موسوعة التفسير

سورةُ الحَجِّ
الآيتان (36-37)

ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ

غريب الكلمات :

وَالْبُدْنَ: أي: الإِبِلَ، وقيل: الإبلَ والبقرَ، جَمعُ بَدَنةٍ، وسُمِّيَتْ بذلك؛ لِعِظَمِ بَدَنِها وضخامتِها، وهو اسمٌ مَأخوذٌ مِن البَدانةِ، وهي: عِظَمُ الجُثَّةِ والسِّمَنُ [618] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/553)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/211)، ((تفسير السمعاني)) (3/439)، ((المفردات)) للراغب (ص: 113)، ((المصباح المنير)) للفيومي (1/39)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 302)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/50)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/262) .
صَوَافَّ: أي: قائِماتٍ قد صُفَّت قَوائِمُها في حالِ نَحْرِها، وأصلُها مِنَ الصَفِّ، وهو جَعْلُ الأجسامِ يلي أحَدُها الآخَرَ على مِنهاجٍ واحِدٍ، وأصلُ (صفف): يدُلُّ على استواءٍ في الشَّيءِ، وتساوٍ بينَ شيئيْنِ في المقَرِّ [619] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 293)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 299)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/275)، ((البسيط)) للواحدي (15/409)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 246)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 566). .
وَجَبَتْ: أي: وقَعَت وسَقَطت، وأصلُ (وجب): يدُلُّ على سُقوطِ الشَّيءِ ووقُوعِه [620] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 293)، ((تفسير ابن جرير)) (16/560)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 483)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/89)، ((المفردات)) للراغب (ص: 854)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 303). .
الْقَانِعَ: أي: السَّائِلَ الذي يَتعرَّضُ لِما في أيدِي النَّاسِ، مِن: قَنَعَ يقْنَع قُنُوعًا: أي: ذلَّ للسُّؤالِ، فهو مِن القُنُوعِ، بمعنى: المسألةِ، وقيل: القُنوعُ بمعنى القَناعةِ -أي: الرِّضا بالقَليلِ، مِن: قَنِعَ [621] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 293)، ((تفسير ابن جرير)) (16/562)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 377)، ((تهذيب اللغة)) للأزهري (1/172)، ((المفردات)) للراغب (ص: 685)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 246)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 303). .
وَالْمُعْتَرَّ: أي: المُتعَرِّضَ للنَّوالِ مِن غَيرِ طَلَبٍ ولا سُؤالٍ، يقالُ: اعْتَرَّني وعَرَّني، وعَراني واعْتَراني، أي: ألَمَّ بك لتعطيَه ولا يسألُ، وقيل: هو الذي يُطيفُ بك يَطلُبُ ما عِندَك، سألَك أو سكَت عن السُّؤالِ [622] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 293)، ((تفسير ابن جرير)) (16/562)، ((المفردات)) للراغب (ص: 556)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 246)، ((المصباح المنير)) للفيومي (2/401)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/266). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ الله تعالى: وجعَلْنا لكم الإبِلَ الضِّخامَ مِن شَعائِرِ الدِّينِ الظَّاهِرةِ؛ لتتقَرَّبوا بها إلى اللهِ، وفي حكمِها البقرُ. لكم فيها -أيُّها المتَقَرِّبونَ- خيرٌ في الدُّنيا، وأجرٌ في الآخِرةِ، فاذكُروا اسمَ اللهِ عِندَ نَحْرِكم الإبِلَ، وهي قائِمةٌ قد صُفَّت قَوائِمُها، فإذا سقَطَت على الأرضِ جُنوبُها، فكُلوا مِن لَحمِها، وأطعِمُوا منها الفَقيرَ السَّائِلَ بتذَلُّلٍ، والمتعرِّضَ للعَطاءِ دونَ سُؤالٍ، هكذا سخَّر اللهُ البُدْنَ لكم؛ لعَلَّكم تَشكُرونَ اللهَ على تَسخيرِها لكم.
لن ينالَ اللهَ مِن لحومِ هذه الذَّبائِحِ ولا مِن دمائِها شَيءٌ، ولكِنْ ينالُه الإخلاصُ فيها، وأن يَكونَ القَصدُ بها وَجهَ اللهِ وَحْدَه، كذلك ذلَّلَها لكم -أيُّها المتقَرِّبونَ- لتُعَظِّموا اللهَ، وتَشكُروا له على ما هَداكم مِنَ الحَقِّ؛ فإنَّه أهلٌ لذلك. وبشِّرْ -يا مُحمَّدُ- المُحسِنينَ بعبادةِ اللهِ وَحْدَه، والمُحسِنينَ إلى خَلْقِه؛ بكُلِّ خَيرٍ وفَلاحٍ في الدُّنيا والآخرةِ.

تفسير الآيتين:

وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36).
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
لَمَّا قَدَّم اللهُ سُبحانَه الحَثَّ على التقَرُّبِ بالأنعامِ كُلِّها، وكانت الإبِلُ أعظَمَها خَلْقًا، وأجَلَّها في أنفُسِهم أمْرًا؛ خصَّها بالذِّكرِ [623] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/49). .
وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ.
أي: والإبِلَ الضِّخامَ العِظامَ الأجسامِ [624] وممن خَصَّ البُدْنَ بالإبِلِ: الرازي، والقرطبي، والبِقاعي، والعليمي، والشوكاني، وابن عاشور. يُنظر: ((تفسير الرازي)) (23/225، 226)، ((تفسير القرطبي)) (12/61)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/49، 50)، ((تفسير العليمي)) (4/428)، ((تفسير الشوكاني)) (3/537)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/262). وممن قال بهذا القولِ من السلفِ: مُجاهدٌ، والحَكَمُ. يُنظر: ((تفسير ابن أبي حاتم)) (8/2494)، ((تفسير ابن كثير)) (5/425). قال القرطبي مُستدِلًّا على صحَّةِ هذا القَولِ: (لِقَولِه عليه السَّلامُ في الحديثِ الصَّحيحِ في يومِ الجُمُعةِ: (مَن راحَ في السَّاعةِ الأُولى فكأنَّما قَرَّب بَدَنةً، ومَن راح في السَّاعةِ الثَّانيةِ فكأنَّما قَرَّب بقَرَةً...) الحديثَ. فتفريقُه عليه السَّلامُ بين البَقَرةِ والبَدَنةِ يدُلُّ على أنَّ البَقَرةَ لا يقالُ عليها بَدَنةٌ، والله أعلمُ). ((تفسير القرطبي)) (12/61). وقال الرسعني: (والصَّحيحُ ما قاله صاحِبُنا القاضي أبو يَعلَى بن الفرَّاء رحمةُ الله عليه: أنَّ البَدَنةَ: اسمٌ يختَصُّ الإبِلَ في اللُّغةِ، والبقَرةَ تقومُ مَقامَها في الحُكمِ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم جعل البَدَنةَ عن سَبعةٍ، والبَقَرةَ عن سَبعةٍ). ((تفسير الرسعني)) (5/60). وقيل: تُطلَقُ على الإبِلِ والبَقَرِ. وممن ذهب إلى ذلك: الواحديُّ، وابن عطية، والخازن، وابن كثير. يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (3/272)، ((تفسير ابن عطية)) (4/122)، ((تفسير الخازن)) (3/258)، ((تفسير ابن كثير)) (5/425). ونسَب الرسعنيُّ هذا القولَ إلى جمهور المفسِّرينَ. يُنظر: ((تفسير الرسعني)) (5/60) وممن قال بهذا القولِ مِن السلفِ: ابنُ عمرَ، وسعيدُ بنُ المسيبِ، والحسنُ البصري، وعطاءٌ. يُنظر: ((تفسير ابن أبي حاتم)) (8/2493)، ((تفسير ابن جرير)) (16/553)، ((تفسير ابن كثير)) (5/425). قال ابنُ كثير: (أمَّا إطلاقُ البَدَنةِ على البعيرِ فمُتَّفَقٌ عليه، واختلفوا في صِحَّةِ إطلاقِ البَدَنةِ على البَقَرةِ؛ على قولين: أصَحُّهما: أنَّه يُطلَقُ عليها ذلك شرعًا، كما صحَّ في الحديثِ). ((تفسير ابن كثير)) (5/425). ويُنظر: ((البسيط)) للواحدي (15/407). -وفي حُكمِها البقرُ- جعَلْناها لكم -أيُّها النَّاسُ- مِن أعلامِ دِينِ اللهِ الظَّاهِرةِ التي يُتعبَّدُ ويُتقرَّبُ بها إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ، فشُرِعَ سَوقُها إلى البَيتِ، وتَقليدُها وإشعارُها، وتعظيمُها، ونَحْرُها والإطعامُ منها [625] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/553)، ((البسيط)) للواحدي (15/407، 408)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/237)، ((تفسير ابن كثير)) (5/425)، ((تفسير السعدي)) (ص: 538). .
 لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ.
أي: لكم في الإبِلِ مَنافِعُ في الدُّنيا، وأجرٌ في الآخِرةِ [626] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/553)، ((تفسير القرطبي)) (12/61)، ((تفسير ابن كثير)) (5/426)، ((تفسير السعدي)) (ص: 538)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/263). .
فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ.
أي: فاذكُروا اسمَ اللهِ عِندَ نَحْرِكم الإبِلَ، وهي قائِمةٌ قد صُفَّت قَوائِمُها [627] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/555)، ((تفسير القرطبي)) (12/61)، ((تفسير السعدي)) (ص: 538). قال السعدي: (تقامُ على قوائِمِها الأربَعِ، ثمَّ تُعقَلُ يَدُها اليُسرى، ثمَّ تُنحَرُ). ((تفسير السعدي)) (ص: 538). ويُنظر في حِكمة عقلِ يدِها اليسرى: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/440). .
عن زيادِ بنِ جُبَيرٍ، ((أنَّ ابنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أتَى على رَجُلٍ وهو يَنحَرُ بَدَنَتَه بارِكةً، فقال: ابعَثْها قِيامًا مُقَيَّدةً؛ سُنَّةَ نَبيِّكم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم )) [628] رواه البخاري (1713)، ومسلم (1320) واللفظ له. .
فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا .
أي: فإذا سَقَطت الإبِلُ بعد نَحْرِها، ووقَعَت جُنوبُها على الأرضِ، فكُلوا مِن لَحمِها [629] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/560، 561)، ((تفسير القرطبي)) (12/63)، ((تفسير السعدي)) (ص: 538)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/264). قال ابنُ جرير: (قَولُه: فَكُلُوا مِنْهَا هذا مَخرَجُه مَخرجُ الأمرِ، ومعناه الإباحةُ والإطلاقُ؛ يقولُ اللهُ: فإذا نُحِرَت فسَقَطت مَيتةً بعد النَّحرِ، فقد حَلَّ لكم أكلُها، وليس بأمرِ إيجابٍ). ((تفسير ابن جرير)) (16/561). .
وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ.
أي: وأطعِموا منها القانِعَ، وهو: الفَقيرُ السَّائِلُ بتذَلُّلٍ، وأطعِموا منها المُعْتَرَّ، وهو: الذي يأتي مُتَعَرِّضًا للنَّوالِ مِن غَيرِ طَلَبٍ ولا سُؤالٍ [630] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/562، 569)، ((تفسير السمعاني)) (3/440)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/265)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/259). وممَّن اختار هذا المعنى للقانِعِ والمعتَرِّ في الجملة: ابنُ جرير، والسمعاني، وابن عاشور، والشنقيطي. يُنظر: المصادر السابقة. وممَّن قال بهذا القَولِ مِنَ السَّلَفِ: ابنُ عباس في رواية عنه، وعِكرمةُ في رواية عنه، والحسَنُ البصري، والكلبي، ومقاتل، وزيد بن أسلم، ومالك بن أنس، وسعيد بن جُبَير في رواية عنه، وبكر بن عبد الله. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/128)، ((تفسير ابن جرير)) (16/565)، ((البسيط)) للواحدي (15/417)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/239)، ((تفسير ابن كثير)) (5/429)، ((الدر المنثور)) للسيوطي (6/54). وقيل: القانِعُ: الفقيرُ المتعَفِّفُ الذي لا يَسألُ، والمعتَرُّ: الفقيرُ الذي يسألُ. وممن اختار هذا القولَ: السعديُّ. يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 538). وممَّن قال بهذا القَولِ مِن السَّلَفِ: ابنُ عباس في رواية عنه، ومجاهدٌ في رواية عنه، وعكرمةُ في رواية عنه، وقتادةُ، وإبراهيمُ النخَعي، وسعيد بن جُبَير في رواية عنه. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/563)، ((البسيط)) للواحدي (15/418)، ((تفسير ابن كثير)) (5/429)، ((الدر المنثور)) للسيوطي (6/54). قال الماوَرْدي: (وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ فيهم أربعةُ تأويلاتٍ: أحدُها: أنَّ القانِعَ: السَّائِلُ، والمُعتَرَّ: الذي يتعَرَّضُ ولا يَسألُ. وهذا قَولُ الحَسَنِ، وسَعيدِ بنِ جُبَيرٍ... والثَّاني: أنَّ القانِعَ: الذي يَقنَعُ ولا يَسألُ، والمُعتَرَّ: الذي يَسألُ. وهذا قولُ قتادةَ. والثَّالِثُ: أنَّ القانِعَ: المِسكينُ الطَّوَّافُ، والمُعتَرَّ: الصَّديقُ الزَّائِرُ. وهذا قَولُ زيدِ بنِ أسلَمَ. والرَّابعُ: أنَّ القانِعَ: الطَّامِعُ، والمُعتَرَّ: الذي يَعتري البُدْنَ ويتعَرَّضُ لِلَّحمِ؛ لأنَّه ليس عنده لحمٌ. وهذا قَولُ عِكرمةَ). ((تفسير الماوردي)) (4/27). وقال الواحديُّ: (القانع يجوزُ أن يكون السائلَ وغيرَ السائلِ، وكذا المُعتَرُّ، إلا أنه لا ينفكُّ مِن تعرُّض ونوعِ طلَبٍ. وعلى هذين الوجهين كلامُ المفسِّرين؛ منهم مَن يقولُ: القانعُ: الذي يسألُ، والمُعتَرُّ: الذي يأتيك بالسلامِ ويُريك وجهَه ولا يسأل،... ومنهم مَن يقولُ بعكس هذا؛ فيقول: القانع: المتعفِّف الجالس في بيتِه، والمُعترُّ: السائلُ الذي يَعتريك ويسألُ). ((البسيط)) (15/417، 418). .
كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
أي: مِثلَ ذلك التَّسخيرِ العَجيبِ الذي تُشاهِدونَه ذَلَّلْنا لكم الإبِلَ -أيُّها النَّاسُ- ومكَّنَّاكم مِن التصَرُّفِ فيها، فتَنتَفِعونَ برُكوبِها والشُّربِ والأكلِ منها؛ لِتَشكُروا اللهَ على نِعمةِ تَسخيرِها لكم [631] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/569)، ((تفسير ابن كثير)) (5/430)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/52)، ((تفسير السعدي)) (ص: 538)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/266)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/260). .
كما قال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ [يس: 71-73] .
لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37).
لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا.
أي: لن يَصِلَ إلى اللهِ شَيءٌ مِن لحومِ بُدْنِكم، ولا دِمائِها المُهراقةِ، ولم يَشرَعْ ذَبحَها لذلك؛ فهو غنيٌّ عنكم وعنها [632] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/570)، ((تفسير ابن كثير)) (5/431)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/53)، ((تفسير السعدي)) (ص: 538)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/267). قال ابنُ عاشور: (المقصودُ مِن نَفيِ أن يَصِلَ إلى اللهِ لُحومُها ودِماؤُها: إبطالُ ما يَفعَلُه المُشرِكونَ مِن نَضحِ الدِّماءِ في المَذابِحِ وحَولَ الكعبةِ، وكانوا يَذبَحونَ بالمروةِ. قال الحسن: كانوا يُلَطِّخونَ بدِماءِ القرابينِ، وكانوا يُشَرِّحونَ لحومَ الهدايا ويَنصِبونَها حولَ الكعبةِ؛ قُربانًا لله تعالى. يعني: زيادةً على ما يعطونَه للمحاويجِ). ((تفسير ابن عاشور)) (17/267). ويُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/431). .
وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ.
أي: ولكِنَّ الذي يَصِلُ إلى اللهِ ويَبلُغُه: تَقواكم وإخلاصُكم العمَلَ له وَحْدَه، فيتقَبَّلُه منكم، ويُثيبُكم عليه إنِ اتَّقَيتُموه فيما تَذبَحونَه مِنَ البُدْنِ، وأرَدْتُم بذلك وَجْهَه وَحْدَه، لا فَخرًا ولا رياءً، ولا سُمعةً ولا مُجَرَّدَ عادةٍ؛ وعَظَّمتُم بها حُرُماتِه، وعَمِلتُم فيها بما أمَرَكم به؛ فليس المقصودُ مُجَرَّدَ ذَبحِها فحَسْبُ [633] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/570)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 734)، ((تفسير ابن كثير)) (5/431)، ((تفسير السعدي)) (ص: 538). .
كما قال تعالى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر: 10] .
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللهَ لا يَنظُرُ إلى صُوَرِكم وأموالِكم، ولكِنْ يَنظُرُ إلى قُلوبِكم وأعمالِكم )) [634] رواه مسلم (2564). .
كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ .
أي: هكذا سخَّرَ اللهُ لكم البُدْنَ؛ كي تَعرِفوا عظَمَتَه باقتدارِه على ما لا يَقدِرُ عليه سِواه، فتُوَحِّدُوه بالكِبرياءِ؛ شُكرًا له في مقابِلِ تَوفيقِه إيَّاكم لِدينِكم، وللنُّسُكِ في حَجِّكم [635] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/570)، ((تفسير البيضاوي)) (4/72)، ((تفسير ابن كثير)) (5/431)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/53، 54)، ((تفسير السعدي)) (ص: 538). .
وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ.
أي: وبَشِّرْ -يا مُحمَّدُ- المُحسِنينَ في عبادةِ اللهِ، وفي مُعامَلتِهم لعبادِ اللهِ، بالسَّعادةِ في الدُّنيا والآخرةِ [636] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/571)، ((تفسير البيضاوي)) (4/72)، ((تفسير ابن كثير)) (5/431)، ((تفسير السعدي)) (ص: 538). .
كما قال تعالى: وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ [البقرة: 58] .
وقال سُبحانَه: إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف: 56] .
وقال تبارك وتعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس: 26] .
وقال عزَّ مِن قائِلٍ: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 97] .
وقال عزَّ وجَلَّ: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [الرحمن: 60].

الفوائد التربوية :

1- قال الله تعالى: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ مَنَّ سُبحانَه علينا بتَذليلِها وتَمكينِنا مِن تَصريفِها، وهي أعظَمُ مِنَّا أبدانًا، وأقوى منا أعضاءً؛ ذلك لِيَعلَمَ العَبدُ أنَّ الأمورَ ليست على ما يَظهَرُ إلى العَبدِ مِن التَّدبيرِ، وإنَّما هي بحَسَبِ ما يُريدُها العزيزُ القَديرُ، فيَغلِبُ الصَّغيرُ الكبيرَ؛ لِيَعلَمَ الخَلقُ أنَّ الغالِبَ هو اللهُ الواحِدُ القَهَّارُ فَوقَ عِبادِه [637] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (12/65). ، فالرجُلُ الواحدُ يأخُذُ العدَدَ منها ويَسوقُها مُنقادةً، ويؤلِمُها بالإشعارِ ثمَّ بالطَّعنِ، ولولا أنَّ الله أودع في طباعِها هذا الانقيادَ، لَما كانت أعجَزَ مِن بعضِ الوحوشِ التي هي أضعَفُ منها، فتنفِرُ مِن الإنسانِ ولا تُسخَّرُ له [638] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/266). !
2- قَولُ الله تعالى: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ في هذا حَثٌّ وتَرغيبٌ على الإخلاصِ في النَّحرِ، وأن يكونَ القَصدُ وَجهَ اللهِ وَحْدَه، لا فَخرًا ولا رياءً، ولا سُمعةً ولا مُجَرَّدَ عادةٍ، وهكذا سائِرُ العباداتِ، إن لم يقتَرِنْ بها الإخلاصُ وتقوى اللهِ، كانت كالقُشورِ التي لا لُبَّ فيها، والجَسَدِ الذي لا رُوحَ فيه [639] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 538). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ اللهِ تعالى: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ هذا دليلٌ على أنَّ الشَّعائِرَ عامٌّ في جميعِ أعلامِ الدِّينِ الظَّاهِرةِ، وقد أخبَرَ تعالى أنَّ مِن جُملةِ شَعائِرِه البُدْنَ [640] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 538). .
2- في قَولِه تعالى: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ دَلالةٌ على جوازِ رُكوبِ البُدْنِ؛ لِعُمومِ قَولِه تعالى: لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ [641] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (3/536). .
3- عن مالكِ بنِ أنسٍ، قال: (حجَّ سعيدُ بنُ المُسَيِّبِ، وحجَّ معه ابنُ حرملةَ، فاشترى سعيدٌ كبشًا فضحَّى به، واشترَى ابنُ حرملةَ بَدَنةً بستةِ دنانيرَ، فنحَرها، فقال له سعيدٌ: أمَا كانَ لك فينا أُسوةٌ؟ فقال: إنِّي سمعت الله يقول: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ، فأحببتُ أن آخُذَ الخيرَ مِن حيثُ دلَّني الله عليه. فأعجب ذلك ابنَ المسيِّبِ منه! وجعَل يحدِّثُ بها عنه) [642] يُنظر: ((تفسير ابن أبي حاتم)) (8/2494). .
4- قَولُ اللهِ تعالى: فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فيه استِحبابُ نَحرِ الإبِلِ قِيامًا [643] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 183). ، فقوله: صَوَافَّ يعني: قائمةً قد صُفَّتْ قوائمُها؛ فدلَّ ذلك على أنَّ الإبلَ تُنحَرُ قائمةً [644] يُنظر: ((تفسير السمرقندي)) (2/460). .
5- قَولُ اللهِ تعالى: فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فيه أنَّ البُدْنَ تُنحَرُ قائِمةً [645] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 183). ، فقولُه: فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا أي: سقَطتْ، وهو يُشعِرُ بكونِها كانت قائمةً [646] يُنظر: ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (2/83). .
6- في قَولِه تعالى: فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ بدأ سُبحانَه بذِكْرِ الأكلِ، وهذا يَدُلُّ على أنَّه ليس المقصودُ بالأُضحِيَّةِ الصَّدَقةَ بها، ولكنَّ المقصودَ التَّعَبُّدُ لله تعالى بنَحْرِها؛ تعظيمًا له جلَّ وعلا [647] يُنظر: ((اللقاء الشَّهري)) لابن عثيمين (اللقاء رقم: 53). .
7- قَولُ اللهِ تعالى: فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا أي: سَقَطت على الأرضِ، والقَصدُ مِن هذا التَّوقيتِ المُبادَرةُ بالانتِفاعِ بها؛ إسراعًا إلى الخَيرِ الحاصِلِ مِن ذلك في الدُّنيا بإطعامِ الفُقَراءِ وأكلِ أصحابِها منها؛ فإنَّه يُستحَبُّ أن يكونَ فُطورُ الحاجِّ يَومَ النَّحرِ مِن هَدْيِه، وكذلك الخَيرُ الحاصِلُ مِن ثوابِ الآخرةِ [648] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/264). .
8- قَولُ اللهِ تعالى: فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ استُنبِطَ مِن الآيةِ: أنَّها تُجَزَّأُ ثلاثةَ أثلاثٍ؛ فيأكُلُ ثُلُثًا، ويُهدِي ثُلثًا، ويتصَدَّقُ بثُلُثٍ [649] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 184). ويُنظر أيضًا: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/482). ؛ لأنه جعلها بين ثلاثةٍ؛ فدَلَّ على أنَّها بيْنهم أثلاثًا [650] يُنظر: ((المهذب في فقة الإمام الشافعي)) للشيرازي (1/436). .
9- قَولُ اللهِ تعالى: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ فيه رَدٌّ لِما اعتادَه بعضُ النَّاسِ مِن لَطخِ البُيوتِ بدِماءِ الأضاحيِّ [651] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 184). .
10- الأُضحِيَّةُ لا يُرادُ بها مُجَرَّدُ الصَّدَقةِ بلَحْمِها، أو الانتِفاعِ به؛ لِقَولِ الله تعالى: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا، ولكِنْ أهَمُّ شَيءٍ فيها هو التقَرُّبُ إلى اللهِ بالذَّبحِ [652] يُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/424). .
11- قَولُ اللهِ تعالى: كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ فيه أنَّه يُستَحَبُّ أن يُضَمَّ إلى التَّسميةِ التَّكبيرُ عِندَ الذَّبحِ، فقد ذكَر سبحانَه في الآيةِ السابقةِ ذِكرَ اسمِه عليها، فقال: فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ، وذكَر هنا التكبيرَ؛ فيُستحَبُّ الجمعُ بينهما [653] يُنظر: ((أحكام القرآن)) لابن العربي (3/299)، ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 184). .

بلاغة الآيتين:

1- قَولُه تعالى: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
- قولُه: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فيه الاقتصارُ على البُدْنِ الخاصِّ بالإبِلِ؛ لأنَّها أفضَلُ في الهَدْيِ [654] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/263). .
- قولُه: لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ جُملةٌ مُستأْنَفةٌ مُقرِّرةٌ لِمَا قبْلَها [655] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/107). ، وكلمةُ لَكُمْ فيها امتنانٌ على النَّاسِ، وتَقديمُها على المُبتدأِ خَيْرٌ؛ لِيتأتَّى كونُ المُبتدَأِ نَكِرةً؛ لِيُفيدَ تَنوينُه التَّعظيمَ، وتَقديمُ فِيهَا على مُتعلَّقِه وهو خَيْرٌ؛ للاهتمامِ بما تَجمَعُه وتَحْتوي عليه مِن الفوائدِ [656] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/262، 263). .
- وإضافةُ الشَّعائرِ في قولِه: مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ؛ تَعظيمٌ لها [657] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/158)، ((تفسير أبي حيان)) (7/509). .
- قولُه: كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ استئنافٌ؛ للامتنانِ بما خلَقَ مِن المخلوقاتِ لنَفْعِ النَّاسِ [658] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/266). . وفي قولِه: لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ تَعريضٌ بالمُشركينَ؛ إذ وَضَعوا الشِّرْكَ مَوضِعَ الشُّكرِ [659] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/266). .
2- قَولُه تعالى: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ
- قولُه: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا تَعليلٌ لجُملةِ: كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ، أي: دَلَّ على أنَّا سَخَّرناها لكم لِتَشْكُروني: أنَّه لا انتفاعَ للهِ بشَيءٍ مِن لُحومِها ولا دِمائِها [660] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/267). .
- ولَمَّا كان السياقُ للحَثِّ على التَّقريبِ له سُبحانَه، كان تقديمُ اسمِه على الفاعِلِ أنسَبَ للإسراعِ بنفي ما قد يُتوهَّمُ مِن لَحاقِ نفعٍ أو ضُرٍّ، فقال معبِّرًا بالاسمِ العلَمِ الذي حمى عن الشَّرِكةِ بكُلِّ اعتبارٍ: اللَّهَ [661] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/52، 53). .
- قولُه: وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ (مِن) ابتدائيَّةٌ، وعُبِّرَ بلفْظِ التَّقْوَى مِنْكُمْ دونَ: (تَقْواكم) أو (التَّقوى)، مُجرَّدًا مع كونِ المعدولِ عنه أوجَزَ؛ لأنَّ في هذا الإطنابِ زِيادةَ مَعنًى مِن البلاغةِ [662] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/269). .
- قولُه: كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ كرَّرَ تَذكيرَ النِّعمةِ بالتَّسخيرِ، ثمَّ قال: لِتَشْكُروا اللهَ على هِدايَتِه إيَّاكم لِأَعْلامِ دِينِه ومَناسِكِ حَجِّه، بأنْ تُكبِّروا وتُهَلِّلوا، فاختصَرَ الكلامَ بأنْ ضَمَّنَ التَّكبيرَ معنى الشُّكرِ وعَدَّاهُ تَعْديتَه، فصارَ مدلولُ الجُملتينِ مُترادِفًا؛ فوقَعَ التَّأكيدُ [663] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/159)، ((تفسير البيضاوي)) (4/72)، ((تفسير أبي حيان)) (7/510)، ((تفسير أبي السعود)) (6/108)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/270). . وإنَّما حسُنَ تَسميةُ الشُّكرِ بالتَّكبيرِ؛ لأنَّ التَّكبيرَ على هِدايةِ اللهِ تعالى المكلَّفَ لِأعْلامِ الدِّينِ ومَناسِكِ الحجِّ: هو النِّداءُ على الجميلِ بسَببِ إحسانِه، وليس معنى الشُّكرِ اللِّسانيِّ إلَّا هذا، فوَضْعُ التَّكبيرِ هاهنا مَوضِعَ الشُّكرِ، كوضْعِ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ في قولِه تعالى: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ [الحج: 28] مَوضِعَ (يَنحَروا)؛ للإيذانِ بأنَّ المقصودَ الأوَّلِيَّ مِن شَرعيَّةِ الأحكامِ التَّوحيدُ وذِكْرُ اللهِ تعالى وحْدَه وتَشْييدُه، وأنَّ رأْسَ الشُّكرِ هو الذِّكْرُ باللِّسانِ [664] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (10/491). .
- قولُه: وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ الخِطابُ للمُسلمينَ، وتَغيِيرُ الأُسلوبِ تَخريجٌ على خِلافِ مُقْتضى الظَّاهرِ بالإظهارِ في مَقامِ الإضمارِ؛ للإشارةِ إلى أنَّهم قدِ اهتَدَوا وعَمِلوا بالاهتداءِ، فأحْسَنوا [665] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/270). .