موسوعة التفسير

سورةُ الكَهفِ
الآيات (32-34)

ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ

غريب الكلمات :

حَفَفْنَاهُمَا: أي: أحَطْناهما مِن جوانِبِهما، والحَفُّ: الإطافةُ بالشَّيءِ، يقالُ: حَفَّ القَومُ بسَيِّدهم: إذا أطافُوا به، وأصلُ (حف): يدُلُّ على إطافةِ شَيءٍ بشَيءٍ [573] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/14)، ((البسيط)) للواحدي (14/8)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 218)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/317).   .
أُكُلَهَا: أي: ثَمَرَها، وما يُؤْكَلُ منها، وسُمِّي الثَّمرُ أُكُلًا؛ لأنَّه يُؤْكَلُ، وأصْلُ (أكل): التَّنَقُّصُ [574] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 97، 162)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 51، 91)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/122)، ((المفردات)) للراغب (ص: 80).   .
تَظْلِمْ: أي: تَنقُصْ، والظُّلمُ: وضعُ الشيءِ في غيرِ موضعِه المختَصِّ به، إمَّا بنقصانٍ أو بزيادةٍ، وإمَّا بعدولٍ عن وقتِه أو مكانِه، وأصلُ (ظلم): وضعُ الشَّيءِ غيرَ موضعِه تعدِّيًا [575] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 267)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/468)، ((المفردات)) للراغب (ص: 538)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 213)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 218). وذهَب بعضُ أئِمَّةِ الاشْتِقاقِ إلى أنَّ الظلمَ في أصلِ اللُّغةِ: النَّقْصُ. يُنظر: ((تاج العروس)) للزبيدي (33/33).   .
نَفَرًا: أي: عَشيرةً وأعوانًا، والنَّفَرُ: ما بين الثلاثةِ إلى العَشرةِ، وأصلُ (نفر): يدلُّ على تجافٍ وتباعُدٍ، وسُمُّوا نَفَرًا؛ لأنَّهم يَنفِرونَ للنُّصرةِ [576] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 489)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/459)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 354)، ((تفسير ابن كثير)) (5/157)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/320).   .

المعنى الإجمالي:

يأمرُ الله تعالى نبيَّه صلَّى الله عليه وسلَّم أن يضربَ المثلَ برجلينِ: مؤمنٍ شاكرٍ لنعمِ الله عليه، وكافرٍ مشركٍ جاحدٍ لنعمِ الله عليه، فيقول: واذكُرْ -يا مُحَمَّدُ- لمُشرِكي قَومِك مَثَلًا: رَجُلَينِ؛ أحَدُهما مؤمِنٌ، والآخَرُ كافِرٌ؛ لِيَعتَبِروا بحالِهما ويتَّعِظوا، وقد جعَلْنا للكافِرِ حَديقتَينِ مِن أعنابٍ، وأحَطْناهما بنَخلٍ كثيرٍ، وأنبَتْنا وسْطَهما زُروعًا. كلتا الحديقتين أخرجَت ثَمَرَها، ولم تَنْقُصْ منه شَيئًا، وشَقَقْنا بينهما نهرًا لِسَقيِهما. وكان لصاحِبِ الحَديقَتَينِ ثمارٌ منهما، فقال لصاحِبِه المؤمنِ وهو يحاوِرُه، تكبُّرًا وافتخارًا: أنا أكثَرُ منك مالًا، وأعَزُّ أنصارًا وأعوانًا.

تفسير الآيات:

وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّها عَطفٌ على جُملةِ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ... الآيات؛ فإنَّه بعدَ أن بَيَّنَ لهم ما أعدَّ لأهلِ الشِّركِ، وذكَرَ ما يُقابِلُه مِمَّا أعَدَّه للذين آمنوا؛ ضرَبَ مَثلًا لحال الفريقَينِ بمَثَلِ قِصَّةٍ أظهَرَ اللهُ فيها تأييدَه للمُؤمِنِ وإهانتَه للكافِرِ، فكان لذلك المَثَلِ شَبَهٌ بمَثَلِ قصَّةِ أصحابِ الكَهفِ مِن عَصرٍ أقرَبَ لعِلْمِ المُخاطَبينَ مِن عَصرِ أهلِ الكَهفِ، فضرَبَ مَثَلًا للفريقَينِ -للمُشرِكينَ وللمُؤمِنينَ- بمَثَلِ رَجُلَينِ كان حالُ أحَدِهما مُعجِبًا مُؤنِقًا، وحالُ الآخَرِ بخِلافِ ذلك، فكانت عاقِبةُ صاحِبِ الحالِ المُؤنقةِ تَبابًا وخَسارةً، وكانت عاقبةُ الآخَرِ نجاحًا؛ لِيَظهَرَ للفريقينِ ما يجُرُّه الغرورُ والإعجابُ والجَبَروتُ إلى صاحِبِه مِن الأرزاءِ، وما يلقاه المؤمِنُ المتواضِعُ العارِفُ بسُنَنِ اللهِ في العالَمِ مِن التَّذكيرِ والتَّدبُّرِ في العواقِبِ، فيكونُ مُعَرَّضًا للصَّلاحِ والنَّجاحِ [577] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/315).   .
وأيضًا بعدَ أن أمَرَ اللهُ نبيَّه بصبرِ نَفسِه مع فُقَراءِ المؤمنين، وعَدَمِ طاعةِ أولئك الأغنياءِ مِن المُشرِكين الذين طلَبوا منه صلَّى الله عليه وسلَّم طَرْدَهم- قفَّى على ذلك بمَثَلٍ يَستبينُ منه أنَّ المالَ لا ينبغي أن يكون موضِعَ فَخارٍ؛ لأنَّه ظِلٌّ زائِلٌ [578] يُنظر: ((تفسير المراغي)) (15/147).   ، وظهَرَ بضرْبِ هذا المَثلِ الرَّبطُ بينَ هذه الآيةِ والَّتي قبْلَها؛ إذ كان من أشرَكَ إنَّما افتخَرَ بمالِه وأنصارِه، وهذا قد يزولُ، فيَصيرُ الغَنِيُّ فقيرًا، وإنَّما المُفاخَرةُ بطاعةِ اللهِ [579] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/174).   .
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ.
أي: واذكُرْ -يا مُحمَّدُ- لهؤلاء المُشرِكينَ المُستَكبرينَ، الذين سألوك أن تطرُدَ الضُّعَفاءَ والمَساكينَ الذين يَدْعونَ رَبَّهم بالغَداةِ والعَشيِّ ابتغاءَ وَجهِه؛ اذكُرْ لهم مَثَلًا [580] قال القرطبي: (هذا مَثَلٌ لِمَن يتعَزَّزُ بالدنيا ويستنكِفُ عن مجالسةِ المؤمنين، وهو متَّصِلٌ بِقَولِه: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ). ((تفسير القرطبي)) (10/399). ويُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (3/338).   قِصَّةَ رَجُلَينِ [581] قال الشوكاني: (وقد اخْتُلِف في الرَّجلَينِ هل هما مُقدَّرانِ أو مُحقَّقانِ؟ فقالَ بالأوَّلِ بعضُ المفسِّرينَ. وقال بالآخرِ بعضٌ آخرُ. وَاخْتَلفوا في تعيينِهما). ((تفسير الشوكاني)) (3/338). ويُنظر: ((تفسير الماوردي)) (3/305)، ((تفسير القرطبي)) (10/401). قال السعدي: (ليس معرفةُ أعيانِ الرَّجُلينِ، وفي أيِّ زمانٍ أو مكانٍ هما، فيه فائدةٌ أو نتيجةٌ؛ فالنتيجةُ تَحصُلُ مِن قِصَّتِهما فقط، والتعَرُّضُ لِما سوى ذلك مِن التكَلُّف). ((تفسير السعدي)) (ص: 476).   أحَدُهما مؤمِنٌ، والآخَرُ كافِرٌ؛ لِيَعتَبِروا بحالِهما، ويتَّعِظوا بما جرَى لهما [582] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/257)، ((تفسير أبي حيان)) (7/174)، ((تفسير ابن عرفة)) (3/88)، ((تفسير السعدي)) (ص: 476)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 67).   .
جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ.
أي: جعَلْنا لأحدِ هذينِ الرَّجُلينِ -وهو الكافرُ- بُستانَينِ مِن أعنابٍ [583] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/257)، ((تفسير ابن كثير)) (5/157)، ((تفسير السعدي)) (ص: 476). قال ابن عاشور: (معنى جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا: قدَّرْنا له أسبابَ ذلك). ((تفسير ابن عاشور)) (15/317).   .
وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ.
أي: وأحَطْنا هذين البُستانَينِ بنَخلٍ يُحدِقُ بهما [584] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/257)، ((تفسير ابن كثير)) (5/157)، ((تفسير السعدي)) (ص: 476)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/317).   .
وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا.
أي: وجعَلْنا وَسْطَ بُستانَيِ العِنَبِ زَرعًا [585] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/257)، ((تفسير القرطبي)) (10/401)، ((تفسير ابن كثير)) (5/157). قال ابنُ عاشور: (وظاهِرُ الكلامِ أنَّ هذا الزَّرْعَ كانَ فاصلًا بينَ الجنَّتينِ). ((تفسير ابن عاشور)) (15/317). وقد أعلَمَ اللهُ سُبحانَه وتعالى أنَّ عِمارتَهما كامِلةٌ متَّصِلةٌ، لا يَفصِلُ بينهما إلَّا عِمارةٌ، فلم يكُنْ بين الجنَّتينِ مَوضِعُ خَرابٍ، وقد جعَلَها أرضًا جامِعةً للأقواتِ والفواكِهِ، مع الشَّكلِ الحَسَنِ، والترتيبِ الأنيقِ. يُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (3/284)، ((تفسير الرسعني)) (4/285)، ((تفسير الشوكاني)) (3/338). وقيل: معنى وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعًا أي: بينَ النخلِ والأعنابِ. يُنظر: ((تفسير الخازن)) (3/164). .
كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33).
كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا.
أي: كِلا البُستانَينِ أخرجَ ثِمارَه دونَ أن يَنقُصا منها شيئًا [586] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/257-258)، ((البسيط)) للواحدي (14/9)، ((تفسير القرطبي)) (10/401، 403)، ((تفسير ابن كثير)) (5/157)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/58)، ((تفسير السعدي)) (ص: 476).   .
وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا.
أي: وأجرَيْنا وشَقَقْنا خِلالَ هذينِ البُستانَينِ نَهرًا بين أشجارِهما [587] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/258)، ((تفسير القرطبي)) (10/403)، ((تفسير ابن كثير)) (5/157)، ((تفسير الشوكاني)) (3/339).   .
وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34).
وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ.
القراءات ذات الأثر في التفسير:
في قوله تعالى: ثَمَرٌ ثلاثُ قراءاتٍ:
1-  ثَمَرٌ، بفتحِ الثَّاءِ والمِيمِ في الحرفينِ؛ جمعُ ثَمَرَةٍ، كبَقَرةٍ وبَقَرٍ، الفرقُ بينَ الواحِدِ والجمعِ إسقاطُ الهاءِ [588] قرأ بها عاصمٌ، وأبو جعفرٍ، ويعقوبُ. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/310). ويُنظر لمعنى هذه القراءةِ: ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 416).   .
2-  ثُمْرٌ، بضمِّ الثاءِ، وإسكانِ الميمِ، جمعُ ثَمَرَةٍ، كبَدَنَةٍ وبُدْنٍ، ويجوزُ أَن يكونَ جمعَ ثمارٍ، كما يُخفَّفُ (كُتْب) [589] قرأ بها أبو عمرٍو. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/310). ويُنظر: لمعنى هذه القراءةِ: ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 416).   .
3-  ثُمُرٌ، بضمِّ الثاءِ والميمِ، جمعُ ثمارٍ، كقولِك: كتابٌ وكُتُبٌ، قيل: معناها الأموالُ، وقيل: الأصولُ التي تحملُ الثمرةَ [590] قرأ بها الباقون. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/310). ويُنظر لمعنى هذه القراءةِ: ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 416)، ((البسيط)) للواحدي (14/11)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (5/81). ونسَب الواحدي القولَ بأنَّ المرادَ بها: الأموالُ إلى أكثرِ المفسرينَ. يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (14/12). قال العليمي: (مَن قرَأ بالضمِّ، فهي الأموالُ الكثيرةُ المثمرةُ مِن كلِّ صنفٍ، جمعُ ثمارٍ، ومَن قرَأ بالفتحِ، جمعُ ثمرةٍ، وما يخرجُه الشجرُ مِن الثمارِ المأكولةِ). ((تفسير العليمي)) (4/175). وقال الرازي: (ذَكَر أهلُ اللُّغةِ: أنَّه بالضَّمِّ: أنواعُ الأموالِ مِن الذَّهبِ والفضَّةِ وغيرِهما، وبالفتحِ: حَمْلُ الشَّجرِ). ((تفسير الرازي)) (21/463). وقال ابنُ عطية: (اختلف المتأوِّلونَ في «الثمر» بضمِّ الثاءِ والميمِ؛ فقال ابنُ عباسِ وقتادةُ: «الثمر»: جميعُ المالِ مِن الذهبِ والفضةِ والحيوانِ وغيرِ ذلك... وقال ابنُ زيدٍ: «الثمر» هي الأصولُ التي فيها الثمرُ... وأمَّا مَن قرَأ بفتحِ الثاءِ والميمِ، فلا إشكالَ في أنَّ المعنى ما في رؤوسِ الشجرِ مِن الأُكُلِ، ولكن فصاحة الكلامِ تقتضي أن يعبَّر إيجازًا عن هلاكِ الثمرِ والأصولِ بهلاكِ الثمرِ فقط، فخصَّصها بالذكرِ؛ إذ هي مقصودُ المستغلِّ، وإذ هلاكُ الأصولِ إنما يسوءُ منه هلاكُ الثمرِ الذي كان يُرجَى في المستقبلِ، كما يقتضي قولُه: «إنَّ له ثمرًا» أنَّ له أصولًا، كذلك تقتضي الإحاطةُ المطْلقةُ بالثمرِ أنَّ الأصولَ قد هلَكت). ((تفسير ابن عطية)) (3/516). .
وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ.
أي: وكان لصاحِبِ الجَنَّتَينِ ثمارٌ عظيمةٌ منهما [591] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/261)، ((طريق الهجرتين)) لابن القيم (ص: 372)، ((تفسير ابن كثير)) (5/157)، ((تفسير السعدي)) (ص: 476). ممن قال بأنَّ المرادَ بالثمرِ هاهنا: الثمارُ المعروفةُ، وهي ما يخرجُه الشجرُ مِن الثمارِ المأكولةِ: ابنُ جريرٍ، وابنُ القيِّمِ، وابنُ كثيرٍ، والسعدي. يُنظر: المصادر السابقة.   .
فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا.
أي: فقال مالِكُ الجَنَّتَينِ الكافِرُ لصاحِبِه [592] قال ابن عاشور: (و«الصَّاحِبُ» هنا بمعنى المقارِنِ في الذِّكرِ؛ حيث انتظمَهما خبَرُ المَثَلِ، أو أريدَ به الملابِسُ المخاصِمُ... والمرادُ بالصَّاحِبِ هنا الرجُلُ الآخَرُ مِن الرَّجُلين، أي: فقال مَن ليس له جنَّاتٌ في حوارٍ بينهما، ولم يتعلَّقِ الغَرَضُ بذِكرِ مكانِ هذا القَولِ ولا سَبَبِه؛ لعَدَمِ الاحتياجِ إليه في الموعِظةِ). ((تفسير ابن عاشور)) (15/319).   المؤمِنِ -المجعولِ مَثَلًا لفُقَراءِ المؤمِنينَ- وهو يُراجِعُه في الكلامِ ويُخاطِبُه، ويجادِلُه تكبُّرًا وافتخارًا عليه، وتقبيحًا لحالِه بالنِّسبةِ إليه: لي من المالِ أكثَرُ مِمَّا تَملِكُ، وأنا أكثَرُ منك أُناسًا يَنصُرونَني فيقومونَ معي في المُهِمَّات، ويَنفِرونَ عند الضَّروراتِ؛ مِن وَلَدٍ أو عشيرةٍ، أو خَدَمٍ وأتباعٍ [593] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/261، 262)، ((تفسير ابن عطية)) (3/516)، ((تفسير القرطبي)) (10/403)، ((تفسير ابن كثير)) (5/157)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/58).   .

الفوائد التربوية:

قَولُ الله تعالى: فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا دلَّ فِعلُ المُحاورةِ على أنَّ صاحِبَه قد وعَظَه في الإيمانِ والعَمَلِ الصَّالحِ، فراجَعَه الكلامَ بالفَخرِ عليه والتَّطاوُلِ، شأنُ أهلِ الغَطرسةِ والنَّقائِصِ؛ أن يَعدِلوا عن المجادلةِ بالتي هي أحسَنُ إلى إظهارِ العَظَمةِ والكِبرياءِ [594] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/320).   .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قال الله تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ تأمَّلْ هذه الهيئةَ التي ذكَرَ اللهُ؛ فإنَّ المرءَ لا يَكادُ يتخَيَّلُ أجمَلَ منها في مكاسبِ النَّاسِ: جَنَّتا عِنَبٍ أحاط بهما نَخلٌ، بينهما فُسحةٌ، هي مُزدرَعٌ لجَميعِ الحُبوبِ، والماءُ الجاري يَسقي جميعَ ذلك من النَّهرِ الذي قد جَمَّلَ هذا المنظَرَ، وعَظَّمَ النَّفعَ، وقَرَّبَ الكَدَّ، وأغنى عن النواضِحِ [595] النَّواضِحُ: الإبِلُ التي يُستقَى عليها، واحِدُها: ناضِحٌ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (5/69).   وغَيرِها [596] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/516).   .
2- قَولُه تعالى: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا فجعَل الفِعلَ واحِدًا، ولم يقُلْ: (آتَتَا أكُلَها)؛ لأنَّه يجوزُ مراعاةُ اللَّفظِ ومُراعاةُ المعنى في (كلتا)، فلو راعى معنى قَولِه: كِلْتَا لقال: (آتتا)، لكِنَّه راعى اللفظ [597] يُنظر: ((معاني القرآن)) للأخفش (2/430)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 68).   .

بلاغة الآيات:

1- قوله تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا
     - أُبْهِمَ في قولِه: جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ أيُّ الرَّجُلينِ، وتبيَّنَ أنَّه هو الكافرُ الشَّاكُّ في البَعثِ، وأبْهَمَ تعالى مكانَ الجنَّتينِ؛ إذ لا يتعلَّقُ بتَعيينِه كبيرُ فائدةٍ [599] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/174).   .
     - قولُه: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ فيه تَتميمٌ [600] التتميم: هو أن يُؤتى في كلامٍ لا يُوهِم غيرَ المرادِ بفضلةٍ تُفيد نكتةً. أو بعبارة أخرى هو: إردافُ الكلامِ بكلمةٍ ترفعُ عنه اللبسَ، وتقرِّبُه للفهمِ. يُنظر: ((تفسير أبي حيَّان)) (1/120)، (2/333)، ((الإتقان في علوم القرآن)) للسيوطي (3/252)، ((مفاتيح التفسير)) لأحمد سعد الخطيب (1/240).   واحتراسٌ [601] الاحتراس: هو التحرُّز من الشيء والتحفُّظ منه، وهو نوعٌ من أنواع إطناب الزِّيادة، وهو أن يكون الكلام محتملًا لشيءٍ بعيدٍ، فيُؤتى بكلامٍ يَدفعُ ذلك الاحتمالَ. أو الإتيانُ في كلامٍ يوهِمُ خلافَ المقصودِ بما يَدْفَعُ ذلك الوهمَ، ويُسمِّيه البعضُ التَّكميلَ. يُنظر: ((البرهان في علوم القرآن)) للزركشي (3/64)، ((الإتقان في علوم القرآن)) للسيوطي (3/251)، ((مفاتيح التفسير)) لأحمد سعد الخطيب (ص: 49).   وكِنايةٌ [602] الكِناية في اصطلاح البلاغيِّين: هي لفظٌ أُريدَ به غيرُ مَعناهُ الذي وُضِعَ له، مع جوازِ إرادةِ المعنى، حيثُ يُريدُ المتكلمُ إثباتَ معنى من المعاني فلا يَذكُره باللفظِ الموضوعِ له مِن اللُّغة، ولكن يَجيءُ إلى معنى هو تاليه ورَديفُه في الوجودِ فيُشيرُ به إليه ويجعلُه دليلًا عليه؛ فيدلُّ على المرادِ مِن طريقٍ أولى، مِثل قولهم: «كثير الرماد»؛ يعنون كثيرَ الضِّيافةِ؛ فتوصَّلوا إلى المرادِ بذِكرِ معنًى آخَرَ هو رديفُه في الوجودِ؛ لأنَّه إذا كَثُرَ القِرَى كَثُر الرَّماد. والكنايةُ أبلغُ مِن التصريحِ. يُنظر: ((البرهان في علوم القرآن)) للزركشي (2/300)، ((مفتاح العلوم)) للسكاكي (ص: 402 وما بعدها)، ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 286).   ؛ فالتَّتميمُ أو التَّمامُ في وصْفِ الجنَّتينِ؛ فإنَّ قولَه تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ يحتملُ أنْ تكونَ الجنَّتانِ مُجرَّدَ اجتماعِ شَجرٍ مُتكاثفٍ، أو يكونَ النَّفعُ منها ضَئيلًا، فيكون أسَفُه عليها أقلَّ مِن أنْ تكونَ الجنَّتانِ من نَخيلٍ وأعنابٍ يَنتفِعُ بما تُثمرانِه عليه، ثمَّ تمَّمَ ذلك أيضًا بقولِه: وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا؛ لئلَّا يُتوهَّمَ أنَّ الانتفاعَ قاصرٌ على النَّخيلِ والأعنابِ، ولتكونَ كلٌّ من الجنَّتينِ جامعةً للأقواتِ والفواكهِ، وعلى الشَّكلِ الحسنِ والتَّرتيبِ الأنيقِ، ثمَّ تمَّمَ ذلك بقولِه: وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا؛ للدَّلالةِ على دَيمومةِ الانتفاعِ بهما؛ فإنَّ الماءَ هو سِرُّ الحياةِ، وعامِلُ النُّموِّ الأوَّلِ في النَّباتاتِ، ثمَّ تمَّمَ ذلك بقولِه: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ آكُلُهَا؛ لاستحضارِ الصُّورةِ التَّامَّةِ للانتفاعِ بالمواردِ، واحترَسَ بقولِه: وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا من أنْ يكونَ ثمَّةَ نقْصٌ في الأُكلِ الَّذي آتَتْه، وليكونَ كِنايةً عن تَمامِ الجنَّتينِ ونُمُوِّهما دائمًا وأبدًا، فهي فيَّاضةُ الموردِ في كلِّ حينٍ؛ فقدِ استوفى وصْفُ الجنَّتينِ هذه الفُنونَ الثَّلاثةَ جميعًا [603] يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (5/604-605).   .
2- قوله تعالى: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا
     - جُملةُ: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا مُعترِضةٌ بين الجُملِ المُتعاطِفةِ. والمعنى: أثمرَتِ الجنَّتانِ إثمارًا كثيرًا حتَّى أشبهَتِ المُعطِيَ مِن عندِه [604] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/318).   .
     - قولُه: وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا في الكلامِ إيجازٌ بحذْفِ مُضافٍ، والتَّقديرُ: ولم تَظلِمْ من مِقدارِ أمثالِه [605] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/318).   .
     - قولُه: آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا فيه تأخيرُ ذِكْرِ النَّهرِ عن ذِكْرِ إيتاءِ الأُكُلِ، مع أنَّ التَّرتيبَ الخارجِيَّ على العكسِ؛ للإيذانِ باستقلالِ كلٍّ من إيتاءِ الأُكلِ وتَفجيرِ النَّهرِ في تَكميلِ مَحاسنِ الجنَّتينِ، ولو عُكِسَ لانْفَهمَ أنَّ المجموعَ خَصلةٌ واحدةٌ بعضُها مُترتِّبٌ على بعضٍ؛ فإنَّ إيتاءَ الأُكلِ مُتفرِّعٌ على السَّقْيِ عادةً. وفيه إيماءٌ إلى أنَّ إيتاءَ الأُكلِ لا يتوقَّفُ على السَّقيِ [606] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/221).   .
     - قولُه: وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا شُدِّدَ وَفَجَّرْنَا وهو نَهرٌ واحدٌ؛ لأنَّ النَّهرَ يمتَدُّ، فكأنَّ التَّفجُّرَ فيه كلِّه، أعلَمَ اللهُ تعالى أنَّ شُرْبَهما كان من نَهرٍ واحدٍ، وهو أغزَرُ الشُّربِ [607] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/174).   .
3- قوله تعالى: وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا
     - قولُه: فَقَالَ لِصَاحِبِهِ... الفاءُ للتَّفريعِ على الجُملِ السَّابقةِ؛ لأنَّ ما تَضمَّنَته الجُملُ السَّابقةُ من شأْنِه أنْ ينشَأَ عنه غُرورٌ بالنَّفسِ يَنطِقُ ربُّه عن مثْلِ ذلك القولِ [608] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/319).   .
     - قولُه: أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا فيه المُبالَغةُ والإفراطُ في الصِّفةِ؛ وهو أنْ يذكُرَ المُتكلِّمُ حالًا لو وقَفَ عندها لأجزأَتْ، فلا يقِفُ عندها حتَّى يَزيدَ في معنى كلامِه ما يكونُ أبلَغَ في معنى قصْدِه، وهو أنواع، وهو هنا الإتيانُ بصِيغةِ اسمِ التَّفضيلِ وهو مَحضُ الحَقيقةِ مِن غيرِ قَرينةٍ [609] يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (5/606).   .
     - قولُه: فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ فيه اللَّفُّ والنَّشرُ المُشوَّشُ [610] اللَّف والنَّشْر: هو أن يُذكر شيئان أو أشياء، إمَّا تفصيلًا -بالنصِّ على كلِّ واحدٍ، أو إجمالًا- بأن يُؤتَى بلفظٍ يشتملُ على متعدِّدٍ - ثم يذكر أشياء على عدَدِ ذلك، كلُّ واحدٍ يرجِعُ إلى واحدٍ مِن المتقدِّمِ، ويُفوَّضُ إلى عقلِ السامعِ ردُّ كلِّ واحد إلى ما يَليقُ به؛ فاللَّفُّ يُشارُ به إلى المتعدِّدِ الذي يُؤتَى به أوَّلًا، والنَّشرُ يُشارُ به إلى المتعدِّدِ اللَّاحقِ الذي يتعلَّقُ كلُّ واحدٍ منه بواحدٍ مِن السَّابقِ دونَ تعيينٍ، مثل: قولِه تعالى: وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى [البقرة: 111] ، أي: وقالت اليهودُ: لن يدخلَ الجنةَ إلَّا اليهودُ، وقالت النصارى: لن يدخُلَ الجنةَ إلَّا النصارى، وهذا لفٌّ ونَشْرٌ إجماليٌّ. واللَّف والنَّشر إمَّا مُرتَّب، وإمَّا غيرُ مُرتَّب؛ فاللَّف والنشرُ المُرتَّب، هو: أن يأتي النشرُ على وَفقِ ترتيبِ اللَّفِّ؛ فيُؤتَى بما يُقابِلُ الأشياءَ المذكورةَ ويُضافُ إلى كلٍّ ما يليقُ به على الترتيبِ، كقولِه تعالى: وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [القصص: 73] ؛ حيث جاء اللَّفُّ بعبارةِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وجاء النَّشرُ وَفقَ توزيعٍ مُرتَّب؛ فقولُه: لِتَسْكُنُوا فِيهِ يتعلَّقُ باللَّيلِ، وقولُه: وَلِتَبتَغُوا مِن فَضْلِهِ يتعلَّقُ بالنَّهار. وغيرُ المرتَّب، وقد يُعَبَّر عنه بـ «اللَّف والنَّشر المُشَوَّش»، أو «المعكوس»: هو أن يأتيَ النشرُ على غَيرِ ترتيبِ اللَّفِّ؛ مثالُه قولُه تعالى: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى [الضحى: 6-8] ، فهذه الجُمَلُ لفٌّ مُفَصَّل، وجاء بعدَها نَشْرٌ غَيرُ مُرَتَّب؛ فجملةُ: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ملائمةٌ للجملةِ الأُولى ومتعلِّقةٌ بها. وجُملَةُ: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ملائمةٌ للجملةِ الثالثةِ ومُتعلِّقةٌ بها. وجُملةُ: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى: 9 - 11] ملائمةٌ للجملةِ الثانيةِ ومتعلِّقةٌ بها. يُنظر: ((مفتاح العلوم)) للسكاكي (ص: 425)، ((الإتقان في علوم القرآن)) للسيوطي (3/320)، ((علوم البلاغة)) للمراغي (ص: 330-331)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني (2/403- 406). ، وحاصِلُ ما قاله هذا الكافرُ ثلاثُ مَقالاتٍ شَنيعةٍ؛ الأولى: قولُه: أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا. والثَّانيةُ: عندما دخَلَ جنَّتَه مُتكبِّرًا مَزْهُوًّا ظالِمًا لنفْسِه، قال -وقد رنَّحَه الغُرورُ-: مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا. والثَّالثةُ: قولُه: وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً، فردَّ المؤمنُ على مقالاتِه الثلاثِ بادئًا بالأخيرةِ -لأنَّها الأهمُّ- قائلًا: أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ وذلك لشكِّه في البعثِ، وثنَّى بالثَّانيةِ ناصحًا؛ لأنَّها تأتي في المرتبةِ بعدَها فقال: وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ...، وثلَّثَ بالأُولى مُقرِّعًا فقال: فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ [611] يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (5/605).   .