الموسوعة الفقهية

المَطْلَبُ الثَّاني: التَّصَرُّفُ في غَيرِ الطَّعامِ في المَبيعِ المُعَيَّنِ قَبلَ القَبضِ


لا يَجوزُ التَّصَرُّفُ في المَبيعِ المُعَيَّنِ قَبلَ القَبضِ مُطلَقًا، وهو مَذْهَبُ الشَّافِعيَّة ((فتح العزيز)) للرافعي (8/414)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (4/414). ، وقَولُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، وزُفَرَ مِنَ الحَنفيَّةِ ((تبيين الحقائق)) للزَّيلعي (4/79)، ((العناية)) للبابرتي (6/512). ، وروايةٌ عن أحمَدَ ((المغني)) لابن قدامة (4/86)، وينظر: ((حاشية ابن القيم على سنن أبي داود)) (9/277). ، واختاره ابنُ تَيمِيَّةَ قال ابنُ تيميَّةَ: (مَنِ اشتَرَى شَيئًا لَم يَبِعْه قَبلَ قَبضِه، سَواءٌ المَكيلُ والمَوزونُ وغَيرُهما. وهوَ رِوايةٌ عَن أحمَدَ اختارَها ابنُ عَقيلٍ، ومَذهَبُ الشَّافِعيِّ، ورُوِيَ عَنِ ابنِ العَبَّاسِ -رَضِيَ اللهُ عنهما- وسَواءٌ كانَ المَبيعُ مِن ضَمانِ المُشتَري أو لا، وعلى ذلك تَدُلُّ أصولُ أحمَدَ) ((الفتاوى الكبرى)) (5/391). ، وابنُ القَيِّمِ قال ابنُ القَيِّمِ: (لا يَجوزُ بَيعُ شَيءٍ مِنَ المَبيعاتِ قَبلَ قَبضِه بِحالٍ، وهَذا مَذهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ، ومُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ، وهوَ إحدَى الرِّواياتِ عَن أحمَدَ. وهَذا القَولُ هوَ الصَّحيحُ الَّذي نَختارُه) ((حاشية ابن القيم على سنن أبي داود)) (9/277). ، وابنُ عُثَيمين قال ابنُ عُثَيمين: (كُلُّ مَبيعٍ لا يجوزُ بَيْعُه إلَّا بَعْدَ القَبْضِ) ((الشرح الممتع)) (8/379). وقال: (الصَّحيحُ أنَّ كُلَّ شَيءٍ لا يُباعُ حتى يُقبَضَ) ((الشرح الممتع)) (8/372).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1 – عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهُما قال: أمَّا الَّذي نَهى عنهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((فهو الطَّعامُ أن يُباعَ حَتَّى يُقبَضَ ))، قال ابنُ عَبَّاسٍ: ولا أحسِبُ كُلَّ شَيءٍ إلَّا مِثلَه أخرجه البخاري (2135) واللَّفظُ له، ومسلم (1525).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ ثُبوتَ المَنعِ في الطَّعامِ بالنَّصِّ، وفي غَيرِه بالقياسِ، كَما يَدُلُّ على ذلك قَولُ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهُما ((حاشية ابن القيم على سنن أبي داود)) (9/278).
2- عن حَكيمِ بنِ حِزامٍ قال: ((قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إنِّي أشتَري بُيوعًا، فما يَحِلُّ لي مِنها وما يَحرُمُ عليَّ؟ قال: فإذا اشتَرَيتَ بَيعًا، فلا تَبِعْه حَتَّى تَقبِضَه )) [713] أخرجه أحمد (15316) واللَّفظُ له، وابن حبان (4983)، والبيهقي (10997). صَحَّحه ابنُ حبان، وابن حزم في ((المحلى)) (8/108)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (342)، وصَحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (15316)، وجوَّد إسنادَه ابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (19/115). والحَديثُ رُوِيَ بِلَفظِ: ابتَعْتُ طَعامًا مِن طَعامِ الصَّدَقةِ، فربِحْتُ فيه قَبلَ أن أقبِضَه، فأتَيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فذَكَرتُ ذلك لَه، فقال: ((لا تَبِعْه حَتَّى تَقبِضَه)). أخرجه النسائي (4603) واللَّفظُ له، وابن حبان (4985)، والطبراني (3/197) (3110). صَحَّحه ابنُ حبان، وابن حزم في ((المحلى)) (8/108)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (4603)، وصَحَّح إسنادَه على شَرطِ مُسلمٍ: شُعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (4985).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ قَولَهُ: "بَيعًا"، وفي رِوايةٍ "شَيئًا" نَكِرةٌ في سياقِ الشَّرطِ، فتُفيدُ العُمومَ ((بداية المجتهد)) لابن رشد (3/164)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (8/372).
3 - عن عَمْرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عن سَلَفٍ وبَيعٍ، وشَرطَينِ في بَيعٍ، ورِبحِ ما لم يُضْمَنْ)) أخرجه أبو داود (3504)، والترمذي (1234)، والنسائي (4631) واللَّفظُ له، وابن ماجه (2188)، وأحمد (6918). قال الترمذي: حَسَنٌ صَحيحٌ. وصَحَّحه ابنُ حزم في ((المحلى)) (8/520)، وابن القطان في ((الوهم والإيهام)) (5/487)، وابن تيميَّةَ في ((مجموع الفتاوى)) (30/84)، وقال الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (4631): حَسَنٌ صَحيحٌ.
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ بَيعَ المَبيعِ قَبلَ قَبضِه مِن رِبحِ ما لم يُضمَنْ؛ لأنَّهُ لا يَدخُلُ في ضَمانِه إلَّا بقَبضِه ينظر: ((المبسوط)) للسرخسي (9/16).
ثانيًا: أنَّ المِلكَ قَبلَ القَبضِ ضَعيفٌ لا يُفيدُ التَّصَرُّفَ؛ وذلك لكَونِ المَبيعِ مِن ضَمانِ البائِعِ، ويَنفَسِخُ البَيعُ لو تَلِفَ ((العزيز شرح الوجيز)) للرَّافعي (8/415).
ثالِثًا: لأنَّهُ لا يُقدَرُ على تَسليمِه قَبلَ قَبضِه، فلا يَجوزُ بَيعُه؛ ولِهَذا لا تَجوزُ إجارَتُه قَبلَ القَبضِ ((تبيين الحقائق)) للزَّيلعي (4/79، 80).

انظر أيضا: