موسوعة الفرق

المَطلَبُ الأوَّلُ: رأيُ المُعتَزِلةِ في الإحباطِ والتَّكفيرِ


اختلَف المُعتَزِلةُ في الإحباطِ والتَّكفيرِ على أقوالٍ، نستعرِضُ أبرَزَها:
الأوَّلُ: رأيُ الجُمهورِ منهم الذين يرَونَ أنَّ الإنسانَ إذا عبَد اللهَ طَوالَ حياتِه، ثُمَّ ارتكَب كبيرةً مِن الكبائِرِ؛ فإنَّها تُبطِلُ جميعَ أعمالِه السَّابِقةِ [1069] ((المواقف)) للإيجِيِّ (8/309). .
قال القاضي عبدُ الجبَّارِ: (إنَّ ما يستحِقُّه المرءُ على الكبيرةِ مِن العِقابِ يُحبِطُ ثوابَ طاعاتِه) [1070] ((شرح الأصول الخمسة)) (ص: 632). .
الثَّاني: رأيُ أبي عليٍّ الجُبَّائيِّ -وهو مِن مُتأخِّري المُعتَزِلةِ- الذي يرى أنَّ الطَّاعاتِ السَّابِقةَ على المعاصي يسقُطُ منها بمِقدارِ المعاصي، وتبقى المعاصي على حالِها؛ فمَثلًا: مَن أطاع عِشرينَ مرَّةً، وعصى عَشرَ مرَّاتٍ؛ يسقُطُ مِن طاعاتِه بمِقدارِ معاصيه، وتبقى معاصيه على حالِها، ولو زادت معاصيه على طاعاتِه فإنَّها تُذهِبُ طاعاتِه كُلَّها، وتبقى معاصيه.
الثَّالثُ: رأيُ أبي هاشِمٍ الذي ذهَب إلى أنَّ الإحباطَ يكونُ مِن الطَّرفَينِ، فكما تُحبِطُ الطَّاعاتُ المعاصيَ؛ كذلك تُحبِطُ المعاصي الطَّاعاتِ؛ فمَثلًا: مَن أطاع عَشرًا، وعصى عِشرينَ؛ فإنَّه تذهَبُ طاعاتُه بما يُقابِلُها مِن المعاصي، ولا يبقى عليه سِوى الزَّائِدِ مِن معاصيه [1071] يُنظر: ((المواقف)) للإيجِيِّ (8/309، 310) بتصَرُّفٍ. .
قال القاضي عبدُ الجبَّارِ: (لو أتى المُكلَّفُ بطاعةٍ استحقَّ عليها عَشرةَ أجزاءٍ مِن الثَّوابِ، وبمعصيةٍ استحقَّ عليها عِشرينَ جُزءًا مِن العِقابِ؛ فمِن مذهَبِ أبي عليٍّ أنَّه يحسُنُ مِن اللهِ تعالى أن يفعَلَ به في كُلِّ وقتٍ عِشرينَ جُزءًا مِن العِقابِ، ولا يثبُتُ لِما كان قد استحقَّه على الطَّاعةِ التي أتى بها تأثيرٌ بعدَما ازداد عِقابُه عليه.
وقال أبو هاشِمٍ: لا، بل يقبُحُ مِن اللهِ تعالى ذلك، ولا يحسُنُ منه أن يفعَلَ به مِن العِقابِ إلَّا عَشرةَ أجزاءٍ، فأمَّا العَشرةُ الأخرى فإنَّها تسقُطُ بالثَّوابِ الذي قد استحقَّه على ما أتى به مِن الطاعةِ، وهذا هو الصَّحيحُ مِن المذهَبِ، ولعَمري إنَّه القولُ اللَّائِقُ باللهِ تعالى دونَ ما يقولُه أبو عليٍّ) [1072] ((شرح الأصول الخمسة)) (ص: 628- 629). .
مِن هذا النَّصِّ يظهَرُ أنَّ القاضيَ يُرجِّحُ رأيَ أبي هاشِمٍ؛ ولذلك فإنَّه قام بعَرضِ شُبُهاتِ أبي عليٍّ الجُبَّائيِّ وتفنيدِها [1073] يُنظر ((شرح الأصول الخمسة)) (ص: 629، 630، 631). .

انظر أيضا: