موسوعة الفرق

المَبحَثُ الرَّابِعُ: عَدَمُ الاحْتِجاجِ بأحاديثِ الآحادِ في العَقائِدِ


يُقرِّرُ الأشاعِرةُ أنَّه لا يَجوزُ الاسْتِدْلالُ بخَبَرِ الآحادِ في بابِ العَقائِدِ؛ لأنَّ أخْبارَ الآحادِ ظَنِّيَّةُ الدَّلالةِ، ولا تُفيدُ اليَقينَ، وإنَّما يَجوزُ الاسْتِدْلالُ بها في الأحْكامِ الفِقْهيَّةِ [735] يُنظر: ((تمهيد الأوائل وتلخيص الدَّلائِل)) للباقلاني (ص: 445)، ((مشكل الحديث وبيانه)) لابن فورك (ص: 44، 367)، ((الشامل في أُصول الدين)) للجويني (ص: 557)، ((المحصول)) للرازي (4/ 353 - 391)، ((شرح المواقف للجرجاني مع حاشيتي السيالكوتي والفناري)) (2/ 52) و (8/ 24)، ((شرح المقاصد في علم الكلام)) للتفتازاني (1/ 6). .
قالَ أبو المَعالي الجُوَينيُّ: (أمَّا الأحاديثُ الَّتي يَتَمَسَّكونَ بها فآحادٌ لا تُفْضي إلى العِلمِ، ولو أَضرَبْنا عن جَميعِها لَكانَ سائِغًا، لكنَّا نُومِئُ إلى تَأويلِ ما دُوِّنِ مِنها في الصِّحاحِ) [736] ((الإرشاد إلى قواطع الأَدِلَّة في أُصول الاعْتِقاد)) (ص: 181). .
وقالَ الرَّازِيُّ: (أخْبارُ الآحادِ مَظْنونةٌ، فلم يَجُزِ التَّمسُّكُ بها في مَعْرِفةِ اللهِ تَعالى وصِفاتِه، وإنَّما قُلْنا: إنَّها مَظْنونةٌ؛ وذلك لأنَّا أَجمَعْنا على أنَّ الرُّواةَ ليسوا مَعْصومينَ) [737] ((أساس التقديس في علم الكلام)) (ص: 127). ويُنظر: ((المَطالِب العالية من العلم الإلهي)) للرازي (9/ 201 - 214). .
وقالَ التَّفْتازانيُّ: (خَبَرُ الواحِدِ على تَقْديرِ اشْتِمالِه على جَميعِ الشَّرائِطِ المَذْكورةِ في أُصولِ الفِقْهِ لا يُفيدُ إلَّا الظَّنَّ، ولا عِبْرةَ بالظَّنِّ في بابِ الاعْتِقاداتِ) [738] ((شرح العَقائِد النسفية)) (ص: 89). ويُنظر: ((فتح الإله الماجد بايضاح شرح العَقائِد على شرح العَقائِد النسفية)) لزكريا الأنصاري (ص: 540). .
والصَّوابُ أنَّ مَسائِلَ الاعْتِقادِ تُؤخَذُ مِن القُرْآنِ الكَريمِ، ومِن الحَديثِ الصَّحيحِ بقِسْمَيه؛ المُتَواتِرِ، والآحادِ، والَّذي عليه الصَّحابةُ ومَن تَبِعَهم بإحْسانٍ مِن العُلَماءِ المُحَقِّقينَ أن خَبَرَ الواحِدِ المُتَلقَّى بالقَبولِ يُفيدُ العِلمَ والعَمَلَ حتَّى في مَسائِلِ الاعْتِقادِ، وممَّا يَدُلُّ على ذلك أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمَّا بَعَثَ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ رَضيَ اللهُ عنه إلى أهْلِ اليَمَنِ قالَ له: ((إنَّكَ تَقدَمُ علَى قَوْمٍ مِن أهْلِ الكِتَابِ، فلْيكنْ أوَّلَ ما تَدْعوهم إلى أن يُوَحِّدوا اللهَ تَعالى... )) [739] رواه البخاري (7372) واللَّفْظ له، ومسلم (19) من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما. .
قالَ الشَّافِعيُّ: (إن قالَ قائِلٌ: اذْكُرِ الحُجَّةَ في تَثْبيتِ خَبَرِ الواحِدِ بنَصِّ خَبَرٍ، أو دَلالةٍ فيه، أو إجْماعٍ، قُلْتُ له: أَخبَرَنا سُفْيانُ عن عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عن عَبْدِ الرَّحْمنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعودٍ عن أبيه: أنَّ النَّبيَّ قالَ: ((نَضَّرَ اللهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقالتي فحَفِظَها ووَعاها وأدَّاها، فرُبَّ حامِلِ فِقْهٍ غَيْرُ فَقيهٍ، ورُبَّ حامِلِ فِقْهٍ إلى مَن هو أَفقَهُ مِنه )) [740] أخرجه مطوَّلًا: الترمذيُّ (2658)، والشَّافعيُّ في ((المسند)) (1806) واللَّفْظُ له، والحُمَيديُّ (88). صَحَّحه ابنُ حَجَرٍ في ((موافقة الخُبْر الخَبَر)) (1/364)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (2658)، وصحَّح إسنادَه شُعَيبٌ الأرناؤوطُ في تخريج ((شرح السُّنَّة)) (112). ...، فلمَّا نَدَبَ رَسولُ اللهِ إلى اسْتِماعِ مَقالتِه وحِفْظِها وأدائِها امْرَأً يُؤَدِّيها، والمَرْءُ واحِدٌ، دَلَّ على أنَّه لا يَأمُرُ أن يُؤَدَّى عنه إلَّا ما تَقومُ به الحُجَّةُ على مَن أدَّى إليه؛ لأنَّه إنَّما يُؤَدَّى عنه حَلالٌ، وحَرامٌ يُجْتَنَبُ، وحَدٌّ يُقامُ، ومالٌ يُؤخَذُ ويُعْطى، ونَصيحةٌ في دينٍ ودُنْيا...، لم أَحفَظْ عن فُقَهاءِ المُسلِمينَ أنَّهم اخْتَلَفوا في تَثْبيتِ خَبَرِ الواحِدِ) [741] ((الرسالة)) (ص: 401- 403، 458). .
وقالَ الخَطيبُ البَغْداديُّ: (على العَمَلِ بخَبَرِ الواحِدِ كانَ كافَّةُ التَّابِعينَ ومَن بَعْدَهم مِن الفُقَهاءِ الخالِفينَ، في سائِرِ أمْصارِ المُسلِمينَ إلى وَقْتِنا هذا، ولم يَبلُغْنا عن أحَدٍ مِنهم إنِكارٌ لِذلك، ولا اعْتِراضٌ عليه؛ فثَبَتَ أنَّ مِن دينِ جَميعِهم وُجوبَه؛ إذ لو كانَ فيهم مَن كانَ لا يَرى العَمَلَ به لَنُقِلَ إلينا الخَبَرُ عنه بمَذهَبِه فيه) [742] ((الكفاية في علم الرواية)) (ص: 31). .
وقالَ السَّمْعانيُّ: (إنَّ الخَبَرَ إذا صَحَّ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ورَواه الثِّقاتُ والأئِمَّةُ وأَسنَدَه خَلَفُهم عن سَلَفِهم إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وتَلَقَّتْه الأمَّةُ بالقَبولِ، فإنَّه يوجِبُ العِلمَ فيما سَبيلُه العِلمُ. هذا قَوْلُ عامَّةِ أهْلِ الحَديثِ والمُتْقِنينَ مِن القائِمينَ على السُّنَّةِ، وإنَّما هذا القَوْلُ الَّذي يُذكَرُ أنَّ خَبَرَ الواحِدِ لا يُفيدُ العِلمَ بحالٍ، ولا بُدَّ مِن نَقْلِه بطَريقِ التَّواتُرِ لوُقوعِ العِلمِ به- شيءٌ اخْتَرَعَتُه القَدَريَّةُ والمُعْتَزِلةُ، وكانَ قَصْدُهم مِنه رَدَّ الأخْبارِ) [743] ((الانتصار لأصحاب الحديث)) (ص: 34). .
وقال ابنُ تيميَّةَ: (الصَّحيحُ أنَّ خَبَرَ الواحِدِ قد يفيدُ العِلمَ إذا احتَفَّت به قرائِنُ تفيدُ العِلمَ... ولهذا كان أكثَرُ مُتونِ الصَّحيحَينِ ممَّا يَعلَمُ عُلَماءُ الحديثِ عِلمًا قطعيًّا أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قاله؛ تارةً لتواتُرِه عندَهم، وتارةً لتلَقِّي الأمَّةِ له بالقَبولِ، وخبَرُ الواحِدِ المُتلقَّى بالقَبولِ يُوجِبُ العِلمَ عندَ جُمهورِ العُلَماءِ من أصحابِ أبي حنيفةَ ومالِكٍ والشَّافعيِّ وأحمدَ، وهو قَولُ أكثَرِ أصحابِ الأشعَريِّ، كالإسفَرايِينيِّ وابنِ فُورَك؛ فإنَّه وإن كان في نفسِه لا يُفيدُ إلَّا الظَّنَّ، لكنْ لمَّا اقترن به إجماعُ أهلِ العِلمِ بالحديثِ على تلقِّيه بالتَّصديقِ كان بمنزلةِ إجماعِ أهلِ العِلمِ بالفِقهِ على حُكمٍ مُستنِدينَ في ذلك إلى ظاهِرٍ أو قياسٍ أو خبَرِ واحدٍ؛ فإنَّ ذلك الحُكمَ يصيرُ قَطعيًّا عندَ الجُمهورِ، وإن كان بدونِ الإجماعِ ليس بقَطعيٍّ؛ لأنَّ الإجماعَ معصومٌ، فأهلُ العِلمِ بالأحكامِ الشَّرعيَّةِ لا يُجمِعونَ على تحليلِ حرامٍ، ولا تحريمِ حلالٍ، كذلك أهلُ العِلمِ بالحديثِ لا يُجمِعونَ على التَّصديقِ بكَذِبٍ، ولا التكذيبِ بصِدقٍ، وتارةً يكونُ عِلمُ أحَدِهم لقرائِنَ تحتَفُّ بالأخبارِ تُوجِبُ لهم العِلمَ، ومَن عَلِمَ ما عَلِموه حصل له من العِلمِ ما حصَلَ لهم) [744] ((مجموع الفتاوى)) (18/ 40). .
وقالَ ابنُ القيِّمِ: (انْعِقادُ الإجْماعِ المَعْلومِ المُتَيقَّنِ على قَبولِ هذه الأحاديثِ، وإثْباتِ صِفاتِ الرَّبِّ تَعالى بِها، فهذا لا يَشُكُّ فيه مَن له أَقَلُّ خبْرةٍ بالمَنْقولِ؛ فإنَّ الصَّحابةَ هم الَّذين رَوَوا هذه الأحاديثَ، وتَلَقَّاها بعضُهم عن بعضٍ بالقَبولِ، ولم يُنكِرْها أحَدٌ مِنهم على مَن رَواها، ثُمَّ تَلَقَّاها عنهم جَميعُ التَّابِعينَ مِن أوَّلِهم إلى آخِرِهم، ومَن سَمِعَها مِنهم تَلَقَّاها بالقَبولِ والتَّصْديقِ لهم، ومَن لم يَسمَعْها مِنهم تَلَقَّاها عن التَّابِعينَ كذلك، وكذلك تابِعُ التَّابِعينَ معَ التَّابِعينَ. هذا أمْرٌ يَعلَمُه ضَرورةً أهْلُ الحَديثِ كما يَعلَمونَ عَدالةَ الصَّحابةِ وصِدْقَهم وأمانتَهم، ونَقْلَهم ذلك عن نَبيِّهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كنَقْلِهم الوُضوءَ، والغُسْلَ مِن الجَنابةِ، وأعْدادَ الصَّلَواتِ وأوقاتَها، ونَقْلِ الأذانِ، والتَّشهُّدِ، والجُمُعةِ، والعيدَينِ، فإنَّ الَّذين نَقَلوا هذا هُمُ الَّذين نَقَلوا أحاديثَ الصِّفاتِ، فإن جازَ عليهم الخَطَأُ والكَذِبُ في نَقْلِها جازَ عليهم ذلك في نَقْلِ غَيْرِها ممَّا ذَكَرْنا، وحينَئذٍ فلا وُثوقَ لنا بشيءٍ نُقِلَ لنا عن نَبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم البَتَّةَ، وهذا انْسلاخٌ مِن الدِّينِ والعِلمِ والعَقْلِ، على أنَّ كَثيرًا مِن القادِحينَ في دينِ الإسْلامِ قد طَرَدوا وقالوا: لا وُثوقَ لنا بشيءٍ مِن ذلك البَتَّةَ!) [745] ((مختصر الصواعق المرسلة)) لابن الموصلي (ص: 605). .
وقالَ ابنُ أبي العِزِّ: (خَبَرُ الواحِدِ إذا تَلَقَّتْه الأمَّةُ بالقَبولِ عَمَلًا به وتَصْديقًا له يُفيدُ العِلمَ اليَقينيَّ عنْدَ جَماهيرِ الأمَّةِ، وهو أحَدُ قِسْمَي المُتواتِرِ. ولم يكنْ بَيْنَ سَلَفِ الأمَّةِ في ذلك نِزاعٌ...، وكانَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُرسِلُ رُسُلَه آحادًا، ويُرسِلُ كُتُبَه معَ الآحادِ، ولم يكنِ المُرسَلُ إليهم يَقولونَ: لا نَقبَلُه؛ لأنَّه خَبَرٌ واحِدٌ...! وخَبَرُ الواحِدِ وإن كانَ يَحْتمِلُ الصِّدْقَ والكَذِبَ، ولكنَّ التَّفْريقَ بَيْنَ صَحيحِ الأخْبارِ وسَقيمِها لا يَنالُه أحَدٌ إلَّا بَعْدَ أن يكونَ مُعظَمَ أوْقاتِه مُشْتغِلًا بالحَديثِ والبَحْثِ عن سيرةِ الرُّواةِ؛ ليَقِفَ على أحْوالِهم وأقْوالِهم، وشِدَّةِ حَذَرِهم من الطُّغْيانِ والزَّلَلِ، وكانوا بحيثُ لو قُتِلوا لم يُسامِحوا أحَدًا في كَلِمةٍ يَتَقوَّلُها على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا فَعَلوا هُمْ بأنْفُسِهم ذلك. وقد نَقَلوا هذا الدِّينَ إلينا كما نُقِلَ إليهم، فهُمْ يَزَكُ الإسْلامِ، وعِصابةُ الإيمانِ، وهُمْ نُقَّادُ الأخْبارِ، وصَيارِفةُ الأحاديثِ. فإذا وَقَفَ المَرْءُ على هذا مِن شَأنِهم، وعَرَفَ حالَهم، وخَبَرَ صِدْقَهم ووَرَعَهم وأمانتَهم ظَهَرَ له العِلمُ فيما نَقَلوه ورَوَوه. ومَن له عَقْلٌ ومَعْرِفةٌ يَعلَمُ أنَّ أهْلَ الحَديثِ لهم مِن العِلمِ بأحْوالِ نَبيِّهم وسيرتِه وأخْبارِه ما ليس لِغَيْرِهم به شُعورٌ، فَضْلًا أن يكونَ مَعْلومًا لهم أو مَظْنونًا. كما أنَّ النُّحاةَ عنْدَهم مِن أخْبارِ سيبَوَيْهِ والخَليلِ وأقوالِهما ما ليس عنْدَ غَيْرِهم، وعنْدَ الأطِبَّاءِ مِن كَلامِ بُقْراطَ وجالينوسَ ما ليس عنْدَ غَيْرِهم، وكلُّ ذي صَنْعةٍ هو أَخبَرُ بِها مِن غَيْرِه) [746] ((شرح الطحاوية)) (2/ 501- 503). .
وقالَ ابنُ عُثَيْمينَ: (جَوابُنا على مَن يَرى أنَّ أحاديثَ الآحادِ لا تَثبُتُ بها العَقيدةُ؛ لأنَّها تُفيدُ الظَّنَّ، والظَّنُّ لا تُبْنى عليه العَقيدةُ أن نقولَ:
هذا رأيٌ غَيْرُ صَوابٍ؛ لأنَّه مَبْنيٌّ على غَيْرِ صَوابٍ، وذلك مِن عِدَّةِ وُجوهٍ:
1- القَوْلُ بأنَّ حَديثَ الآحادِ لا يُفيدُ إلَّا الظَّنَّ ليس على إطْلاقِه، بل في أخْبارِ الآحادِ ما يُفيدُ اليَقينَ إذا دَلَّتِ القَرائِنُ على صِدْقِه، كما إذا تَلَقَّتْه الأمَّةُ بالقَبولِ، مِثلُ حَديثِ عَمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه: ((إنَّما الأعْمالُ بالنِّيَّاتِ)) [747] أخرجه مطوَّلًا: البخاريُّ (1) واللَّفْظُ له، ومسلمٌ (1907) باختلافٍ يسيرٍ. فإنَّه خَبَرُ آحادٍ، ومعَ ذلك فإنَّنا نَعلَمُ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالَه، وهذا ما حَقَّقَه شَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْميَّةَ، والحافِظُ ابنُ حَجَرٍ، وغَيْرُهما.
2- أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانَ يُرسِلُ الآحادَ بأُصولِ العَقيدةِ: شَهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ، وإرْسالُه حُجَّةٌ مُلزِمةٌ، كما بَعَثَ مُعاذًا إلى اليَمَنِ [748] لَفْظُ الحديثِ: عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعث معاذًا رَضِيَ اللهُ عنه إلى اليَمَنِ، فقال: ادْعُهم إلى شهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنِّي رَسولُ اللهِ...). أخرجه البخاريُّ (1395) واللَّفْظُ له، ومسلمٌ (19). ، واعتَبَرَ بَعْثَه حُجَّةً مُلزِمةً لأهْلِ اليَمَنِ بقَبولِه.
3- إذا قُلْنا بأنَّ العَقيدةَ لا تَثبُتُ بأخْبارِ الآحادِ أَمكَنَ أن يُقالَ: والأحْكامُ العَمَليَّةُ لا تَثبُتُ بأخْبارِ الآحادِ؛ لأنَّ الأحْكامَ العَمَليَّةَ يَصحَبُها عَقيدةُ أنَّ اللهَ تَعالى أمَرَ بِهذا أو نَهى عن هذا، وإذا قُبِلَ هذا القَوْلُ تَعطَّلَ كَثيرٌ مِن أحْكامِ الشَّريعةِ...
4- أنَّ اللهَ تَعالى أمَرَ بالرُّجوعِ إلى قَوْلِ أهْلِ العِلمِ لِمَن كانَ جاهِلًا فيما هو مِن أَعظَمِ مَسائِلِ العَقيدةِ، وهي الرِّسالةُ. فقالَ تَعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ [النحل: 43-44] . وهذا يَشمَلُ سُؤالَ الواحِدِ والمُتَعدِّدِ. والحاصِلُ أنَّ خَبَرَ الآحادِ إذا دَلَّتِ القَرائِنُ على صِدْقِه أفادَ العِلمَ، وثَبتَتْ به الأحْكامُ العَمَليَّةُ والعِلميَّةُ) [749] ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمينَ)) (1/ 31). .

انظر أيضا: