الموسوعة الفقهية

المَطْلَبُ الثَّاني: حُكْمُ بَيْعِ المُرابَحةِ


الفَرْعُ الأوَّلُ: بَيْعُ المُرابَحةِ برَأسِ مالٍ ورِبحٍ مَعلومٍ
يَجوزُ بَيْعُ المُرابَحةِ برَأسِ مالٍ ورِبحٍ مُجمَلٍ مَعلومٍ ويُقصَدُ بِالرِّبحِ المُجمَلِ كأن يَقولَ: اشتَرَيتُها بِعَشَرةٍ وتُربِحَني دينارًا مَثَلًا، ويُقابِلُه ذِكرُ الرِّبحِ على وجه التَّفصيلِ، وسَيَأتي في المَسألةِ التَّاليةِ، وهوَ أن يَقولَ: تُربِحُني دِرهمًا لِكُلِّ دينارٍ، قال ابنُ جُزَيٍّ: (فأمَّا المُرابَحةُ فهوَ أن يُعَرِّفَ صاحِبُ السِّلعةِ المُشتَريَ بِكَمِ اشتَراها، ويَأخُذَ مِنه رِبحًا إمَّا على الجُملةِ، مِثلُ أن يَقولَ: اشتَرَيتُها بِعَشَرةٍ وتُربِحُني دينارًا أو دينارَينِ، وإمَّا على التَّفصيلِ، وهوَ أن يَقولَ: تُربِحُني دِرهمًا لِكُلِّ دينارٍ، أو غَير ذلك) ((القوانين الفقهية)) (ص: 174). ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّةِ ((الهداية)) للمَرْغِيناني (3/56)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/73). ، والمالِكيَّةِ نَصَّ المالِكيَّةُ على أنَّه يجوزُ والأحَبُّ خِلافُه. ((التاج والإكليل)) للموَّاق (4/488)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (6/432). ، والشَّافِعيَّةِ ((فتح العزيز)) للرَّافعي (9/5)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/528). ، والحَنابِلةِ ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/441)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/229). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال الطَّبريُّ: (أجمَعوا أنَّ بَيْعَ المُرابَحةِ جائِزٌ) «اختلاف الفقهاء لابن جرير» (ص75). وقال ابنُ قُدامةَ: (مَن باعَ شَيئًا مُرابَحةً، فعُلِمَ أنَّه زادَ في رَأسِ مالِه، رُجِعَ عليه بِالزِّيادةِ وحَطَّها مِنَ الرِّبحِ، مَعنَى بيعِ المُرابَحةِ، هوَ البَيعُ بِرَأسِ المالِ ورِبحٍ مَعلومٍ، ويُشتَرَطُ عِلمُهما بِرَأسِ المالِ، فيَقولُ: رَأسُ مالي فيه أو هوَ عَليَّ بِمِائةٍ، بعتُكَ بِها، وربح عَشَرة، فهَذا جائِزٌ لا خِلافَ في صِحَّتِه، ولا نَعلَمُ فيه عِندَ أحَدٍ كراهةً) ((المغني)) (4/136).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قَولُه تعالى: قَولُه تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [البقرة: 275]
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ تعالى أحَلَّ البَيْعَ، فيَدخُلُ بَيْعُ المُرابَحةِ في عُمومِ الإباحةِ ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (4/427).
ثانيًا: لأنَّ الحاجةَ ماسَّةٌ إلى هَذا النَّوعِ مِنَ البَيعِ؛ لأنَّ الغَبيَّ الَّذي لا يَهتَدي في التِّجارةِ يَحتاجُ إلى أن يَعتَمِدَ فِعلَ الذَّكيِّ المُهتَدِي، وتَطِيبُ نَفسُه بمِثلِ ما اشتَرى وبِزيادةِ رِبحٍ، فوجَبَ القَولُ بجَوازِه؛ ولِهَذا كانَ مَبناه على الأمانةِ والِاحتِرازِ عنِ الخيانةِ وعن شُبْهَتِها ((الهداية)) للمرغيناني (3/56).
ثالثًا: لأنَّ الثَّمَنَ والرِّبحَ مَعلومانِ ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/441).
الفَرْعُ الثَّاني: بَيْعُ المُرابَحةِ بَرأسِ المالِ على أن يَربَحَ في كُلِّ عَشَرةٍ دِرهَمًا
يَجوزُ بَيْعُ المُرابَحةِ برأسِ المالِ على أن يَربَحَ في كُلِّ عَشَرةٍ دِرهمًا (مَثَلًا) والفَرقُ بينَ هذه المَسألةِ والَّتي قَبلَها: أنَّ هذه المَسألةَ يُذكَرُ فيها الرِّبحُ على وَجْهِ التَّفصيلِ ويَكونُ مُعَيَّنًا كأن يَقولَ: تُربِحُني دِرهمًا لِكُلِّ دينارٍ، قال ابنُ جُزَيٍّ: (فأمَّا المُرابَحةُ فهوَ أن يُعَرِّفَ صاحِبُ السِّلعةِ المُشتَريَ بِكَمِ اشتَراها، ويَأخُذَ مِنه رِبحًا إمَّا على الجُملةِ، مِثلُ أن يَقولَ: اشتَرَيتُها بِعَشَرةٍ وتُربِحُني دينارًا أو دينارَينِ، وإمَّا على التَّفصيلِ، وهوَ أن يَقولَ: تُربِحُني دِرهمًا لِكُلِّ دينارٍ، أو غَير ذلك) ((القوانين الفقهية)) (ص: 174). باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّةِ اشترط الحَنَفيَّةُ أن يكون الثَّمَنُ مِثْلِيًّا، حتى يكونَ الرِّبحُ مِن جِنسِ رأسِ المالِ. ((الهداية)) للمَرْغِيناني (3/56)، ((البناية)) للعيني (8/231). ، والمالِكيَّةِ ((التاج والإكليل)) للموَّاق (4/490)، ((منح الجليل)) لعليش (5/267). ، والشَّافِعيَّةِ ((فتح العزيز)) للرَّافعي (9/5)، ((روضة الطالبين)) للنَّوَوي (3/528). ، والحَنابِلةِ عند الحنابلة يَصِحُّ لكنَّه يُكْرَهُ. ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/441)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/230). ، وهو قَوْلُ بَعْضِ السَّلَفِ قال ابنُ قُدامةَ: (رَخَّصَ فيه سَعيدُ بْنُ المُسَيِّبِ، وابنُ سِيرينَ، وشُرَيحٌ، والنَّخعيُّ، والثَّوريُّ، والشَّافِعيُّ، وأصحابُ الرَّأيِ، وابنُ المُنذِرِ) ((المغني)) (4/136). ، وذلك لأنَّ رأسَ المالِ مَعلومٌ والرِّبحَ مَعلومٌ، فأشبَهَ ما لو قال: ورِبحُ عَشَرةِ دراهِمَ ((المغني)) لابن قدامة (4/136).
الفَرْعُ الثَّالثُ: بَيْعُ المُرابَحةِ بالسِّعرِ المُتغَيِّرِ المُرابَحةُ بِالسِّعرِ المُتَغَيِّرِ: هيَ بيعٌ بِثَمَنٍ آجِلٍ على أقساطٍ، يُحَدَّدُ فيها عِندَ العَقْدِ الرِّبحُ الخاصُّ بِالقِسطِ الأوَّلِ فقَط، ويُربَطُ رِبحُ ما بعدَه مِنَ الأقساطِ بِمُؤَشِّرٍ مُتَّفَقٍ عليه، بِحَيثُ يُحَدَّدُ رِبحُ القِسطِ الثَّاني عِندَ استِحقاقِ القِسطِ الأوَّلِ، ويُحَدَّدُ رِبحُ القِسطِ الثَّالِثِ عِندَ استِحقاقِ القِسطِ الثَّاني، وهَكَذا إلَى نِهايةِ الأقساطِ. يُنظَرُ: ((قَرارُ المَجْمَعِ الفِقْهيِّ الإسلاميِّ بِرابِطةِ العالَمِ الإسلاميِّ في دَورَتِه: الثَّانيةِ والعِشرينَ، المُنعَقِدةِ بِمَكَّةَ المُكَرَّمةِ، في المُدَّةِ مِن 21-25 رَجَب 1436هـ الَّتي يوافِقُها 10-14 مايو 2015م في مَوضوعِ: البَيع أوِ التَّأجير بِالسِّعرِ المُتَغَيِّرِ)).
لا يَجوزُ بَيعُ المُرابَحةِ بالسِّعرِ المُتَغَيِّرِ، نَصَّ عليه قَرارُ المَجمَعِ الفِقْهيِّ الإسلاميِّ التَّابِعِ لرابِطةِ العالَمِ الإسلاميِّ قَرارُ المَجْمَعِ الفِقْهيِّ الإسلاميِّ بِرابِطةِ العالَمِ الإسلاميِّ في دَورَتِه: الثَّانيةِ والعِشرينَ، المُنعَقِدةِ بِمَكَّةَ المُكَرَّمةِ، في المُدَّةِ مِن 21-25 رَجَب 1436هـ الَّتي يوافِقُها 10-14 مايو 2015م في مَوضوعِ: البَيع أوِ التَّأجير بِالسِّعرِ المُتَغَيِّرِ. ، وهَيئةِ المُحاسَبةِ والمُراجَعةِ للمُعامَلاتِ الماليَّةِ الإسلاميَّةِ جاءَ في المِعيارِ الشَّرعيِّ رَقم 8 مِن مَعاييرِ هَيئةِ المُحاسَبةِ والمُراجَعةِ لِلمُؤَسَّساتِ الماليَّةِ الإسلاميَّةِ بِالبَحرَينِ، المُتَعَلِّقِ بِالمُرابَحةِ ما يَلي: (يَجِبُ أن يَكونَ كُلٌّ مِن ثَمنِ السِّلعةِ في بيعِ المُرابَحةِ لِلآمِرِ بِالشِّراءِ ورِبحِها مُحَدَّدًا ومَعلومًا لِلطَّرَفَينِ عِندَ التَّوقيعِ على عَقْدِ البَيعِ، ولا يَجوزُ بِأيِّ حالٍ أن يُترَكَ تَحديدُ الثَّمَنِ أوِ الرِّبحِ لِمُتَغَيِّراتٍ مَجهولةٍ أو قابِلةٍ لِلتَّحديدِ في المُستَقبَلِ؛ وذلك مِثلُ أن يُعقَدَ البَيعُ ويُجعَلَ الرِّبحُ مُعتَمِدًا على مُستَوَى اللِّيبورِ الَّذي سَيَقَعُ في المُستَقبَلِ. ولا مانِعَ مِن ذِكرِ مُؤَشِّرٍ مِنَ المُؤَشِّراتِ المَعروفةِ في مَرحَلةِ الوَعدِ؛ لِلِاستِئناسِ بِه في تَحديدِ نِسبةِ الرِّبحِ، على أن يَتِمَّ تَحديدُ الرِّبحِ في عَقْدِ المُرابَحةِ لِلآمِرِ بِالشِّراءِ على أساسِ نِسبةٍ مَعلومةٍ مِنَ التَّكلفةِ، ولا يَبقَى الرِّبحُ مُرتَبِطًا بِاللِّيبور أو بِالزَّمَنِ) ((المعايير الشرعية)) (ص: 213). واللِّيبورُ: هوَ سِعرُ فائِدةِ الإقراضِ بينَ البُنوكِ في سوقِ لَندَن. ، وهَيئةِ الرَّقابةِ الشَّرعيَّةِ لبَنكِ البِلادِ السُّعوديِّ جاءَ في الضَّوابِطِ الشَّرعيَّةِ لِهَيئةِ الرَّقابةِ الشَّرعيَّةِ لِبَنكِ البِلادِ السُّعوديِّ -مَصرِفٌ إسلاميٌّ- ما يَلي: لِلبَنكِ أن يُفصِحَ عَن ثَمَن السِّلعةِ، ورِبحِها في بيعِ المُرابَحةِ لِلآمِرِ بِالشِّراءِ على أن يَكونَ الثَّمَنُ الإجماليُّ لِلسِّلعةِ مُحَدَّدًا ومَعلومًا لِلطَّرَفَينِ عِندَ التَّوقيعِ على عَقْدِ البَيعِ، ولا يَجوزُ بِأيِّ حالٍ أن يُربَطَ تَحديدُ الثَّمَنِ أوِ الرِّبحِ بِأمرٍ مُستَقبَليٍّ، مِثلُ مُؤَشِّرِ اللِّيبورِ (libor) أو السِّيبور (sibor).
وذلك للآتي قَرارُ المَجْمَعِ الفِقْهيِّ الإسلاميِّ بِرابِطةِ العالَمِ الإسلاميِّ في دَورَتِه: الثَّانيةِ والعِشرينَ، المُنعَقِدةِ بِمَكَّةَ المُكَرَّمةِ، في المُدَّةِ مِن 21-25 رَجَب 1436هـ الَّتي يوافِقُها 10-14 مايو 2015م، نظر في مَوضوعِ: البَيع أوِ التَّأجير بِالسِّعرِ المُتَغَيِّر. :
أوَّلًا: جَهالةُ الثَّمَنِ وقتَ العَقدِ، وهيَ جَهالةٌ كَبيرةٌ تُفضي إلى المُنازَعةِ، ويَحصُلُ معها الغَرَرُ والمُخاطَرةُ، وليست مِنَ الجَهالةِ اليَسيرةِ المُغتَفَرةِ.
ثانيًا: أنَّ تَأجيلَ الثَّمَنِ يَجعَلُه دَينًا في ذِمَّةِ المُشتَري، وتَغَيُّرُ المُؤَشِّرِ بالزِّيادةِ يعني زيادةَ الدَّينِ بَعدَ لُزومِه؛ مِمَّا يُوقِعُ في شُبهةِ الرِّبا.

انظر أيضا: