موسوعة التفسير

سورةُ الكَهفِ
الآيتان (77-78)

ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ

غريب الكلمات:

فَأَبَوْا: أي: امْتَنعوا، والإباءُ: شِدَّةُ الامتناعِ؛ فكلُّ إباءٍ امتناعٌ، وليس كلُّ امتناعٍ إباءً [1222] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/45)، ((المفردات)) للراغب (ص: 58).   .
يَنْقَضَّ: أي: يَسقُطَ وينهَدِمَ، وأصلُ (نقض): يدُلُّ على هُوِيِّ الشَّيءِ [1223] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 270)، ((تفسير ابن جرير)) (15/345)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 513)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/12)، ((المفردات)) للراغب (ص: 674).   .
بِتَأْوِيلِ: أي: بعِلْمِ وتَفسيرِ، وأصلُ (أول): يدلُّ على الرُّجوعِ إلى الأصلِ؛ لأنَّ التَّأويلَ: إخبارٌ عمَّا يَرجِعُ إليه اللَّفظُ مِن المعنى [1224] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 137)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/162)، ((البسيط)) للواحدي (5/54)، ((المفردات)) للراغب (ص: 99)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 142)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 320).   .

المعنى الإجمالي:

يقول تعالى: فسار موسى والخَضِرُ حتى أتيا أهلَ قَريةٍ، فطَلَبا منهم طعامًا على سَبيلِ الضِّيافةِ، فامتَنَعوا عن ضيافتِهما، فوجدا فيها حائِطًا مائِلًا يُوشِكُ أن يَسقُطَ، فأصلَحَه الخَضِرُ حتى صار مستقيمًا، قال له موسى: لو شِئتَ لأخَذْتَ على هذا العَمَلِ أجرًا، ولم تُقِمْه لهم مجَّانًا. قال الخَضِر لموسى: هذا وقتُ الفِراقِ بيني وبينَك، سأُخبِرُك بما أنكَرْتَ عليَّ مِن أفعالي التي فعَلْتُها، والتي لم تستَطِعْ أن تصبِرَ عن سؤالي عنها والإنكارِ عليَّ فيها.

تفسير الآيتين:

فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77).
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا.
أي: فانطلق موسى والخَضِرُ يَسيرانِ بعدَ قَتْلِ الغُلامِ إلى أن بَلَغا قريةً [1225] قال ابن حجر: (قيلَ: هي الأُبُلَّةُ. وقيلَ: إِنطاكيةُ. وقيلَ: أذْرَبِيجانُ. وقيلَ: بُرقةُ. وقيلَ: ناصِرَةُ. وقيلَ: جزيرةُ الأندلسِ... وشدَّةُ المباينةِ في ذلك تقتضي أنْ لا يُوثَقَ بشيءٍ مِنْ ذلك). ((فتح الباري)) (8/420). وقال ابنُ عثيمين: (لم يُعَيِّن اللهُ عزَّ وجَلَّ القريةَ، فلا حاجةَ إلى أن نبحَثَ عن هذه القريةِ، بل نقولُ: قريةٌ أبهَمَها الله فنُبهِمُها). ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 119).   فطَلَبا مِن أهلِها إطعامَهما، فامتَنَعوا عن أن يُنزِلوهما ويُطعِموهما؛ لُؤمًا منهم [1226] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/345)، ((تفسير ابن عطية)) (3/533)، ((تفسير القرطبي)) (11/24)، ((تفسير ابن كثير)) (5/183)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/113)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/7).   !
وفي حديثِ قِصَّةِ موسى والخَضِر: ((فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ لِئامًا، فطافا في المجالِسِ فـ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا)) [1227] رواه مسلم (2380).   .
فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ.
أي: فوجَد موسى والخَضِرُ في تلك القريةِ حائِطًا مائِلًا يُوشِكُ أن يَسقُطَ ويَنهَدِمَ، فأصلَحَه الخَضِرُ، وعدَّل مَيلَه فاستقامَ [1228] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/345، 350)، ((معاني القرآن)) للزجاج (3/306)، ((تفسير البغوي)) (3/209)، ((تفسير ابن كثير)) (5/184)، ((تفسير الشوكاني)) (3/358)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/8). وذهب ابنُ تيميَّةَ والشنقيطيُّ وابنُ عُثيمين إلى أنَّ إرادةَ الجدارِ السُّقوطَ حَقيقيَّةٌ، وليست مجازًا. يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (7/107، 108)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/339)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 120). قال ابنُ تيمية: (لَفظُ الإرادةِ قد استُعمِلَ في الميلِ الذي يكونُ معه شعورٌ، وهو مَيلُ الحَيِّ، وفي المَيلِ الذي لا شعورَ فيه، وهو مَيلُ الجَمادِ، وهو مِن مشهورِ اللُّغةِ؛ يقالُ: هذا السقفُ يريدُ أن يقَعَ، وهذه الأرضُ تريد أن تُحرَثَ، وهذا الزرعُ يُريدُ أن يُسقَى، وهذا الثَّمرُ يُريد أن يُقطَفَ، وهذا الثوبُ يريدُ أن يُغسَل، وأمثال ذلك. واللفظُ إذا استُعمل في معنيَينِ فصاعِدًا، فإمَّا أن يُجعَلَ حقيقةً في أحدهما مجازًا في الآخَرِ، أو حقيقةً فيما يختَصُّ به كلٌّ منهما، فيكونَ مُشتَرَكًا اشتِراكًا لَفظيًّا، أو حقيقةً في القَدرِ المُشتَرَك بينهما، وهي الأسماءُ المتواطئة، وهي الأسماءُ العامَّةُ كُلُّها. وعلى الأوَّلِ يلزَمُ المجازُ، وعلى الثاني يلزمُ الاشتراكُ، وكلاهما خلافُ الأصلِ؛ فوجب أن يُجعَلَ مِن المتواطئةِ). ((مجموع الفتاوى)) (7/108). وقال الشنقيطي: (قولُه: يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ لا مانِعَ مِن حَملِه على حقيقةِ الإرادةِ المعروفةِ في اللغة؛ لأنَّ الله يَعلَمُ للجماداتِ ما لا نَعلمُه لها، كما قال تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء: 44] الآية. وقد ثبت في «صحيحِ البُخاريِّ» حنينُ الجِذعِ الذي كان يخطُبُ عليه صلَّى الله عليه وسلم، وثبت في «صحيحِ مُسلِمٍ» أنَّه صلَّى الله عليه وسلم قال: «إني أعرِفُ حَجَرًا كان يُسَلِّمُ عليَّ في مكَّةَ». وأمثال هذا كثيرةٌ جِدًّا، فلا مانع مِن أن يَعلَمَ اللهُ مِن ذلك الجدارِ إرادةَ الانقضاض. ويجابُ عن هذه الآية أيضًا بما قَدَّمنا من أنَّه لا مانِعَ مِن كون العرب تستَعمِلُ الإرادةَ عند الإطلاقِ في معناها المشهورِ، وتستعمِلُها في الميلِ عند دَلالةِ القرينةِ على ذلك. وكلا الاستعمالَينِ حَقيقةٌ في محَلِّه. وكثيرًا ما تَستعمِلُ العَرَبُ الإرادةَ في مُشارفةِ الأمر، أي: قُرْبِ وُقوعِه). ((منع جواز المجاز)) (ص: 26، 27). وقيل: نسبةُ الإرادةِ إلى الجدارِ مجازٌ، وممن اختار هذا القولَ: الواحدي، والبغوي، والرسعني، والقرطبي، وابنُ جزي، والخازنُ، والعليمي، والشوكاني. يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (14/104)، ((الوسيط)) للواحدي (3/160)، ((تفسير البغوي)) (3/209)، ((تفسير الرسعني)) (4/335)، ((تفسير القرطبي)) (11/25)، ((تفسير ابن جزي)) (1/471)، ((تفسير الخازن)) (3/173)، ((تفسير العليمي)) (4/205)، ((تفسير الشوكاني)) (3/358). وقال ابنُ كثير: (وقولُه: فَأَقَامَهُ أي: فرَدَّه إلى حالةِ الاستقامةِ، وقد تقدَّم في الحديثِ أنَّه ردَّه بيديه ودعَمَه حتى ردَّ مَيلَه، وهذا خارِقٌ). ((تفسير ابن كثير)) (5/184). وقال ابنُ عطيةَ: (اختَلف المفسِّرونَ في قولِه: فَأَقَامَهُ فقالت فِرقةٌ: هدَمَه وقعَدَ يبنيه، ووقَع هذا في مُصحَفِ ابنِ مسعودٍ، ويؤيِّدُ هذا التأويلَ قَولُه: لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا؛ لأنَّه فِعلٌ يَستحِقُّ أجرًا. وقال سعيدُ بنُ جُبيرٍ: مسَحَه بيَدِه وأقامَه فقام. قال القاضي أبو محمدٍ: ورُوِيَ في هذا حديثٌ، وهو الأشبَهُ بأفعالِ الأنبياءِ عليهم السَّلامُ). ((تفسير ابن عطية)) (3/534). ويُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/351). .
وفي قِصَّةِ موسى والخَضِر من حديثِ أبيِّ بنِ كعبٍ: ((فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ يقولُ: مائِلٌ، قال الخَضِرُ بيده هكذا، فأقامَه )) [1229] رواه البخاري (122)، ومسلم (2380) واللفظ له.   .
وفي روايةٍ: ((أومَأَ بِيَدِه هكذا، وأشار سُفيانُ كأنَّه يَمسحُ شَيئًا إلى فوق)) [1230] رواه البخاري (3401).   .
قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا.
أي: قال موسى للخَضِر: لو شِئتَ لم تُصلِحْ جِدارَ أهلِ هذه القريةِ اللِّئامِ، حتى يعطوك أُجرةً على ذلك، ولم تُقِمْه لهم مجَّانًا [1231] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/351)، ((تفسير ابن كثير)) (5/184)، ((تفسير السعدي)) (ص: 482)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/7، 9). قال ابنُ تيميَّةَ: (هذا سؤالٌ من جهةِ المعنى، فإنَّ السؤالَ والطَّلَبَ قد يكونُ بصيغةِ الشَّرطِ، كما تقولُ: لو نزَلْتَ عندنا لأكرَمْناك، وإن بِتَّ الليلةَ عندنا أحسنتَ إلينا، ومنه قولُ آدمَ: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف: 23] ، وقولُ نوحٍ: رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [هود: 47] ). ((مجموع الفتاوى)) (7/175). ويُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/211).   .
وفي قِصَّةِ موسى والخَضِر من حديثِ أبيِّ بنِ كعبٍ: ((قال له موسى: قومٌ أتيناهم فلم يُضَيِّفونا ولم يُطعِمونا، لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا)) [1232] رواه البخاري (122)، ومسلم (2380) واللفظ له.   !
وفي قِصَّةِ موسى والخَضِر في روايةٍ: ((لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا: أجرًا نأكُلُه )) [1233] رواه البخاري (4726).   .
قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78).
قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ.
أي: قال الخَضِرُ لموسى: سُؤالُك لي واعتراضُك على فِعلي للمَرَّةِ الثالثةِ سَبَبُ حُصولِ الفِراقِ بيني وبينَك، وقد انتهى ما بينَنا، فلن تَصحَبَني بعدَ الآن [1234] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/353)، ((الهداية)) لمكي (6/4437)، ((تفسير الزمخشري)) (2/740)، ((تفسير النسفي)) (2/314)، ((تفسير ابن كثير)) (5/184)، ((تفسير السعدي)) (ص: 482)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/10)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 121).   .
سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا.
أي: سأُخبرُك قبل مُفارَقتِك بتفسيرِ أفعالي التي أنكَرْتَها عليَّ، ولم تستَطِعْ أن تصبِرَ عن سؤالي عنها حتى أُخبِرَك بحَقيقتِها [1235] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/353)، ((تفسير ابن كثير)) (5/184)، ((تفسير السعدي)) (ص: 482)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/10)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 121).   .

الفوائد التربوية:

قال الله تعالى: فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فمَن لم يُعْطَ يَتَعَزَّ بهذه القصةِ، وكم ممن هانَ على الناسِ وهو جليلٌ عندَ الله [1236] يُنظر: ((تفسير آيات من القرآن الكريم)) (5/257)، (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد ابن عبد الوهاب).   .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ الله تعالى: فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا، قال: أَتَيَا، ولم يقُلْ: (وصَلا إلى أهلِ قريةٍ)؛ إشارةً إلى أنَّ إتيانَهم لها كان على قَصدٍ [1237] يُنظر: ((تفسير ابن عرفة)) (3/96).   .
2- قَولُ الله تعالى: فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا في الآيةِ دَليلٌ على إباحةِ طَلَبِ الطعامِ لعابِرِ السَّبيلِ؛ لأنَّه شَرعُ مَن قَبلَنا، وحكاه القرآنُ، ولم يَرِدْ ما يَنسَخُه [1238] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (١٦/٧). ويُنظر أيضًا: ((النُّكت الدالة على البيان)) للقصاب (2/220).   .
3- قَولُ الله تعالى: فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا في الآيةِ مَشروعيَّةُ ضيافةِ عابِرِ السَّبيلِ إذا نزَل بأحدٍ مِن الحَيِّ أو القَريةِ [1239] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (١٦/8).   .
4- في قولِه تعالى: اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا ما عليه الإنسانُ مِن البشريةِ ولو كان نبيًّا، وذلك مِن أدلةِ التوحيدِ [1240]  يُنظر: ((تفسير آيات من القرآن الكريم)) (5/253)، (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب).   .
5- قال الله تعالى: فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا في هذه الآيةِ إباحةُ المكاسِبِ، وأخذِ الأُجرةِ على العَمَلِ، وفي ذلك تجهيلُ مَن يُحَرِّمُ الكَسبَ مِن الصوفيَّةِ؛ لأنَّ موسى صلَّى اللهُ عليه وسلم قال له: لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا فلم يُنْكِرِ الخَضِرُ ما قال، بل أعلَمَه أنَّ الانتظارَ به إلى وقتِ اتِّخاذِه الأجرَ لم يُمكِنْه؛ لِما خشِيَ مِن ظهورِ الكَنزِ بعد انقِضاضِه [1241] يُنظر: ((النُّكت الدالة على البيان)) للقصاب (2/220).   .
6- قَولُ الله تعالى: قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا أي: كان في مُكْنَتِك أي: استطاعتِك أن تجعَلَ لنفسِك أجرًا على إقامةِ الجِدارِ تأخُذُه ممَّن يَملِكُه من أهلِ القريةِ، ولا تقيمَه مجانًّا؛ لأنَّهم لم يقوموا بحَقِّ الضيافةِ، ونحن بحاجةٍ إلى ما نُنفِقُه على أنفُسِنا، وفيه إشارةٌ إلى أنَّ نَفَقةَ الأتباعِ على المتبوعِ [1242] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (١٦/٩).  
7- وقولُ موسى عليه السَّلامُ: لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا لَوْمٌ، وهذا اللَّومُ يتَضمَّنُ سُؤالًا عن سَببِ تَرْكِ المشارَطةِ على إقامةِ الجِدارِ عند الحاجةِ إلى الأجرِ، وليس هو لَوْمًا على مجرَّدِ إقامتِه مجَّانًا؛ لأنَّ ذلك مِن فِعلِ الخيرِ، وهو غيرُ مَلومٍ [1243] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (١٦/٩).   .
8- قَولُ اللهِ تعالى: قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا قال: لَوْ شِئْتَ، وهذا لا شَكَّ أنَّه أُسلوبٌ رَقيقٌ فيه عَرضٌ لَطيفٌ، لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا أي: عِوَضًا عن بنائِه [1244] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 120).   .
9- قَولُ اللهِ تعالى: قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ فيه سؤالٌ: كيف ساغ إضافةَ (بين) إلى غيرِ متعدِّدٍ؟
الجواب: أنَّ مسوِّغَ ذلك تكريرُه بالعَطفِ بالواو، ألا ترى أنَّك لو اقتصرت على قولِك: (المالُ بيني) لم يكُنْ كلامًا حتى تقولَ: (بينَنا) أو (بيني وبينَ فلانٍ) [1245] يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (٢/٣٩٧).   .

بلاغة الآيتين:

1- قوله تعالى: فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا
     - قوله: حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فيه تكرارُ (أَهْل) على سَبيلِ التَّوكيدِ، وقد يَظهَرُ له فائدةٌ عن التَّوكيدِ، وهو أنَّهما حينَ أتَيَا أهْلَ القريةِ لم يأتِيا جَميعَ أهْلِ القريةِ، إنَّما أتَيَا بعضَهم، فلمَّا قال: اسْتَطْعَمَا احتَمَل أنَّهما لم يَستطعِما إلَّا ذلك البعضَ الَّذي أتَيَاه، فجِيءَ بلَفظِ أَهْلَهَا؛ لِيَعُمَّ جَميعَهم، وأنَّهم يتبعونهم واحِدًا واحدًا بالاستِطْعامِ، ولو كان التَّركيبُ (استَطْعَماهم) لكان عائِدًا على البعضِ المأتيِّ [1246] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/209)، ((تفسير أبي السعود)) (5/237).   ؛ فإظهارُ لفظِ أَهْلَهَا دونَ الإتيانِ بضميرِهم؛ لزيادةِ التَّصريحِ، تَشنيعًا بهِم في لُؤمِهم؛ إذْ أبَوْا أن يُضيِّفوهما [1247] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/7).   .
2- قوله تعالى: قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا
     - قولُه: فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ فيه تَكريرُ (بين)، وعُدولُه عن (بَينِنا)؛ لِمَعنى التَّأكيدِ [1248] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/211).   .
     - وجملةُ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا مُستأنَفةٌ استِئْنافًا بيانيًّا، تقَعُ جَوابًا لسُؤالٍ يَهجِسُ في خاطِرِ موسى عليه السَّلامُ عن أسبابِ الأفعالِ الَّتي فعَلَها الخَضِرُ عليه السَّلامُ، وسأَله عنها موسى؛ فإنَّه قد وعَده أن يُحْدِثَ له ذِكْرًا ممَّا يفعَلُه [1249] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/10).   .
     - والسِّينُ في سَأُنَبِّئُكَ للتَّأكيدِ؛ لِعدَمِ تَراخي التَّنبِئةِ [1250] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/237).   ، أي: سأُخبِرُك عن قُربٍ قبلَ المفارقةِ، و(السينُ) تدُلُّ على القُربِ، وتفيدُ مع القُربِ التَّحقيقَ [1251] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 121).   .
     - وأكَّد الموصولَ الأولَ الواقِعَ في قولِه: سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا؛ تأكيدًا للتَّعريضِ باللَّومِ على عدَمِ الصبرِ [1252] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/15)   ؛ ففي جَعْلِ صِلَةِ الموصولِ عدَمَ استِطاعةِ موسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ للصَّبرِ -دونَ أن يُقالَ: بتأويلِ ما فعَلت، أو بتأويلِ ما رأيتَ، ونَحوُهما-: نوعُ تعريضٍ به عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وعِتابٍ [1253] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/237)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/11).   .