موسوعة الفرق

المَطلَبُ الثَّاني: مُناقَشةُ رأيِ المُعتَزِلةِ في الإحباطِ والتَّكفيرِ


إنَّ قولَ المُعتَزِلةِ بالإحباطِ والتَّكفيرِ باطِلٌ؛ سواءٌ على القولِ بأنَّ الكبيرةَ الواحِدةَ تُحبِطُ ثوابَ الطَّاعاتِ، أو على القولِ بالمُوازَنةِ كما يرى أبو هاشِمٍ ومَن معَه؛ ولذا فإنَّهم تعرَّضوا لرُدودٍ كثيرةٍ، نستعرِضُ أبرَزَها.
أوَّلًا: أنَّ قولَهم: الذَّنبُ الواحِدُ يُحبِطُ جميعَ الطَّاعاتِ، خِلافُ قولِه تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود: 114] ، وقولِه تعالى: مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: 217] ؛ فقد أخبَر اللهُ تعالى أنَّ إحباطَ الحَسناتِ إنَّما يكونُ بالموتِ على الكُفرِ، فوجَب مِن هذا أنَّ ما سِواه مِن السَّيِّئاتِ تُذهِبُه الحَسناتُ [1074] يُنظر: ((أصول الدين)) للبغدادي (ص: 244) بتصَرُّفٍ. .
ثانيًا: إنَّ الطَّاعاتِ ثابِتةٌ حقائِقُها صحيحٌ أداؤُها، والإصرارُ على الكبائِرِ لو كان يدرَأُ ثوابَ الطَّاعاتِ لكان يُنافي صحَّتَها؛ كالرِّدَّةِ ومُفارَقةِ المِلَّةِ؛ فإنَّها لمَّا كانت مُحبِطةً كانت مُنافِيةً لصحَّةِ العِباداتِ [1075] يُنظر: ((لباب العقول)) للمكلاتي (ص: 392- 393). ؛ فدلَّ ذلك على بُطلانِ قولِهم: إنَّ الكبيرةَ الواحِدةَ تُحبِطُ جميعَ الأعمالِ.
ثالثًا: قولُهم هذا ينبني على زَعمِهم أنَّ مُرتكِبَ الكبيرةِ يستحِقُّ النَّارَ مُخلَّدًا فيها، وقد أبطَلْناه، فإذا بطَل الأصلُ بطَل الفَرعُ.
رابعًا: قولُ أبي هاشِمٍ: (إنَّ الحَسناتِ تُبطِلُ السَّيِّئاتِ إذا زادت عليها، والعكسُ)؛ فيُقالُ: أمَّا قولُه: إنَّ الحَسناتِ تُبطِلُ السَّيِّئاتِ فهذا نُسلِّمُ به؛ لقولِه تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود: 114] .
وأمَّا قولُه: إنَّ السَّيِّئاتِ إذا زادت على الحَسناتِ فإنَّها تُبطِلُها، إن أراد إبطالَها لبعضِ الحَسناتِ، فهو مُسلَّمٌ به، وإن أراد إبطالَها جميعَ الحَسناتِ؛ فلا؛ لأنَّه لا يُبطِلُ جميعَ الحَسناتِ إلَّا الرِّدَّةُ.
خامسًا: أنَّ قولَ أبي هاشِمٍ ينبني على أنَّه لا يُمكِنُ أن يستحِقَّ المُكلَّفُ الثَّوابَ والعِقابَ معًا، وهو باطِلٌ؛ لأنَّه لا يمتنِعُ أن يستحِقَّهما جميعًا، فيُعاقِبُه اللهُ على قَدْرِ ذَنبِه، ثُمَّ يُثيبُه، وقد سبَق بيانُ ذلك؛ فإذا بطَل الأصلُ بطَل الفَرعُ.
سادِسًا: يُقالُ لأبي هاشِمٍ: يلزَمُ على قولِك هذا أنَّه لو كانت الطَّاعاتُ بعددِ المعاصي للزِم القولُ بسُقوطِهما معًا، وعليه فإن سقَط أحدُهما قَبلَ الآخَرِ لم يسقُطِ المُتأخِّرُ بالمُتقدِّمِ عليه؛ لأنَّه بَعدَ سُقوطِه لا يبقى له تأثيرٌ في إسقاطِ الآخَرِ، وإن تقارَن سُقوطُهما لزِم وُجودُهما معًا قَبلَ سُقوطِهما، معَ أنَّ وُجودَ كُلٍّ منهما ينفي وُجودَ الآخَرِ ويُمانِعُه، وذلك يدُلُّ على بُطلانِ قولِ أبي هاشِمٍ في الإحباطِ [1076] يُنظر: ((المواقف)) للإيجِيِّ (ص: 340) بتصَرُّفٍ. .

انظر أيضا: