موسوعة التفسير

سورةُ التَّوبةِ
الآيات (83-85)

ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ

غريب الكلمات:

الْخَالِفِينَ: المتخلِّفين [1430] قال الألوسي: (وتفسيرُ الخالفِ بالمتخلِّفِ هو المأثورُ عن أكثرِ المفسِّرين السَّلفِ). ((تفسير الألوسي)) (5/341). بعدَ القومِ، أو المتخلِّفينَ لعذرٍ، كالنساءِ والأطفالِ والعَجزةِ وأهلِ الأعذارِ، والخالفُ: المتأخِّر لنقصانٍ أو قصورٍ، ومَن يَخْلُف الرجلَ في مالِه وبيتِه، وقيل: الخالفُ: الفاسدُ، مِن: خَلَف، أي: فَسَد [1431] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 191)، ((تفسير ابن جرير)) (11/609)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/210)، ((المفردات)) للراغب (ص: 295)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 144)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (6/93)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 227). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ الله تعالى لنبيِّه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنْ ردَّك اللهُ تعالى مِن غَزوةِ تَبوكَ إلى جماعةٍ مِن هؤلاء المُنافِقينَ الذين تخَلَّفوا عنك في المدينةِ بلا عُذرٍ، فاستأذَنوك للخُروجِ معك للجِهادِ في غزوةٍ أخرى؛ فقل لهم: لن تخرُجوا معيَ أبدًا، ولن تقاتِلوا معيَ عدُوًّا؛ وذلك لأنَّكم رَضِيتُم بالتخَلُّفِ عن الجهادِ، حين دُعيتُم أوَّلَ مَرَّةٍ للخُروجِ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى تَبوكَ، فاقعُدوا مع المتخَلِّفينَ عن الجهادِ.
ثم ينهَى اللهُ نبيَّه مُحمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يصلِّيَ على أيِّ أحدٍ مِن هؤلاء المُنافِقينَ إذا مات، أو يقِفَ على قَبرِه، لأنَّهم كَفَروا باللهِ ورَسولِه، وماتوا وهم فاسِقونَ.
وينهاه أيضًا عن أن يستحسِنَ أموالَهم وأولادَهم، فيغتَرَّ بها؛ فاللهُ تعالى إنَّما يريدُ أن يعذِّبَهم بها في الدُّنيا، وأن تَخرُجَ أرواحُهم وهم مستمِرُّون على كُفرِهم.

تفسير الآيات:

فَإِن رَّجَعَكَ اللّهُ إِلَى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ (83).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا بيَّنَ الله تعالى مَخازِيَ المُنافِقينَ، وسُوءَ طَريقَتِهم؛ بيَّنَ أنَّ الصَّلاحَ في ألَّا يستصحِبَهم في غزَواتِه؛ لأنَّ خُروجَهم معه يُوجبُ أنواعًا من الفسادِ [1432] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (16/114). .
وأيضًا لما قال الله تعالى: قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ... فُرِّع على الغضبِ عليهم وتهديدِهم عقابٌ آخرُ لهم، بإبعادِهم عن مشاركةِ المسلمين في غزواتِهم [1433] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/282). .
وأيضًا لَمَّا كان المسرورُ بشيءٍ، الكارِهُ لضِدِّه، النَّاهي عنه؛ لا يفعَلُ الضِّدَّ إلَّا تكلُّفًا، ولا قَلْبَ له إليه، وكان هذا الدِّينُ مَبنيًّا على العِزَّةِ والغِنى؛ أتبَعَ ذلك بقَولِه مُسبِّبًا عن فَرَحِهم بالتخَلُّفِ [1434] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (8/564). :
فَإِن رَّجَعَكَ اللّهُ إِلَى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ.
أي: فإن أرجَعَك اللهُ وردَّك- يا مُحمَّدُ- من غزوةِ تَبوكَ، إلى جماعةٍ من هؤلاءِ المُنافِقينَ- الذين تخلَّفوا عنك في المدينةِ بغَيرِ عُذرٍ، وفَرِحوا بذلك- فاستأذَنوك للخُروجِ معك للجِهادِ في غزوةٍ أُخرَى [1435] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/608)، ((البسيط)) للواحدي (10/579)، ((تفسير ابن كثير)) (4/192)، ((تفسير السعدي)) (ص: 346)، ((تفسير ابن عاشور)) (10/282، 283). قال ابن عاشور: (المرادُ بالطَّائفةِ هنا جماعةٌ من المخَلَّفينَ، دلَّ عليها قَولُه: فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ أي: إلى طائفةٍ منهم يبتغونَ الخُروجَ للغَزوِ، فيجوزُ أن تكونَ هذه الطائفةُ من المُنافقين أرادوا الخروجَ للغَزوِ؛ طمعًا في الغنيمةِ أو نحو ذلك. ويجوز أن تكونَ طائفةٌ مِن المخلَّفينَ تابوا وأسلموا، فاستأذنوا للخُروجِ للغَزْوِ. وعلى الوجهينِ يحتملُ أنَّ مَنْعَهم مِن الخروجِ للخَوفِ مِن غَدرِهم إن كانوا مُنافقينَ، أو لمجَرَّد التأديبِ لهم إن كانوا قد تابُوا وآمنوا). ((تفسير ابن عاشور)) (10/283). .
فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّا.
أي: فقُل- يا مُحمَّدُ- عقوبةً لهم: لن تَصحبوني أبدًا في أيِّ سَفرٍ؛ للجِهادِ، ولا لغَيرِه، كالنُّسُك، ولن تُقاتِلوا معيَ عدُوًّا من الأعداءِ أبدًا [1436] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/608)، ((البسيط)) للواحدي (10/579)، ((تفسير البغوي)) (2/375)، ((تفسير القرطبي)) (8/217)، ((تفسير ابن كثير)) (4/192)، ((تفسير أبي السعود)) (4/89)، ((تفسير الشوكاني)) (2/442)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (10/493)، ((تفسير السعدي)) (ص: 346). قال محمد رشيد رضا: (وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا مِنَ الأعداء بِصفةٍ ما، لا بالخروجِ والسَّفَرِ إليهم، ولا بغيرِ ذلك؛ كأن يُهاجِموا المؤمنينَ في عاصِمَتِهم، كما فعلوا يومَ الأحزابِ مَثلًا، فكلٌّ مِن الخروجِ المُطلَق الذي حُذِفَ مُتعَلِّقُه، والقتالِ الذي ذُكِرَ مُتعَلِّقُه، نكرةٌ منفيَّةٌ عامةٌ، فيَصْدُقَانِ بكلِّ خُروجٍ، وكلِّ قتالٍ لعدوٍّ في أي مكانٍ، وقد يكون كلٌّ منهما بدونِ الآخَرِ، فبينهما عمومٌ وخصوص مُطلَق، وقد غفَل عن هذا مَن غفَل من المفسِّرين، فزعموا أنَّ الثانيَ تأكيدٌ للأوَّلِ). ((تفسير المنار)) (10/493). .
كما قال تعالى: سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ [الفتح: 15] .
إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ.
أي: وذلك لأنَّكم رَضِيتُم- أيُّها المُنافِقونَ- بالتخلُّفِ عن الجهادِ، حين دُعيتُم أوَّلَ مرَّةٍ للخروجِ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى تَبوكَ [1437] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/608)، ((تفسير الرازي)) (16/114)، ((تفسير ابن كثير)) (4/192)، ((تفسير أبي السعود)) (4/89)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (10/493)، ((تفسير ابن عاشور)) (10/283). .
كما قال تعالى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [الأنعام: 110] .
فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ.
أي: فاقعُدوا- أيُّها المنافقونَ- مع المتخَلِّفينَ عن الجهادِ، من الأشرارِ الفاسدينَ الذين تخلَّفوا بغيرِ عُذرٍ، ومن المَعذُورينَ مِن المَرضى والضُّعَفاءِ، والنِّساءِ والصِّبيانِ [1438] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/608 - 610)، ((البسيط)) للواحدي (10/582)، ((تفسير البغوي)) (2/376)، ((تفسير الرازي)) (16/114، 115)، ((تفسير ابن كثير)) (4/192)، ((تفسير الشوكاني)) (2/442، 443)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (10/493). قال ابنُ جريرٍ: (أُريدَ به: فاقعُدوا معَ مرضَى الرِّجالِ وأهلِ زَمانَتِهم والضُّعفاءِ مِنهم والنِّساءِ ... ولو وُجِّه معنَى ذلك إِلى: فاقعُدوا معَ أهلِ الفسادِ، من قولِهم: خَلَفَ الرِّجالَ عن أهلِه يَخْلُفُ خُلُوفًا، إِذا فَسَد، ومِن قولِهم: هو خَلَفُ سُوءٍ، كان مذهبًا). ((تفسير ابن جرير)) (11/609 - 610). .
وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ (84).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّ الله تعالى أمَرَ رَسولَه بأن يسعى في تخذيلِ المُنافِقينَ، وإهانَتِهم وإذلالِهم، فالذي سبق ذِكرُه في الآيةِ الأولى- وهو مَنْعُهم من الخروجِ معه إلى الغَزَواتِ- سببٌ قويٌّ من أسبابِ إذلالِهم وإهانتِهم، وهذا الذي ذكَرَه في هذه الآيةِ- وهو مَنعُ الرَّسولِ من أن يصلِّيَ على من مات منهم- سببٌ آخَرُ قويٌّ في إذلالِهم وتَخذيلِهم [1439] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (16/115). .
وأيضًا لَمَّا انقضى الكلامُ على الاستغفارِ للمُنافقينَ، النَّاشئِ عن الاعتذارِ والحَلِف الكاذِبَينِ، وكان الإعلامُ بأنَّ اللهَ لا يغفِرُ لهم، مَشُوبًا بصورةِ التَّخييرِ في الاستغفارِ لهم، وكان ذلك يُبقي شيئًا مِن طَمَعِهم في الانتفاعِ بالاستغفارِ؛ لأنَّهم يحسَبونَ المعامَلةَ الرَّبانيَّةَ تجري على ظواهِرِ الأعمالِ والألفاظِ- تهيَّأ الحالُ للتَّصريحِ بالنَّهيِ عن الاستغفارِ لهم، والصَّلاةِ على موتاهم [1440] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/284). ، فقال تعالى:
وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا.
سبَبُ النُّزولِ:
عن ابنِ عبَّاسٍ، عن عُمرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ الله عنهم، أنَّه قال: ((لَمَّا مات عبدُ الله بنُ أُبيٍّ ابنُ سلولَ، دُعِيَ له رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليُصَلِّيَ عليه، فلمَّا قام رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وثَبْتُ إليه، فقلتُ: يا رسولَ الله، أتُصلِّي على ابنِ أُبيٍّ، وقد قال يومَ كذا وكذا: كذا وكذا؟! أعَدِّدُ عليه قَولَه، فتبسَّمَ رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقال: أخِّرْ عنِّي يا عُمرُ، فلمَّا أكثَرْتُ عليه، قال: إنِّي خُيِّرتُ فاختَرتُ، لو أعلَمُ أنِّي إن زدْتُ على السَّبعينَ يُغفَرْ له لَزِدْتُ عليها. قال: فصلَّى عليه رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثم انصرَفَ، فلم يمكُثْ إلَّا يسيرًا، حتى نزَلَت الآيتانِ مِن براءةَ: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ. قال: فعَجِبْتُ بعدُ مِن جُرأتي على رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَئذٍ، واللهُ ورسولُه أعلَمُ )) [1441] أخرجه البخاري (1366) .
وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا.
أي: ولا تُصَلِّ- يا مُحمَّدُ- على أحدٍ من هؤلاءِ المُنافِقينَ إذا مات، أبدًا [1442] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/610)، ((تفسير ابن كثير)) (4/192)، ((تفسير ابن عاشور)) (10/284). قال ابن جرير: (يقولُ جلَّ ثناؤه لنبيِّه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ولا تُصَلِّ- يا محمَّدُ- على أحدٍ مات من هؤلاء المنافقينَ الذين تخلَّفوا عن الخُروجِ معك أبدًا). ((تفسير ابن جرير)) (11/610). وقال ابن كثير: (هذا حكمٌ عامٌّ في كلِّ مَن عُرِفَ نِفاقُه، وإن كان سببُ نزولِ الآيةِ في عبدِ الله بنِ أُبيٍّ ابنِ سلولَ؛ رأسِ المنافقينَ). ((تفسير ابن كثير)) (4/193). ويُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/285، 287). .
عن أبي قَتادةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا دُعِيَ لِجِنازةٍ سأل عنها، فإن أُثنِيَ عليها خيرًا، قام فصلَّى عليها، وإن أُثنِيَ عليها غيرَ ذلك، قال لأهلِها: شأنَكم بها، ولم يُصَلِّ عليها)) [1443] أخرجه أحمد (22555)، والطيالسي (629)، وابن حبان (3057)، والحاكم في ((المستدرك)) (1348). قال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/265)، والهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (3/6): رجالُه رجالُ الصحيح، وقال ابنُ حجرٍ، كما في ((الفتوحات الربانية)) لابن علان (4/210): صحيحٌ غريبٌ، وصحَّحه الألباني في ((صحيح الترغيب)) (3517)، والوادعي في ((الفتاوى الحديثية)) (1/445). .
وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ.
أي: ولا تَقُم- يا مُحمَّدُ- على قبرِ أحدٍ مِن هؤلاء المُنافِقينَ؛ لِتَولِّي دَفنِه، والاستغفارِ والدُّعاءِ له [1444] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/610)، ((البسيط)) للواحدي (10/584)، ((تفسير ابن كثير)) (4/192، 193)، ((تفسير السعدي)) (ص: 347)، ((تفسير ابن عاشور)) (10/285). .
إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ.
أي: لا تُصَلِّ على المُنافقينَ إذا ماتوا، ولا تقُمْ على قُبورِهم؛ لأنَّهم كَفروا باللهِ سُبحانه، وكَفَروا برَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [1445] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/610)، ((تفسير أبي السعود)) (4/90)، ((تفسير ابن عاشور)) (10/285). .
وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ.
أي: وماتوا وهم خارِجونَ عن الإيمانِ، وطاعةِ الرَّحمنِ [1446] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/610)، ((تفسير الرازي)) (16/116)، ((تفسير ابن عاشور)) (10/285). .
وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذكَرَ اللهُ تعالى ما يدلُّ على شَقاوةِ المُنافقين في الحياةِ الآخرةِ، كان ذلك قد يُثيرُ في نفوسِ النَّاسِ أنَّ المنافقين حصَّلوا سعادةَ الحياةِ الدُّنيا، بكثرةِ الأموالِ والأولادِ، وخَسِروا الآخرةَ. وربَّما كان في ذلك حَيرةٌ لبعضِ المُسلمين أن يقولوا: كيف منَّ الله عليهم بالأموالِ والأولادِ، وهم أعداؤه وبُغَضاءُ نبيِّه. وربَّما كان في ذلك أيضًا مَسلاةٌ لهم بين المُسلمين، فأعلمَ اللهُ المُسلِمينَ أنَّ تلك الأموالَ والأولادَ- وإن كانت في صورةِ النِّعمةِ- فهي لهم نِقمةٌ وعذابٌ، وأنَّ اللهَ عذَّبهم بها في الدُّنيا [1447] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/286). ، فقال تعالى:
وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ.
أي: ولا تَستحسِنْ- يا مُحمَّدُ- أموالَ المُنافِقينَ وأولادَهم، ممَّا أنعَمْنا عليهم؛ استدراجًا لهم [1448] تقدم نظيرها في الآية (55) من هذه السورة. قال ابن عطية: (الخطابُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والمرادُ أمَّتُه؛ إذ هو- بإجماعٍ- ممَّن لا تفتِنُه زخارِفُ الدُّنيا، ويحتمل أن يكونَ معنى الآية: ولا تُعجِبْك أيُّها الإنسانُ، والمرادُ الجِنسُ). ((تفسير ابن عطية)) (3/68). ويُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/286). .
إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا.
أي: إنَّما يريدُ اللهُ أن يعذِّبَ المُنافقينَ بأموالِهم وأولادِهم في حياتِهم الدُّنيا، بالهُمومِ والغُمومِ، بأخذِ الزَّكاةِ منهم، وبما أُلزِموا بالإنفاقِ فيه، وبما يعتري أموالَهم وأولادَهم من مصائِبَ وتعبٍ في جمعِ الأموالِ، ووَجَلٍ في حِفظِها، وخوفٍ مِن زَوالِها، وغَيرِ ذلك [1449] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/615)، ((الوسيط)) للواحدي (2/504)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي بن أبي طالب (4/3090)، ((تفسير السعدي)) (ص: 347). .
كما قال تعالى: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى [طه: 131] .
وقال سبحانه: أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ [المؤمنون:55-56] .
وعن زيدِ بنِ ثابتٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن كانت الدُّنيا همَّه، فرَّقَ اللهُ عليه أمْرَه، وجعَلَ فَقرَه بين عينَيه، ولم يأتِه مِن الدُّنيا إلَّا ما كُتِبَ له، ومَن كانت الآخرةُ نيَّتَه، جمَعَ اللهُ له أمْرَه، وجعَل غِناه في قَلبِه، وأتَتْه الدُّنيا وهي راغمةٌ )) [1450] أخرجه ابن ماجه (4105)، والطيالسي في ((المسند)) (617)، وابن حبان في ((الصحيح)) (680). قال ابنُ عبدِ البرِّ في ((التمهيد)) (21/276): ثابتٌ، وجوَّد إسنادَه العراقي في ((تخريج الإحياء)) (5/88)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح ابن ماجه)) (3329). .
وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ.
أي: ويريدُ اللهُ أن تَخرُجَ أرواحُ المُنافِقينَ مِن أجسادِهم، وهم مُقيمونَ على كُفرِهم [1451] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/615)، ((تفسير القرطبي)) (8/164)، ((تفسير ابن كثير)) (4/163)، ((تفسير السعدي)) (ص: 347). قال ابن كثير: (ليكونَ ذلك أنكى لهم وأشَدَّ لعذابِهم، عياذًا باللهِ من ذلك، وهذا يكونُ مِن باب الاستدراجِ لهم فيما هم فيه). ((تفسير ابن كثير)) (4/163). .

الفوائد التربوية:


1- قال الله تعالى: فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا لا خِزيَ أعظَمُ مِن أن يكونَ إنسانٌ قد رفَضَه الشَّرعُ ورَدَّه، كالجَمَلِ الأجرَبِ [1453] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/66). .
2- قال الله تعالى: فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ هذه الآيةُ تدُلُّ على أنَّ الرجُلَ إذا ظهَرَ له من بعضِ مُتعلِّقيه مَكرٌ وخِداعٌ وكيدٌ، ورآه مُشَدِّدًا فيه مُبالغًا في تقريرِ مُوجِباتِه، فإنَّه يجِبُ عليه أن يقطَعَ العُلقةَ بينه وبينه، وأن يحتَرِزَ عن مُصاحَبتِه [1454] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (16/115). .
3- ينبغي الحذرُ مِن أمرينِ لهما عواقِبُ سُوءٍ:
أحدُهما: ردُّ الحَقِّ؛ لِمُخالفَتِه هواك؛ فإنَّك تُعاقَبُ بتَقليبِ القَلبِ، ورَدِّ ما يَرِدُ عليك مِن الحَقِّ رأسًا، ولا تَقبَلُه إلَّا إذا برَزَ في قالبِ هواك؛ قال تعالى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الأنعام: 110] فعاقَبَهم على ردِّ الحَقِّ أوَّلَ مَرَّةٍ بأنْ قَلَّبَ أفئِدَتَهم وأبصارَهم بعد ذلك.
والثاني: التَّهاونُ بالأمرِ إذا حضر وَقتُه؛ فإنَّك إن تهاونْتَ به ثبَّطَك الله وأقعَدَك عن مراضيه وأوامرِه؛ عقوبةً لك، قال تعالى: فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ فمن سَلِمَ مِن هاتَينِ الآفتَينِ والبليَّتَينِ العظيمَتينِ، فلْيَهْنِه السَّلامةُ [1455] يُنظر: ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (3/180، 181). .
4- المُتثاقِلُ المتخَلِّفُ عن المأمورِ به عند انتهازِ الفُرصةِ، لا يُوفَّقُ له بعدَ ذلك، ويُحالُ بينه وبينه؛ يُبَيِّنُ ذلك قَولُ الله تعالى: إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ [1456] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:346). .
5- إنَّ مِن جزاءِ السَّيِّئةِ السَّيِّئةَ بعدَها، كما أنَّ مِن ثوابِ الحسنةِ الحسنةَ بعدَها؛ لذا عَلَّلَ قولَه لهم: لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا بقولِه: إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وهذا كقولِه تعالَى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ [1457] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/192). [الأنعام:110] .
6- إنَّ طُلَّابَ الدُّنيا ومُحِبِّيها ومُؤثِريها على الآخرةِ، يُعَذَّبونَ بها، فهم مُعذَّبونَ بالحِرصِ على تحصيلِها، والتَّعَبِ العظيمِ في جَمعِها، ومُقاساةِ أنواعِ المَشاقِّ في ذلك، فلا تجِدُ أتعَبَ ممَّن الدُّنيا أكبَرُ هَمِّه، وهو حريصٌ بِجُهدِه على تحصيلِها، وهذا هو معنى تعذيبِهم بها، ومِن أبلَغِ العذابِ في الدُّنيا: تَشتيتُ الشَّملِ، وتفَرُّقُ القُلوبِ، وكونُ الفَقرِ نُصبَ عَينَيِ العَبدِ لا يُفارِقُه، ولولا سَكرةُ عُشَّاقِ الدُّنيا بحُبِّها، لاستَغاثوا مِن هذا العذابِ! فمُحِبُّ الدُّنيا لا ينفَكُّ مِن ثلاثٍ: همٍّ لازمٍ، وتعَبٍ دائمٍ، وحَسرةٍ لا تنقضي. قال تعالى: وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا [1458] يُنظر: ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (1/36). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قال الله تعالى: فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ هذه الآيةُ دَليلٌ على أنَّ مَن ظهَرَ منه نِفاقٌ وتَخذيلٌ، لا يجوزُ للإمامِ أن يستصحِبَه في الغَزوِ؛ اقتداءً برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيما أمَرَه اللهُ به، مِن مُباعَدتِهم عن الجَماعةِ التي تَصحَبُ في السَّفرِ، وتَنصُرُ على العَدُوِّ، مِن أهلِ الطَّاعةِ [1459] يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (10/582)، ((تفسير القرطبي)) (8/218). .
2- قال اللهُ تعالى: إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فِعلُ: رَضِيتُمْ يدلُّ على أنَّ ما ارتكَبوه من القُعودِ عمَلٌ مِن شأنِه أن يأباه النَّاسُ حتى أُطلِقَ على ارتكابِه فِعلُ (رَضِيَ) المُشعِرُ بالمحاولة والمُراوضة؛ جُعِلوا كالذي يحاوِلُ نَفسَه على عمَلٍ، وتأبى حتى يُرضِيَها، كَقولِه تعالى: أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ [1460] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/283). [التوبة: 38] .
3- قَولُ الله تعالى: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ فيه تحريمُ الصَّلاةِ على الكافِرِ، والوقوفِ على قَبرِه، والدُّعاءِ له، والاستغفارِ [1461] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص:143). .
4- قَولُ الله تعالى: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ فيه دليلٌ على مشروعيَّةِ الصَّلاةِ على المؤمنينَ، والوقوفِ عند قُبورِهم للدُّعاءِ لهم؛ فإنَّ تَقييدَ النَّهيِ بالمنافقينَ يدُلُّ على أنَّه قد كان مُتقرِّرًا في المؤمِنينَ [1462] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:347)، ويُنظر أيضًا: ((النُّكتُ الدالة على البيان)) للقَصَّاب (1/564). .
5- قولُه تعالى: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ دليلٌ على انتفاعِ المقبورِ بوقوفِ مَن يقفُ عنده مِن الدَّاعينَ؛ إِذْ كلُّ ما مُنِعَ منه رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم في هذه الآيةِ هي عقوبةٌ للمقبورِ لا محالةَ [1463] يُنظر: ((النُّكتُ الدالة على البيان)) للقَصَّاب (1/565). .
6- مَن كان مُظهِرًا للإسلامِ؛ فإنَّه تجري عليه أحكامُ الإسلامِ الظَّاهرةُ: مِن المُناكَحة والمُوارَثةِ، وتغسيلِه والصَّلاةِ عليه، ودَفنِه في مقابرِ المُسلمين ونحوِ ذلك؛ لكِن مَن عُلِمَ منه النِّفاقُ والزَّندقةُ، فإنَّه لا يجوزُ لِمَن عَلِمَ ذلك منه الصَّلاةُ عليه، وإن كان مُظهِرًا للإسلامِ؛ فإنَّ اللهَ نهى نبيَّه عن الصَّلاةِ على المُنافِقينَ. فقال: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ فكُلُّ مَن لم يُعلَمْ منه النِّفاقُ وهو مُسلِمٌ، يجوزُ الاستغفارُ له والصَّلاةُ عليه، بل يُشرَعُ ذلك ويُؤمَرُ به، كما قال تعالى: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [1464] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/285، 286، 287). .
7- قوله تعالى: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ استدلَّ به على أنَّ الإمامَ إذا حضرَ جنازةً؛ فهو المُقَدَّمُ عليها في الصلاةِ دونَ الأولياءِ، كما تكونُ في سائرِ الصلاةِ؛ إذ لو كان الأولياءُ أحقَّ منه- كما يزعم مَن يقولُ: إنَّ الصلاةَ على الميتِ مِن الأمورِ الخاصةِ؛ فيتقدمُ الوليُّ عليه- كان النهيُ واقعًا على مَنْعِ وَلِيِّ عبدِ الله بنِ أُبَيٍّ ابنِ سلولَ، النازلِ فيه هذه الآيةُ، مِن الصلاةِ عليه، لا على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم الذي هو الإمامُ [1465] يُنظر: ((النُّكتُ الدالة على البيان)) للقَصَّاب (1/564). .
8- قَولُ الله تعالى: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ لَمَّا ذكَرَ في تعليلِ هذا النهيِ كَونَه كافرًا، وصَفَه بعد ذلك بكونِه فاسقًا- مع أنَّ الفِسقَ أدنى حالًا مِن الكُفرِ- لأنَّ الكافِرَ قد يكونُ عَدلًا في دينِه، وقد يكونُ فاسقًا في دينِه خَبيثًا مَمقوتًا عند قَومِه، والكَذِبُ والنِّفاقُ والخِداعُ والمكرُ والكَيدُ، أمرٌ مُستقبَحٌ في جميعِ الأديان، فالمُنافِقونَ لَمَّا كانوا موصوفينَ بهذه الصِّفاتِ، وصَفَهم اللهُ تعالى بالفِسقِ بعد أن وصَفَهم بالكُفرِ؛ تَنبيهًا على أنَّ طريقةَ النِّفاقِ طَريقةٌ مَذمومةٌ عند كلِّ أهلِ العالَم [1466] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (16/116). .
9- قَولُ الله تعالى: وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ تقدَّمَ نظيرُه في السورةِ، وأعيدَ هنا؛ لأنَّ أشدَّ الأشياءِ جَذبًا للقلوبِ، وجَلبًا للخواطِرِ إلى الاشتغالِ بالدُّنيا، هو الاشتغالُ بالأموالِ والأولادِ، وما كان كذلك يجِبُ التحذيرُ عنه مرَّةً بعد أخرى [1467] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (16/118). .
وقيل: وجهُ تَكريرِها تأكيدُ هذا المعنى وإيضاحُه؛ لأنَّ النَّاسَ كانوا يُفتَنونَ بصلاحِ حالِ المُنافقينَ في دنياهم [1468] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/68). .
وقيل: أُعيدَ ذلك؛ لأنَّ تجدُّدَ النُّزولِ له شأنٌ في تقريرِ ما نزَلَ له وتأكيدِه، وإرادة أن يكونَ على بالٍ مِن المخاطَبِ لا ينساه ولا يسهو عنه، وأن يعتقِدَ أنَّ العمَلَ به مهِمٌّ يفتقِرُ إلى فضلِ عنايةٍ به، لا سيَّما إذا تراخى ما بين النُّزولين. فأشبه الشَّيءَ الذي أهَمَّ صاحِبَه، فهو يرجِعُ إليه في أثناءِ حَديثِه، ويتخلَّصُ إليه. وإنَّما أعيدَ هذا المعنى لِقوَّتِه فيما يجِبُ أن يَحذَر منه [1469] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (5/478). .
وقيل: ظاهِرُه أنَّه تكريرٌ، وليس بتكريرٍ؛ لأنَّ الآيتينِ في فَريقينِ مِن المنافقينَ، ولو كان تكريرًا لكان مع تباعُدِ الآيتينِ لِفائدةِ التَّأكيدِ والتَّذكيرِ [1470] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (5/478). .
وقيل: أراد بالأُولى لا تُعَظِّمْهم في حالِ حياتهم بسبَبِ كَثرةِ المالِ والولَدِ، وبالثانيةِ لا تُعَظِّمهم بعد وفاتِهم لمانعِ الكُفرِ والنِّفاق [1471] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (5/478). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالى: فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ
قولُه: فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فيه دُخولُ (إنْ) هنا- وهي للمُمكِنِ وقوعُه غالبًا-؛ إشارةً إلى أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يعلمُ بمُسْتقبلاتِ أَمْرِهِ مِنْ أَجَلٍ وغيرِهِ إلَّا أنْ يُعْلِمَه اللهُ [1472] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (5/475). .
قولُه: فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا فيه مِن مَحاسِن البَلاغةِ: الانْتِقالُ بالنَّفي مِنَ الشَّاقِّ عليهم- وهو الخروجُ إلى الغُزاةِ- إلى الأشقِّ، وهو قِتالُ العَدوِّ؛ لأنَّه عُظمُ الجِهادِ، وثمرةُ الخروجِ، ومَوضِعُ بارقةِ السُّيوفِ التي تحتها الجَنَّةُ، ثُمَّ عَلَّلَ انْتِفاءَ الخروجِ والقِتالِ بكونِهِم رَضُوا بالقُعودِ أوَّلَ مَرَّةٍ، ورِضاهم ناشئٌ عن نِفاقِهم وكُفْرِهم وخِداعِهم، وعصيانِهم أمْرَ اللهِ في قولِهِ: انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا، وقالوا هم: لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ؛ فعلَّلَ بالمُسبَّبِ، وهو الرِّضا النَّاشئُ عَنِ السَّببِ، وهو النِّفاقُ [1473] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (5/476). .
وقَولُ الله تعالى: وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إخبارٌ بمعنى النَّهيِ؛ للمُبالغةِ [1474] يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (1/638). .
وجُمْلةُ: إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ مُستأنَفةٌ؛ للتَّعدادِ عليهم والتَّوبيخِ، أي: إنَّكُمْ تُحِبُّونَ القُعودَ، وتَرْضونَ به، فقد زِدْتُكم منه [1475] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/283). .
2- قولُه تعالى: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ
قولُه: مَاتَ... ووَمَاتُوا ماضٍ بمَعْنى المُسْتقبلِ؛ وإنَّما قيل: (مَاتَ)، و(ماتوا) بلَفْظِ الماضي- والمَعْنى على الاسْتِقبالِ- على تقديرِ الكونِ والوجودِ؛ لأنَّه كائنٌ موجودٌ لا محالةَ؛ فموتُهم غيرُ مَوجودٍ في حالِ التَّكلُّمِ ولا قَبْلَه، وإنَّما جِيءَ بصيغةِ الماضي؛ تَنْبيهًا على تَحقُّقِ وقوعِ الموتِ لا مَحالةَ [1476] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/299)، ((تفسير أبي حيان)) (5/478)، ((تفسير أبي السعود)) (4/89). .
وجُمْلةُ: إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ تعليلٌ للمَنْعِ مِنَ الصَّلاةِ والاسْتِغفارِ لهم، والقيامِ بما يَقْتضي الامْتِناعَ مِنْ ذلك، وهو الكُفْرُ والموافاةُ عليهِ [1477] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/299)، ((تفسير أبي حيان)) (5/478)، ((تفسير أبي السعود)) (4/90). ؛ فهي تعليليَّةٌ للنَّهي وَلَا تُصَلِّ...؛ ولِذَلِكَ لَمْ تُعْطَفْ، وقد أَغْنى وجودُ (إِنَّ) في أوَّلِها عنْ فاءِ التَّفريعِ [1478] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/285). .
3- قولُه تعالى: وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ
قولُه: وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ تكريرٌ لِما سَبَقَ، وتقريرٌ لِمَضْمونِهِ بالإخبارِ بوقوعِه [1479] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/90). .
وفيه تَقديمُ الأموالِ على الأولادِ، مَعَ كونِهِمْ أَعزَّ مِنْها؛ إمَّا لعُمومِ مَسيسِ الحاجةِ إليها بحَسَبِ الذَّاتِ وبحَسَبِ الأفرادِ والأوقاتِ؛ فإنَّها ممَّا لا بُدَّ منه لكُلِّ أَحَدٍ مِنَ الآباءِ والأمهاتِ والأولادِ في كُلِّ وقتٍ وحينٍ، حتَّى إنَّ مَنْ له أولادٌ ولا مالَ لَهُ، فهو وأولادُهُ في ضيقٍ ونَكالٍ، وأمَّا الأولادُ فإنَّما يَرْغَبُ فيهم مَنْ بَلَغَ مَبلَغَ الأُبوَّة [1480] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/90). ، وقيل: لأنَّها أقدَمُ في الوجودِ منهم [1481] يُنظر: ((تفسير الألوسي)) (5/343). .
وفيه مُناسَبةٌ حَسَنةٌ، حيثُ قال تعالى هنا: وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ، وقال تعالى قَبْلَ ذلك في السُّورةِ نَفْسِها: فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ، فهناك تَشابُهٌ واخِتْلافٌ بين ألفاظِ الآيتينِ، وذلك على النحوِ الآتي:
بَدأتِ الآيةُ الأُوْلى بالفاءِ والثَّانيةِ بالواوِ؛ لأنَّ الآيةَ الثَّانيةَ مَعطوفةٌ على ما قَبْلَها؛ فسِياقُ الآياتِ السَّابقةِ يَقْتضي العَطْفَ، فهو نَهْيٌ عُطِفَ على وَلَا تُصَلِّ، وَلَا تَقُمْ، وَلَا تُعْجِبْكَ فناسبتِ الواو، أمَّا الآيةُ الأُوْلى فالفاءُ للاسْتِئنافِ، وليس هناك عَطفٌ، وقيل: مُناسَبةُ الفاءِ أنَّهُ عَقِبَ قولِه: وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ، أي: للإنفاقِ، فهم مُعجَبونَ بَكْثرةِ الأموالِ والأولادِ؛ فنَهاه عَنِ الإعجابِ بفاءِ التَّعقيبِ.
الآيةُ الأولى فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ... وردتْ في سِياقِ الإنفاقِ، أي: إنفاق الأموالِ، قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ، وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ، فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ، إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ؛ فالكلامُ كلُّهُ- إذنْ- في الإنفاقِ في الآياتِ التي قَبْلها وبَعْدَها، أمَّا الآيةُ الثَّانيةُ فسِياقُ الآياتِ قَبْلَها وبَعْدَها في الِجهادِ، وليس الإنفاق، فلمَّا كان السِّياقُ في الأموالِ أَضافَ لَا، وفَصَلَ الأولادَ والأموالَ للتَّوكيدِ، وقيل: ذِكْرُ لَا مُشْعِرٌ بالنَّهي عَنِ الإعجابِ بكلِّ واحدٍ واحدٍ على انْفِرادٍ، ويتضمَّنُ ذلك النَّهيَ عَنِ المجموعِ، ولم تذكرْ في الثانيةِ؛ فكان نهيًا عن إعجابِ المَجموعِ، ويَتضمَّنُ ذلك النَّهيَ عَنِ الإعجابِ بكلِّ واحدٍ واحدٍ، فدلَّتِ الآيتانِ بمَنْطوقِهما ومَفهومِهما على النَّهيِ عن الإعجابِ بالأموالِ والأولادِ مُجْتمعين ومُنْفرِدين.
لِيُعَذِّبَهُمْ زِيادةُ اللَّام في الآيةِ الأُوْلى زيادةٌ في التَّوكيدِ؛ لأنَّ السِّياقَ في الأموالِ والإنفاقِ، وكما أكَّدَ بـ(لا) أكَّدَ باللَّام بمعنى (إنَّما يُريدُ اللهُ أنْ يُعَذِّبَهم)؛ فزِيادةُ اللَّامِ قِياسيَّةٌ للتَّوكيدِ (تؤكِّدُ معنى الإرادةِ)، فلمَّا كانوا مُتعلِّقينَ بالمالِ تعلُّقًا شديدًا أكَّدَ باللَّامِ ليُعذِّبَهُمْ بها، فكان التَّعذيبُ أشدَّ، وقيل: أَتى باللَّامِ المُشْعِرةِ بالتَّعليلِ، ومفعولُ يُرِيدُ محذوفٌ، أي: إنَّما يُريدُ اللهُ ابْتِلاءَهم بالأموالِ والأولادِ لِتَعذيبِهم، وأتى بـ(أَنْ)؛ لأنَّ مَصَبَّ الإرادةِ هو التَّعذيبُ، أي: (إنَّما يُريدُ اللهُ تعذيبَهم)؛ فَقَدِ اخْتَلفَ مُتعلِّقُ الفِعْلِ في الآيتينِ، هذا الظَّاهِرُ، وإنْ كان يَحْتَمِلُ زيادةَ اللَّامِ، والتَّعليل بـ(أَنْ).
وذَكَرَ (الحياةَ الدُّنيا) في الآيةِ الأُولى و(الدُّنيا) في الآيةِ الثَّانيةِ: فأمَّا الآيةُ الأولى فهي في سياقِ الأموالِ، والأموالُ عِنْدَ النَّاسِ هي مَبْعثُ الرَّفاهيةِ والحياةِ والسَّعادةِ، والمالُ هو عَصَبُ الحياةِ، أمَّا الآيةُ الثَّانيةُ فهي في الجِهادِ، وهو مَظِنَّةُ مُفارَقةِ الحياةِ في القِتالِ، فاقْتَضى السَّياقُ ذِكْرَ (الحياةِ) في الآيةِ الأُوْلى، وحَذْفَها في الآيةِ الثَّانيةِ ، وقيل: أَثْبَتَ (في الحياةِ) على الأصلِ، وحُذِفتْ هنا تنبيهًا على خِسَّةِ الدُّنيا، وأنَّها لا تَستحِقُّ أنْ تُسمَّى حياةً، ولا سيَّما حين تَقدَّمَها ذِكْرُ موتِ المنافقينَ، فنَاسَبَ ألَّا تُسمَّى حياةً [1482] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (5/478، 479)، ((لمسات بيانية في نصوص من التنزيل)) للسامرائي (ص: 509). .