا اللَّهُ عزَّ وجَلَّ بالحَذَرِ، وحَذَّرَنا من سوءِ الظَّنِّ؛ فينبغي للمُسلِمِ أن يكونَ على حَذَرٍ متيقِّظًا، وعليه أيضًا أن يكونَ سليمَ الصَّدرِ بعيدًا عن سُوءِ الظَّنِّ بالآخَرينَ.
 وأيضًا فسُوءُ الظَّنِّ المنهيُّ عنه في قَولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات: 12] ، إنَّما هو سوءُ الظَّنِّ الذي لم يُبْنَ على أماراتٍ أو دلائِلَ أو قرائِنَ، وإنَّما هو مجرَّدُ أوهامٍ أو إشاعاتٍ أو أخبارٍ لا مُستَندَ لها.

انظر أيضا: