موسوعة الفرق

المَبحَثُ الرَّابعُ: أسبابُ ظُهورِ المُعتَزِلةِ المُعاصِرةِ


هذه المحاوَلاتُ التي ظهَرَت لإعادةِ إحياءِ المنهَجِ الاعتِزاليِّ تعودُ لعِدَّةِ أسبابٍ؛ منها:
1- إخراجُ التُّراثِ المُعتَزِليِّ إلى العَلَنِ، وإعادةُ طباعتِه من جديدٍ بَعدَ أن كان مخطوطاتٍ على رُفوفِ المَكتباتِ العالَميَّةِ، ومن أهَمِّ الكُتُبِ المُعتَزِليَّةِ التي طُبِعَت: موسوعةُ "المُغني في أبوابِ العَدلِ والتَّوحيدِ" و"المحيطُ في التَّكليفِ" و"تنزيهُ القرآنِ عن المطاعِنِ" و"شَرحُ الأُصولِ الخَمسةِ"، وكُلُّها للقاضي عبدِ الجَبَّارِ، كما طُبِعَت كُتُبُ المَلاحِميِّ المشهورِ برُكنِ الدِّينِ الخَوارِزميِّ، وكذلك كتابُ "الاستِقصاءِ" لتقيِّ الدِّينِ النَّجرانيِّ، وغيرُه من الكُتُبِ والمُؤَلَّفاتِ التي تَرجِعُ لأئمَّةِ المُعتَزِلةِ المتقَدِّمين والمُتأخِّرين منهم.
2- الانحِدارُ السَّريعُ الذي تُعاني منه الأمَّةُ، وضَعفُها في مُواجَهةِ مَوجاتِ الإلحادِ، مُنذُ مُنتَصَفِ القَرنِ الثَّامِنَ عَشَرَ الميلاديِّ؛ حيثُ أخَذَت نَظريَّاتُ التَّطَوُّرِ وغيرُها بالانتِشارِ شَرقًا وغَربًا، في حينِ وَقَف العالَمُ الإسلاميُّ منها مَوقِفَ المُنبَهِرِ والتَّائِهِ، وبدا موقِفُه غامِضًا منها.
3- إعادةُ إنتاجِ الخِطابِ الإسلاميِّ الوَعظيِّ والبَرامجيِّ، والتَّسلُّحُ بسِلاحِ العَقلِ بَعدَ إهمالِ العَقلِ من قِبَلِ الفِرَقِ الإسلاميَّةِ؛ حيثُ يتَّهِمُ المُعتَزِلةُ الجُدُدُ الفِرَقَ الأخرى بالاعتمادِ على النَّصِّ وإهمالِ العقلِ، أو الاعتِمادِ على الخُرافةِ وإهمالِ العقلِ؛ ممَّا أدَّى إلى حالةِ الضَّعفِ العِلميِّ بالأمَّةِ الإسلاميَّةِ؛ ولذلك يَرَون وجوبَ إعمالِ العَقلِ من خِلالِ "النَّظَر" الذي يَرَونَه أوَّلَ واجِبٍ على المُكَلَّفِ، ومن ثَمَّ نَصِلُ للتَّوحيدِ والعَدلِ، وأخيرًا إلى نهضةِ الأمَّةِ الإسلاميَّةِ.
4- يُؤمِنُ بعضُ المُعتَزِلةِ -وخاصَّةً بعضَ مُنَظِّريهم على مواقِعِ التَّواصُلِ- بنظريَّةِ المؤامَرةِ الفِكريَّةِ عليهم، وأنَّ مذهَبَهم لم يندَثِرْ، إنَّما كان مبثوثًا هنا وهناك؛ حيثُ تَمَّ مَنعُه من الظُّهورِ من جِهةِ أصحابِ الإسلامِ السِّياسيِّ، أو كان مختَبِئًا وراءَ الأفكارِ العقلانيَّةِ والتَّنويريَّةِ التي يبُثُّها بعضُ المُفكِّرين، ومن ثَمَّ فهم غيرُ غائِبين عن ساحةِ الأُمَّةِ الفِكريَّةِ، ولكِنَّهم كانوا ينتَظِرون الفُرصةَ المناسِبةَ للخروجِ، بحيث تسمَحُ عُقولُ شبابِ الأمَّةِ في تقبُّلِهم بعدَما تعَرَّضوا للظُّلمِ على يَدِ المدارِسِ الإسلاميَّةِ التي تُسيطِرُ على السَّاحةِ الإسلاميَّةِ، من خلالِ تشويهِ آرائِهم وأقوالِهم، والافتراءِ على أئمَّتِهم، وتشنيعِ مقولاتِهم قديمًا وحديثًا.
يُعَرِّفُ المُعتَزِلة المُعاصِرةُ أنفُسَهم -كما جاء في مَوقِعِهم الرَّسميِّ- بأنَّهم: (كِيانٌ فِكريٌّ، يَعمَلُ لإيجادِ طريقةِ تفكيرٍ على أساسِ الإسلامِ عِندَ المُسلِمين، ولتحديدِ منهَجٍ قويمٍ لفَهمِ القرآنِ الكريمِ، ولتوضيحِ معالِمَ منهجيَّةٍ للتثَبُّتِ من سُنَّةِ الرَّسولِ -صَلَواتُ اللهِ عليه- وكيفيَّةِ الاستِدلالِ بها، وهي حرَكةُ قراءةٍ إبداعيَّةٍ للتُّراثِ الإسلاميِّ) [1664] ((المعتزلة المعاصرة)) مقال منشور بموقعهم على الإنترنت (المعتزلة المعاصرة (mutazelah.com)). .
ويُشَدِّدون على ضرورةِ انفِكاكِ الأمَّةِ الإسلاميَّةِ عن التَّبَعيَّةِ الفِكريَّةِ والثَّقافيَّةِ والسِّياسيَّةِ والاقتِصاديَّةِ عن الأمَمِ الغربيَّةِ، وكذلك بَعْثُ رُوحِ الوَحدةِ في الدُّوَلِ الإسلاميَّةِ؛ لتأسيسِ دَولةٍ إسلاميَّةٍ تتحَلَّى بالقِوامةِ على أفرادِها؛ قِوامةِ الهدايةِ والطُّمَأنينةِ، ويَرَون أنَّ الفِكرَ المُعتَزِليَّ هو الفِكرُ الفاعِلُ والقادِرُ على القيامِ بذلك!

انظر أيضا: