موسوعة الفرق

المَطلبُ الثَّاني: اعتِقادُ أنَّ الوليَّ يَقولُ للشَّيءِ كُنْ فيَكونُ


منَ العَقائِدِ التي تَضَمَّنَتها (الغَوثيَّةُ) والتي زَعَموا أنَّ اللهَ تعالى أوحاها إلى عَبدِ القادِرِ الجيلانيِّ ما جاءَ في قَولِه: (ثمَّ قال لي: يَعني اللَّهَ سُبحانَه وتعالى: يا غَوثُ الأعظَمُ: الفقيرُ أي الصُّوفيُّ له أمرٌ في كُلِّ شَيءٍ إذا قال لشَيءٍ كُنْ فيَكونُ) [986] يُنظر: ((الفيوضات الربانية)) للقادري (ص: 7). .
وهذا سَلبٌ لصِفةٍ خاصَّةٍ باللهِ وحدَه؛ حَيثُ قال تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 82] . ولا يَخفى أنَّ مُشاركةَ أحَدٍ له سُبحانَه في هذه الخُصوصيَّةِ لا تُبقي للآيةِ فائِدةً.
ومِن أورادِهم: (... واكشِفْ لي عن سِرِّ أسرارِ أفلاكِ التَّدويرِ في حَواشي التَّصويرِ؛ لأدَبِّرَ كُلَّ فَلَكٍ بما أقَمْتَه منَ الأسرارِ، واجعَلْ لي الحَظَّ الخَطيرَ المَمدودَ القائِمَ بالعَدلِ بَينَ الحَرفِ والاسمِ، فأحيطُ ولا أُحاطُ، بإحاطةِ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر: 16] ) [987] يُنظر: ((الفيوضات الربانية)) للقادري (ص: 183، 184). .
وهذا الزَّعمُ وثيقُ الصِّلةِ بعَقيدةِ الحُلولِ والاتِّحادِ.
وقد قال القادِريُّ في ذِكرِ ما أُوحيَ إلى عَبدِ القادِرِ الجيلانيِّ منَ اللهِ تعالى: (قال لي: يا غَوثُ الأعظَمُ، جَعلتُ الإنسانَ مَطيَّتي، الإنسانُ سِرِّي وأنا سِرُّه، لو عَرَف الإنسانُ مَنزِلتَه عِندي لقال في كُلِّ نَفَسٍ منَ الأنفاسِ: لمَنِ المُلكُ اليَومَ. ما أكَل الإنسانُ وما شَرِبَ وما قامَ وما قَعَدَ وما نَطَقَ وما صَمَت وما فَعَل فِعلًا وما توجَّه لشَيءٍ وما غابَ عن شَيءٍ إلَّا وأنا فيه؛ ساكِنِه ومُتَحَرِّكِه... جِسمُ الإنسانِ وقَلبُه وروحُه... وكُلُّ ذلك ظَهَرتُ له نَفسٌ بنَفسٍ، لا هو إلَّا أنا، ولا أنا غَيرُه) [988] يُنظر: ((الفيوضات الربانية)) للقادري (ص: 9). ويُنظر: ((سر الأسرار ومظهر الأنوار فيما يحتاج اليه الأبرار)) للجيلاني (ص: 542، 543). .
وأيضًا: (قال لي يا غوثُ الأعظَمَ، الاتِّحادُ حالٌ لا يُعَبَّرُ بلسانِ المَقالِ، فمَن آمَنَ به قَبلَ وُجودِ الحالِ فقد كَفرَ، ومَن أرادَ العِبادةَ بَعدَ الوُصولِ فقد أشرَكَ باللهِ العَظيمِ).
تعالى اللهُ عَمَّا يَقولُ الظَّالِمونَ عُلوَّا كَبيرًا، فهذا النَّصُّ واضِحٌ وصَريحٌ في دَعوى سُقوطِ العِباداتِ لمَن ظَنَّ أنَّه وصَل إلى اللهِ تعالى بزَعمِه. واللهُ تعالى يَقولُ: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ * يَابَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ [الأعراف: 33-37] .
وهذا ليس وحيًا إلهيًّا، بل هو وحيٌ شَيطانيٌّ، كما قال اللهُ سُبحانَه: حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة: 168-169] .

انظر أيضا: