موسوعة الفرق

المسألةُ الثَّانيةُ: اختلفوا في السَّعادةِ والشَّقاوةِ هل تتبدَّلان أم لا؟


فقال الماتُريديَّةُ: إنَّ السَّعيدَ قد يشقى، والشَّقيَّ قد يسعَدُ، وقال الأشاعِرةُ: من كان سعيدًا عِندَ اللهِ، فاللهُ راضٍ عنه حتَّى في حالِ كُفرِه، ومن كان شقيًّا فاللهُ راضٍ عنه حتَّى في حالِ إسلامِه.
وذكر ابنُ فُورَكٍ عن الأشْعَريِّ والأشْعَريَّةِ أنَّ اللهَ تعالى لم يَزَلْ راضيًا عمَّن يعلَمُ أنَّه يموتُ على الإيمانِ، وساخِطًا على من يعلَمُ أنَّه يموتُ على الكُفرِ  [706] يُنظر: ((نظم الفرائد)) لزاده (ص: 47). .
قال الباقِلَّانيُّ: (الاعتبارُ في ذلك كُلِّه بالمآلِ لا بالحالِ، فمن رَضِي سُبحانَه عنه لم يَزَلْ راضيًا عنه، لا يسخَطُ عليه أبدًا، وإن كان في الحالِ عاصيًا. ومن سَخِط عليه فلا يزالُ ساخِطًا عليه ولا يرضى عنه أبدًا، وإن كان في الحالِ مُطيعًا. ومثالُ ذلك: أنَّه سُبحانَه وتعالى لم يَزَلْ راضيًا عن سَحَرةِ فِرعَونَ، وإن كانوا في حالِ طاعةِ فِرعَونَ على الكُفرِ والضَّلالِ، لكن لمَّا آمنوا في المآلِ بان بأنَّه تعالى لم يَزَلْ راضيًا عنهم، وكذلك الصِّدِّيقُ والفاروقُ رَضِيَ الله عنهما لم يَزَلْ راضيًا عنهما في حالِ عبادةِ الأصنامِ؛ لعِلمِه بمآلِ أمْرِهما، وما يصيرانِ إليه من التَّوحيدِ ونَصرِ الرَّسولِ والجهادِ في سبيلِ اللهِ تعالى، وكذلك لم يَزَلْ ساخِطًا على إبليسَ، وبَلْعَم، وبَرصيصَ، في حالِ عبادتِهم؛ لعِلمِه بمآلِهم وما يصيرُ إليه حالُهم)  [707] ((الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به)) (ص: 43). .
والخلافُ في الحقيقةِ لَفظيٌّ؛ لأنَّه إن كان المرادُ من السَّعادةِ ما كُتِب في أمِّ الكتابِ فلا تغَيُّرَ فيه، وإن كان المرادُ منها ما ينوطُ بعَمَلِ ابنِ آدَمَ فالشَّقيُّ قد يسعَدُ، والسَّعيدُ قد يشقى، والكافِرُ قد يُسلِمُ، والمُسلِمُ قد يرتدُّ  [708] يُنظر: ((الروضة البهية)) لأبي عذبة (ص: 8-11). ويُنظر: ((نظم الفرائد)) لزاده (ص: 47-48). .
ولكِنْ ذَكَر شيخي زاده أنَّ الأشاعرةَ قالوا: إنَّ أبا بكرٍ وعُمَرَ وسَحَرةَ فِرعَونَ كانوا مؤمنينَ قبل إسلامِهم  [709] يُنظر: ((نظم الفرائد)) (ص: 47). .
فإن صحَّ هذا النَّقلُ عن الأشْعَريَّةِ فالخلافُ حقيقيٌّ.

انظر أيضا: