الموسوعة التاريخية


العام الهجري : 428 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1037
تفاصيل الحدث:

هو الفيلسوف الشَّهيرُ، الرَّئيسُ أبو علي الحُسَين بنُ عبدِ الله بن الحَسَن بن علي بن سينا البلخي ثم البخاري، صاحِبُ التصانيف في الطبِّ والفلسفة والمنطق. الحكيمُ المشهور، كان بارعًا في الطبِّ في زمانه، وكان أبوه من أهلِ بلخ، وانتقل إلى بخارى، وهو من العُمَّال فيها، ومن دعاة الإسماعيليَّة، تولَّى العملَ بقرية من ضياعِ بخارى يقال لها خرميثنا، وُلِدَ ابنُ سينا بها سنة 370، واسم أمِّه ستارة. تعلَّم بها فقرأ القرآنَ وأتقَنَه، وهو ابنُ عشر سنين، وأتقن الحسابَ والجبر والمقابلة، ثم اشتغلَ على أبي عبد الله الناتلي الحكيم، فقرأ عليه كتابَ إيساغوجي، وأحكم على يديه عِلمَ المنطقِ وإقليدس والمجسطي، وفاقَه أضعافًا كثيرةً، فبرع فيه وَفاقَ أهلَ زَمانِه في ذلك، كذلك تفَقَّه على كُتُبِ الفارابي، قال ابن كثير في الفارابي الذي تتلمذ ابنُ سينا على كتُبِه: "تفَقَّه ابنُ سينا على كتب أبي نصرٍ الفارابي التركيِّ الفيلسوف، الذي كان حاذقًا في الفلسفة، ويقول: بالمعادِ الروحاني لا الجُثَماني، ويَخصُص بالمعادِ الأرواحَ العالِمة لا الجاهلةَ، وله مذاهِبُ في ذلك يخالِفُ المسلمينَ والفلاسفةَ مِن سَلَفِه الأقدمين، فعليه- إن كان مات على ذلك- لعنةُ رَبِّ العالمينَ". وتردَّد النَّاسُ على ابنِ سينا واشتغلوا عليه، وهو ابنُ سِتَّ عشرة سنة، وعالج بعضَ الملوك السامانيَّة، وهو الأميرُ نوح بن نصر، فأعطاه جائزةً سَنيَّةً، وحَكَّمَه في خِزانةِ كُتُبِه، فرأى فيها مِن العجائب والمحاسِن ما لا يوجَدُ في غيرِها قبل أن تحتَرق، فيقال إنَّه عزا بعضَ تلك الكتب إلى نَفسِه، وله في الإلهيَّات والطبيعيَّات كتبٌ كثيرة. قال ابن سينا: "كان أبي تولى التصرُّفَ بقريةٍ كبيرة، وهو ممَّن آخى داعيَ المصريين، ويُعَدُّ من الإسماعيليَّة. ثمَّ نزل بخارى، فقرأت القُرآنَ وكثيرًا مِن الأدبِ ولي عَشرٌ، ثم رَغِبتُ في الطبِّ، وبَرَزتُ فيه، وقرؤوا عليَّ، وأنا مع ذلك أختَلِفُ إلى الفقه، وأناظِرُ ولي ستَّ عشرة سنة. ثم قرأت جميعَ أجزاء الفلسفة، وكنتُ كلمَّا أتحير في مسألة، أو لم أظفَرْ بالحد الأوسط في قياسٍ، تردَّدتُ إلى الجامِعِ، وصَلَّيتُ، وابتهلتُ إلى مُبدعِ الكُلِّ حتى فُتِح لي المنغَلِقُ منه، وكنت أسهَرُ، فمهما غلبني النومُ، شَربتُ قدحًا, حتى استحكم معي جميع العلوم، وقرأتُ كتاب "ما بعد الطبيعة"، فأشكَلَ عليَّ حتى أعدتُ قراءتَه أربعينَ مَرَّة، فحَفِظتُه ولا أفهَمُه، فأَيِستُ, ثمَّ وقع لي مجلدٌ لأبي نصر الفارابي في أغراضِ كتاب "ما بعد الحكمة الطبيعية"، ففَتَحَ عليَّ أغراضَ الكتب، ففَرِحتُ، وتصَدَّقتُ بشيء كثير, واتَّفَق لسلطانِ بخارى نوح مَرَضٌ صَعبٌ، فأُحضِرْتُ مع الأطباء، وشاركتُهم في مداواته، فسألت إذنًا في نَظَرِ خزانة كتبه، فدخلت فإذا كتُبٌ لا تُحصى في كلِّ فنٍّ، فظَفِرتُ بفوائدَ, فلما بلَغتُ ثمانية عشر عامًا، فَرَغتُ من هذه العلوم كلِّها، وكنت إذ ذاك للعِلمِ أحفَظَ، ولكنَّه معي اليومَ أنضجُ". صنَّف ابنُ سينا كتبًا كثيرة نحوًا من مِئَة مُصَنَّف، صغار وكبار، منها "الإنصاف" عشرون مجلَّدًا، "البر والإثم" مجلدان، "الشفاء" ثمانية عشر مجلدًا، "القانون" مجلدات، "الإرصاد" مجلَّد، "النجاة" ثلاث مجلدات، "الإشارات" مجلد، "القولنج" مجلد، "اللغة" عشر مجلدات، "أدوية القلب" مجلد، "الموجز" مجلد، "المعاد" مجلد، وسلامان، وإنسان، وحي بن يقظان، وأشياء كثيرة، ورسائل. قال ابن كثير: "حصر الغزاليُّ كلامَه في مقاصِدِ الفلاسفةِ، ثمَّ رَدَّ عليه في تهافُتِ الفلاسفة في عشرينَ مجلِسًا له، كَفَّرَه في ثلاثٍ منها، وهي قوله بقِدَمِ العالمِ، وعدمِ المعادِ الجُثماني، وأنَّ اللهَ لا يعلمُ الجزئيات، وبَدَّعَه في البواقي، ويقالُ: إنه تاب عند الموت، فالله أعلم". وذُكِرَ أنه مات بدمشق بالقولنج في همذان، وقيل بأصبهان، والأول أصحُّ، يوم الجمعة في شهر رمضان منها، عن 58 سنة، قال ابن كثير: "ولم أر الحافِظَ ابنَ عساكر ذكَرَ ابن سينا في تاريخه; لِنَتنِه وقباحَتِه, فالله أعلم".