موسوعة الفرق

تمهيدٌ: اختلافُ الخوارجِ في التقيَّةِ


إنَّ الصَّراحةَ في القولِ والجَهرَ بما تنطوي عليه النَّفسُ دونَ مُراعاةِ أحدٍ أو الخوفِ منه سواءٌ كان حاكِمًا أو محكومًا: يتمَثَّلُ في أوضَحِ صُوَرِه لدى الخَوارِجِ؛ فهم يَرَون أنَّ عَدَمَ الجَهرِ بالقَولِ الذي يعتَقِدُه الشَّخصُ حَقًّا ليس من صفاتِ الرَّجُلِ الواثِقِ من عقيدتِه، بل هو من صفاتِ المُنافِقين المُرتابين، وقد كانت سيرتُهم في الخُروجِ والكِفاحِ مَثَلًا واضِحًا لذلك، كما في تاريخِ حَرَكاتِ الخَوارِجِ الثَّوريَّةِ، وما ذُكِر من أمثلةٍ على شجاعتِهم وصراحتِهم في إعلانِ الخُروجِ.
وقد كان نافِعُ بنُ الأزرَقِ أقوى مُعَبِّرٍ عن ذلك بما ذهب إليه من تحريمِ التَّقيَّةِ، وما أقام على ذلك من أدِلَّةٍ، وإن كان هناك من أجازها مُطلَقًا من بعضِ فِرَقِ الخَوارِجِ الأخرى مُخالَفةً له في ذلك، ومَن توسَّط في أمرِها كما سيتبيَّنُ إن شاء اللهُ تعالى.
وقد كان الاختلافُ في شأنِ التَّقيَّةِ من الأسبابِ التي فرَّقت بَينَ نافِعِ بنِ الأزرَقِ زعيمِ الأزارِقةِ وبَينَ نَجْدةَ بنِ عامِرٍ زعيمِ النَّجَداتِ، وهما من أوائِلِ الخَوارِجِ وأشَدِّهم بأسًا.
قال الشَّهْرَسْتانيُّ مبيِّنًا سَبَبَ ذلك الاختلافِ بَينَهما: (كان سَبَبُ اختلافِهما أنَّ نافعصا قال: التَّقيَّةُ لا تحِلُّ والقعودُ عن القتالِ كُفرٌ) إلى أن قال: (وخالَفَه نَجْدةُ، وقال: التَّقيَّةُ جائزةٌ) [688] ((المِلَل والنِّحَل)) (1/125). .
وعلى أساسِ آراءِ الخَوارِجِ المختَلِفةِ في التَّقيَّةِ مَنعًا أو تجويزًا، تختَلِفُ مواقِفُهم من القَعَدةِ منهم بَينَ مُخالِفيهم رَفضًا لقعودِهم أو إقرارًا لهم عليه؛ ولهذا سيكونُ البَدءُ ببيانِ رأيِ الخَوارِجِ في التَّقيَّةِ قَبلَ تحديدِ مواقِفِهم المُختَلِفةِ من القَعَدةِ.

انظر أيضا: