الموسوعة الفقهية

المبحث السَّادس: الموالاة في الوضوء


المطلب الأوَّل: تعريفُ الموالاة
الموالاة: هي غَسلُ الأعضاءِ على سبيلِ التعاقُبِ، بحيث لا يجفُّ العُضوُ الأوَّل قبل الشُّروعِ في الثَّاني ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (43/355)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/192).
المطلب الثَّاني: حُكمُ الموالاةِ في الوضوءِ:
الموالاةُ فرض من فُروضِ الوُضوءِ، وهو مذهَبُ المالكيَّةِ في المشهورِ ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/264)، ((التاج والإكليل)) للمواق (1/223). وقالوا: إنَّها تسقُط مع العُذرِ. ، والحنابلة ((الفروع)) لابن مفلح (1/187)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/102). ، واختاره الشوكانيُّ قال الشوكانيُّ: (لم يثبُتْ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في وضوئِه ولا عمَّن حكى وضوءَه من الصَّحابةِ أنَّهم فرَّقوا بين أعضاءِ الوُضوءِ، وتَرْك الموالاة بينها، بل كانوا يَغسلونَ الأوَّلَ فالأوَّل، غيرَ مشتغلينَ بعملٍ آخَر فيما بين أعضاءِ الوُضوءِ، ولا واقفينَ بين غَسلِ الأعضاءِ، فالتَّفريقُ بدعةٌ مُخالِفةٌ لِما كان عليه أمرُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فهي ردٌّ على فاعِليها). ((السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار)) (ص: 59). ، وابنُ باز قال ابن باز: (فروضُ الوُضوءِ، وهي ستَّةٌ: غَسلُ الوجه- ومنه المضمضة والاستنشاق، وغَسْلُ اليدين مع المِرفقين، ومَسْحُ جميعِ الرَّأسِ- ومنه الأذنانِ، وغَسلُ الرِّجلينِ مع الكعبينِ، والترتيبُ، والموالاةُ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (3/294). ، وابنُ عثيمين قال ابنُ عُثيمين: (الصَّحيحُ: أنَّ التَّرتيبَ والمولاةَ فرضانِ مِن فروضِ الوُضوءِ). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/142).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
1- قولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة: 6]
وجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الأمرَ في الآيةِ على الفَورِ ((الذخيرة)) للقرافي (1/271)، ((مواهب الجليل)) (1/323).
أنَّ عَطفَ الأعضاءِ بَعضِها على بعضٍ بالواوِ يَقتضِي جعْلَها في حُكمِ جُملةٍ واحدةٍ، فكأنَّه قال: إذا قُمتُم إلى الصَّلاةِ فاغسِلوا هذه الأعضاءَ ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/323).
أنَّ قوله: إِذَا قُمْتُمْ شرْطٌ لُغويٌّ، والشُّروطُ اللُّغويةُ أسبابٌ، والأصلُ تَرتيبُ جملة المُسبَّبِ على السَّببِ مِن غَيرِ تأخيرٍ ((الذخيرة)) للقرافي (1/271).
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن عُمرَ بن الخطَّاب رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رجلًا توضَّأ فتَرَك موضِعَ ظُفرٍ على قدَمِه، فأبصَرَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ارجعْ فأَحْسِن وضوءَك، فرجَعَ، ثمَّ صلَّى )) رواه مسلم (243).
وجه الدَّلالة:
أنَّ قولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((فأحسِنْ وضوءَك))، دليلٌ على وجوبِ الموالاةِ، وإلَّا لقال له اغسِلْ فقط ذلك الموضِعَ الذي تركتَه ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/141- 142).
2- عن بعضِ أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رأى رجلًا يُصلِّي وفي ظَهرِ قَدَمِه لُمعةٌ قدْرَ الدِّرهَم، لم يُصِبْها الماءُ، فأمَرَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يُعيدَ الوضوءَ والصَّلاةَ )) رواه أبو داود (173)، وأحمد (3/424) (15534)، والبيهقي (1/83) (396). جوَّد إسنادَه الإمام أحمد كما في ((المحرر)) (53)، وابن دقيق العيد في ((الإلمام)) (1/74)، ومحمَّد بن ابن عبد الهادي في ((شرح العلل)) (108)، ووثق رجاله ابن حجر في ((الدراية)) (1/29). وصحَّحه أحمد شاكر في تحقيق ((المحلى)) (2/70)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (173).
وجهُ الدَّلالة:
أنَّ أمْرَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للرَّجُلِ بإعادةِ الوضوءِ، دليلٌ على وجوبِ الموالاةِ، وإلَّا لقال له اغسلْ ذلك الموضِعَ الذي تركتَه ((إكمال المعلم)) للقاضي عياض (2/40)، ((الكافي)) لابن قدامة (1/68).
المطلب الثَّالث: التَّفريقُ اليَسيرُ:
إذا كان التَّفريقُ بين أعضاءِ الوُضوءِ يسيرًا، فإنَّه لا يضرُّ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على ذلك، أبو حامد، والمحاملي، والنوويُّ قال النوويُّ: (التفريقُ اليسيرُ لا يضرُّ، بالإجماعِ). ((المجموع)) (1/454)، وقال أيضًا: (التَّفريقُ اليَسيرُ بين أعضاء الوضوءِ لا يضرُّ، بإجماعِ المسلمينَ؛ نقل الإجماعَ فيه: الشَّيخ أبو حامد، والمحامليُّ، وغيرهما). ((المجموع)) (1/452)، وينظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/324-325).
ثانيًا: أنَّ ما قاربَ الشيءَ يُعطَى حُكمَه ((الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي)) (1/91).
المطلب الرَّابعُ: حَدُّ الموالاةِ:
حدُّ الموالاةِ في الوضوءِ ألَّا يَمضيَ بين العُضوينِ زَمَنٌ يجِفُّ فيه العُضوُ المغسولُ، مع اعتدالِ الزَّمانِ وحالِ الشَّخصِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّةِ ((حاشية ابن عابدين)) (1/122)، ((الفتاوى الهندية)) (1/8). ، والمالكيَّةِ ((الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي)) (1/92)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (1/272). ، والشَّافعيَّةِ ((المجموع)) للنووي (1/453). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/105)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/109). ؛ وذلك لأنَّه أقرَبُ إلى الضَّبطِ قال ابن عثيمين: (قال بعض العلماء- وهي رِوايةٌ عن أحمد-: إنَّ العِبرةَ بطُولِ الفَصل عُرفًا، لا بنِشافِ الأعضاء، فلا بدَّ أن يكونَ الوضوءُ مُتقاربًا، فإذا قال النَّاس: إنَّ هذا الرَّجُلَ لم يفرِّقْ وُضوءَه؛ بل وضوءُه متَّصل؛ فإنَّه يُعتبَرُ مُواليًا، وقد اعتبر العلماءُ العُرفَ في مسائلَ كثيرةٍ، ولكنَّ العُرفَ قد لا ينضبِطُ؛ فتعليقُ الحُكمِ بنِشافِ الأعضاء أقرَبُ إلى الضَّبطِ). ((الشرح الممتع)) (1/193). وسُئل: (إذا اشتغَلَ الإنسانُ بإزالةِ (بُويَة) من يديه عند الوضوءِ؛ فهل تنقطِعُ الموالاةُ ويلزَمُه إعادةُ الوضوء أو لا؟ فأجاب: لا تنقطِعُ الموالاةُ بذلك ولا يضرُّه؛ لأنَّ هذا الأمرَ يتعلَّق بطَهارَتِه). ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (11/146). لكنْ على الإنسانِ أن يُزيلَ ما على أعضاءِ الوُضوءِ ممَّا يمنَعُ وصولَ الماءِ إلى بَشَرَتِه قبل أن يَشرَعَ في الوضوءِ. انظر: ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (11/99).

انظر أيضا: