الموسوعة الفقهية

المبحث الأوَّل: غَسل الوجه


المطلب الأوَّل: حُكم غَسلِ الوَجه
غَسلُ الوجهِ فرضٌ من فروضِ الوضوء.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة: 6]
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
عن يحيى المازنيِّ، عن أبيه، ((أنَّ رجلًا قال لعبد الله بن زيد- وهو جَدُّ عمرو بن يحيى-: أتستطيعُ أن تُريني كيف كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يتوضَّأ؟ فقال عبدُ الله بن زيد: نعَمْ، فدعا بماءٍ، فأفرغ على يديه، فغَسلَ يدَه مرَّتين، ثم مضمَضَ واستنثر ثلاثًا، ثم غَسَل وجهَه ثلاثًا، ثم غسل يديه مرَّتينِ مرَّتين إلى المِرفقينِ، ثم مَسَح رأسَه بيديه، فأقبل بهما وأدبَرَ، بدأ بمُقدَّمِ رأسِه، حتَّى ذهب بهما إلى قَفاه، ثم ردَّهما إلى المكانِ الذي بدأ منه، ثم غَسَل رِجلَيه )) رواه البخاري (185) واللفظ له، ومسلم (235).
ثالثًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: الطحاوي قال الطحاويُّ: (الأعضاء التي قد اتَّفقوا على فرضيَّتِها في الوضوء: الوجه، واليدان، والرِّجلان، والرأس؛ فكان الوجهُ يُغسل كلُّه, وكذلك اليدان, وكذلك الرِّجلان, ولم يكن حُكمُ شيءٍ من تلك الأعضاء خلافَ حُكمِ بقيَّته). ((شرح معاني الآثار)) (1/33). ، والماوَردي قال الماورديُّ: (وهذا كما قال، غَسلُ الوجه أوَّلُ الأعضاء الواجبة في الوُضوء... وأجمع المسلمون على وجوبِ غَسلِه). ((الحاوي الكبير)) (1/107). ، وابنُ حزم قال ابن حزم: (اتَّفقوا على أنَّ غَسلَ الوجه من أصل منابتِ الشَّعر في الحاجِبينِ إلى أصول الأُذنينِ إلى آخر الذَّقن، فرضٌ على مَن لا لِحيةَ له). ((مراتب الإجماع)) (ص: 18). ، وابن عبدِ البَرِّ قال ابن عبدِ البَرِّ: (العلماء أجمعوا على أنَّ غَسل الوجه واليدين إلى المِرفقين، والرِّجلين إلى الكعبين، ومسْح الرَّأس؛ فرضٌ ذلك كلُّه). ((التمهيد)) (4/31). ، وابن رشد قال ابن رشد: (اتَّفق العلماء على أنَّ غسلَ الوَجهِ بالجُملة من فرائِضِ الوضوء). ((بداية المجتهد)) (1/11). ، وابن قدامة قال ابنُ قُدامَة: (غَسلُ الوجه واجبٌ بالنصِّ، والإجماع). ((المغني)) (1/85). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (غَسْلُ الوجه واجبٌ في الوضوءِ بالكتاب، والسُّنن المتظاهرة، والإجماع). ((المجموع)) (1/371).
المطلب الثَّاني: حدُّ الوجه
الوجه: هو ما تحصُل به المواجَهةُ.
وحدُّه عرضًا: ما بيْن أصولِ الأُذنين.
وحدُّه طولًا: ما بين مَنابِتِ شعرِ الرَّأس المعتاد إلى منتهى الذَّقن ((المبسوط)) للسرخسي (1/10)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/3)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/266)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/388)، ((المجموع)) للنووي (1/371)، ((المغني)) لابن قدامة (1/85)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/154)، ((المحلى)) لابن حزم (1/295).
المطلب الثَّالث: العِذارُ من الوجه
العِذار العِذار: الشَّعر النابتُ المحاذي للأذن بين الصُّدغِ والعارض، وقيل: هو ما على العَظمِ الناتئ بإزاء الأذُن، وهو أوَّل ما ينبُت للأمرَدِ غالبًا. ((المصباح المنير)) للفيومي (2/398)، ((المجموع)) للنووي (1/377)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/51). ، من الوجهِ، ويجب غَسْلُه معه، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/12)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/97). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/377)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/51). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/95)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/86). ، وهو قولٌ للمالكيَّة ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/11). اختاره ابن عبدِ البَرِّ قال ابن عبدِ البَرِّ: (في اختلاف العلماء بالمدينة وغيرها قديمًا فيما أقبَلَ مِن الأذنين؛ هل هو من الرَّأسِ أو من الوجهِ؛ ما يُوضِّح أنَّ البياضَ الذي بين الأذنين والعارض؛ من الوَجه). ((الاستذكار)) (1/125). وقال- في قول مالك: (إنَّ العذارَ ليس من الوجه، ولا يجِبُ غَسلُه)-: (لا أعلم أحدًا من فقهاءِ الأمصار قال بما رواه ابنُ وهب عن مالك). ((التمهيد)) (20/118، 119).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ المواجهة تقَعُ به، فهو داخلٌ في مسمَّى الوجهِ ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/266).
ثانيًا: أنَّ محلَّه لو لم يكن عليه شَعر لكان مِن الوَجهِ، فكذلك إذا كان عليه شَعرٌ، كسائر الوجهِ ((المغني)) لابن قدامة (1/86).
المطلب الرَّابع: حُكم غَسْل اللِّحية
إن كانت اللِّحيةُ خفيفةً- تصِف البَشَرة- فإنَّه يجبُ غَسلُ ظاهِرِها وباطِنِها (ما تحتها)، وإن كانت كثيفةً، وجَب غسْلُ ظاهِرِها، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (1/144)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/117). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/272)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/387). ، والشَّافعيَّة استثنى الشافعيةُ شعورَ الهُدب والحاجب والشَّارب والعِذار والعَنفَقة؛ فإنَّه يجبُ غسل ظاهرها وباطنها؛ الشَّعر منها والبَشرة وإنْ كثفت؛ وذلك لأنَّ الشَّعرَ في هذه المواضع يخفُّ في العادة، وان كثُف لم يكن إلَّا نادرًا، فلم يكن له حُكم، وقيل: لا يجب غسلُ باطن عُنفقةٍ كثيفة ولا بَشَرتها كاللِّحية، وفي ثالث: يجبُ إن لم تتَّصلْ باللِّحيةِ. ((المجموع)) للنووي (1/374)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/60). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/104)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/78). ، وبه قال جماهيرُ العُلَماءِ مِن الصَّحابة والتَّابعين ((جامع البيان)) (تفسير الطبري) (10/44)، ((المجموع)) للنووي (1/374)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/107).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
عمومُ قَولِ الله تعالى: فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة: 6]
وجه الدَّلالة:
 أنَّ الوجهَ اسمٌ لِما تقع به المواجهةُ، وقد خرج ما تحت الشَّعرِ عن المواجهة، وانتقلتِ المواجهةُ إلى ما ظهَر مِن الشَّعر ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/273)، ((المجموع)) للنووي (1/376).
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((توضَّأ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مرَّةً مرَّة )) رواه البخاري (157).
وجه الدَّلالة:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان كثَّ اللِّحيةِ عن البَراء رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجلًا مَربوعًا، عريضَ ما بين المَنكِبين، كثَّ اللِّحية)). أخرجه النسائي (5232). صححه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (5232). ، ومعلوم أنَّ الغَرْفةَ الواحدةَ لا تكفي لغَسلِ الوجهِ وتخليلِ اللِّحية والبَشَرةِ التي تحتَها ((الذخيرة)) للقرافي (1/254)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/273).
ثالثًا: أنَّ ما كان تحت شَعر اللِّحية والشَّاربين قد كان وجهًا يجِبُ غَسلُه قبل نبات الشَّعرِ، فكذلك بعد نباتِه، واستُثني غَسلُ باطن الشَّعرِ الكثيف؛ لِما يشقُّ من إيصالِ الماءِ إلى أصول الشَّعر ((المجموع)) للنووي (1/376).
رابعًا: إجماعُهم على أنَّ العينينِ مِن الوجه، ومع ذلك إنَّما يجبُ غَسلُ ما علاهما من أجفانِهما دون إيصالِ الماء إلى ما تحت الأجفانِ ((تفسير الطبري)) (10/44).
المطلب الخامس: حُكمُ غَسْل ما استرسَلَ من اللِّحية
اختلف أهلُ العلمِ في حكمِ غسلِ ظاهرِ ما اسْتَرسلَ مِن اللحيةِ على أقوالٍ؛ أقواها قولان:
القول الأول: يجب غَسْلُ ظاهرِ ما استرسَلَ مِن اللِّحية المسترسِل: الخارجُ عن دائرة الوجهِ مِن الشَّعر. قال ابن عثيمين: (الأقرب في ذلك الوجوب، والفرق بينهما وبين الرَّأس: أنَّ اللِّحية وإن طالت تحصُل بها المواجهة؛ فهي داخلة في حدِّ الوجهِ، أمَّا المسترسل من الرَّأس فلا يدخل في الرَّأس؛ لأنَّه مأخوذ من الترؤس وهو العلو، وما نزل عن حدِّ الشَّعر، فليس بمترئِّسٍ). ((الشرح الممتع)) (1/172، 173، 211). ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة ((الذخيرة)) للقرافي (1/254)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/388). ، والشَّافعيَّة في الأصحِّ ((الأم)) للشافعي (1/25)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/130). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/156)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/87).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
عمومُ قول الله عزَّ وجلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة: 6]
وجه الدَّلالة:
أنَّ الله عزَّ وجلَّ قد أمَر بغَسلِ الوجه أمرًا مطلقًا، ولم يخُصَّ صاحِبَ لِحيةٍ مِن أمردَ؛ فكلُّ ما وقع عليه اسمُ الوجه فواجبٌ غسلُه ((الاستذكار)) لابن عبدِ البَرِّ (1/127).
ثانيًا: أنَّ الوجه اسمٌ لِما وقعت به المواجهةُ؛ فدخل ما استرسلَ من اللِّحية في اسمه ((الاستذكار)) لابن عبدِ البَرِّ (1/127)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/130، 131)، ((المجموع)) للنووي (1/379، 380).
ثالثا: أن المستَرسِلَ تابِعٌ لما اتَّصل، وَالتَّبَعُ حكمُه حكمُ الأصلِ ((بدائع الصنائع)) للكاساني(1/ 4).
القول الثاني: لا يجبُ غسلُ ما استرسلَ من اللِّحيةِ، وهو مذهبُ الحنفيةِ ((حاشية ابن عابدين)) (1/101)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/4). ، وقول للشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/379). وروايةٌ عن أحمدَ، صحَّحها ابنُ رجبٍ قال المرداوي: (وعنه لا يجب، قال ابن رجب في القواعد: الصحيح لا يجِبُ غَسلُ ما استرسل من اللِّحية) ((الإنصاف)) (1/119)، وينظر: ((المبدع)) لابن مفلح (1/102).
وذلك للآتي:
أولًا: لأنَّه شعرٌ خارجٌ عن محلِّ الفرضِ، فأشبهَ ما نزَل مِن شعرِ الرأسِ عنه ((المغني)) لابن قدامة (1/87).
ثانيًا: إنما يواجه إلى المتَّصل عادةً لا إلى المسترسلِ، فلم يكن المسترسلُ وجهًا، فلا يجب غَسلُه ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/4).
المطلب السَّادس: غَسلُ بعض الوجه
غَسْلُ بعضِ الوجهِ غيرُ مجزئٍ.
الدَّليل من الإجماع:
نقل الإجماعَ على ذلك: الطحاويُّ قال الطحاوي: (فكلٌّ قد أجمع أنَّ ما وجب غسلُه من ذلك، فلا بدَّ من غَسْله كلِّه، ولا يجزئُ غَسل بعضِه دون بعض). ((شرح معاني الآثار)) (1/31). ، وابن عبدِ البَرِّ قال ابن عبدِ البَرِّ: (وقد أجمعوا أنَّه لا يجوزُ غَسْلُ بعض الوجه في الوضوء، ولا مسْحُ بعضه في التيمُّم). ((الاستذكار)) (1/130). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (مَن ترَك جزءًا يسيرًا ممَّا يجِبُ تطهيره، لا تصحُّ طهارته، وهذا متَّفق عليه). ((شرح النووي على مسلم)) (3/132).
المطلب السابع: المَضمَضة والاستنشاق والاستنثار في الوُضوء
الفرع الأوَّل: حُكم المَضمَضة والاستنشاق
تجِب المضمضةُ المضمضة: تحريكُ الماء في الفم. ((أنيس الفقهاء)) للقونوي (ص: 9). والاستنشاقُ الاستنشاق: إدخالُ الماءِ في الأنف. ((أنيس الفقهاء)) للقونوي (ص: 9). في الوضوء، وهو مذهَبُ الحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/152)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/96). ، وبه قالت طائفةٌ من السَّلف وبه قال ابن المبارك، وابن أبي ليلى، وإسحاق، وحُكي عن عطاء، والزُّهري؛ يُنظر: ((الاستذكار)) لابن عبدِ البَرِّ (1/123)، ((المغني)) لابن قدامة (1/88). ، واختاره بعض الظَّاهريَّة قال ابن عبدِ البَرِّ: (وكذلك اختلف أصحابُ دواد؛ فمنهم مَن قال: هما فرْضٌ في الغُسل والوضوءِ جميعًا) ((الاستذكار)) (1/124). ، وابنُ تيميَّة قال ابن تيميَّة: (الصَّحيحُ الأوَّل- "أي: إنَّ المضمضةَ والاستنشاقَ واجبتان في الطَّهارتين الصُّغرى والكبرى"-؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى أمَر بغَسل الوجه مطلقًا، وفسَّره النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بفِعله وتعليمه، فتَمضمض واستنشق في كلِّ وضوء توضَّأه، ولم يُنقل عنه أنَّه أخلَّ به أبدًا مع اقتصاره على أقلِّ ما يجزئ حين توضَّأ مرَّةً مرَّة، وقال: ((هذا صِفة الوضوءِ الذي لا يَقبل اللهُ الصَّلاةَ إلَّا به))، وهذا أقصى حدٍّ في اقتصار الوجوب من جِهة أنَّ فِعلَه إذا خرج امتثالًا لأمرٍ، كان حُكمه حُكمَ ذلك الأمر في اقتضاء الوجوبِ. ومن جهة أنَّه لو كان مستحبًّا لأخلَّ به ولو مرَّةً؛ ليبيِّن جوازَ التَّرك كما ترَك الثانية والثالثة، ومن جهة أنَّه لَمَّا توضَّأ قال: ((هذا صِفة الوضوءِ الذي لا يَقبل اللهُ الصَّلاةَ إلَّا به)).). ((شرح عمدة الفقه لابن تيمية- من كتاب الطهارة والحج)) (1/178). ، وابن القيِّم قال ابن القيِّم: (هذا يدلُّ على أنَّ المضمضة من آكَدِ أعضاء الوضوء؛ ولهذا كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يداوم عليها، ولم يُنقلْ عنه بإسناد قطُّ أنَّه أخلَّ بها يومًا واحدًا، وهذا يدلُّ على أنَّها فرضٌ لا يصحُّ الوضوء بدونها، كما هو الصَّحيح من مذهب أحمد وغيره من السَّلف). ((مفتاح دار السعادة)) (2/24). ، والشوكانيُّ قال الشوكانيُّ: (إذا تقرَّر هذا، علمتَ أنَّ المذهبَ الحقَّ وجوبُ المضمضة والاستنشاق والاستنثار). ((نيل الأوطار)) (1/141). ، وابن باز قال ابن باز: (المضمضة والاستنشاق واجبتان في الغُسلِ من الجَنابة، والغُسل من الحيض، وفي الوضوءِ الشرعيِّ، لا بدَّ من المضمضة في الوضوء، والغُسل من الجَنابة، والغُسل من الحيض والنِّفاس، لا بدَّ من ذلك؛ لأنَّهما في حُكم الوجه). ((فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر)) (5/288، 289). ، والألبانيُّ قال الألبانيُّ: (المضمضة والاستنشاق والاستنثار، وهي واجبة) ((الثمر المستطاب)) (1/10). ، وابنُ عثيمين قال ابن عثيمين: (صفةُ الوضوء الشرعيِّ على وجهين: صفةٌ واجبة لا يصحُّ الوضوء إلَّا بها... ومنه المضمضة والاستنشاق). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/150).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة: 6]
وجه الدَّلالة:
أنَّ الله أمَر بغَسلِ الوجهِ، والفمُ والأنفُ منه ((المغني)) لابن قدامة (1/88).
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن لَقِيط بن صَبِرَة رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا توضَّأتَ فمَضمِضْ)) رواه أبو داود (144)، والبيهقي (237). وصحَّحه ابن الملقن في ((الإعلام)) (1/264)، وصحح إسناده الشوكاني في ((الدراري المضية)) (44)، وابن باز في ((حاشية بلوغ المرام)) (80)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح أبي داود)) (144).
2- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا توضَّأ أحدُكم، فليجعلْ في أنفه، ثم لينثرْ )) رواه البخاري (162)، واللفظ له، ومسلم (237، 278).
ثالثًا: أنَّ كلَّ مَن وصف وضوءَ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُستقصيًا، ذكر أنَّه تمضمضَ واستنشق، ومداومتُه عليهما تدلُّ على وجوبِهما؛ لأنَّ فِعلَه وقع بيانًا وتفصيلًا للوضوءِ المأمورِ به في كتابِ الله ((المغني)) لابن قدامة (1/88، 89).
الفرع الثَّاني: صفةُ المضمضة والاستنشاق
السُّنَّة في المضمضة والاستنشاق: أن يَجمَعَهما في غَرفةٍ واحدة؛ فيأخذ غرفةً يتمضمضُ منها، ثم يَستنشِق، ثم يأخذ غَرفةً ثانيةً، يفعل بها كذلك، ثم ثالثةً كذلك، وهذا مَذهَبُ الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/358، 359)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (1/188)..                                      ، والحنابلة ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (1/87)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/89). ، وهو قولٌ للمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/355). ، اختاره المازريُّ قال القرافيُّ: (وقال المازريُّ: يَجمع بينهما بثلاث غَرَفات، فجعلهما كعضو واحد) ((الذخيرة)) (1/276). ، وابن رشد الجَدُّ قال ابن رشد (والاختيار: أن يأخذ غَرفةً فيمضمض بها ويستنثِر، ثم يأخذ غَرفةً أخرى فيمضمض بها ويستنثر أيضًا، ثم غَرفةً ثالثةً فيمضمض بها ويستنثر، على ظاهر الحديث: ((فمضمض واستنثِرْ ثلاثًا))، وإنْ شاء مضمض ثلاثًا بغَرفةٍ واحدة أو بثلاث غَرَفاتٍ، ثم استنثر ثلاثًا بغَرفة واحدة، أو بثلاث غَرفات، ثم استنثر ثلاثًا بغَرفة واحدة، أو بثلاث غرفات، الأمْر في ذلك واسع، واتبِّاع ظاهر الحديث أَوْلى، والله أعلم) ((البيان والتحصيل)) (1/110). ، واختاره ابن دقيق العيد قال ابن دقيق العيد: (قوله: ((فمضمض واستنشق ثلاثًا بثلاثِ غَرَفات) تعرُّض لكيفيَّة المضمضة والاستنشاق بالنسبة إلى الفصل والجَمعِ وعدد الغرفات، والفقهاء اختلفوا في ذلك؛ فمنهم مَن اختار الجمع، ومنهم من اختار الفصل، والحديث يدلُّ- والله أعلم- على أنَّه تمضمض واستنشق من غَرفة، ثم فعل كذلك مرَّة أخرى، ثم فعل كذلك مرَّة أخرى). ((إحكام الأحكام)) (ص: 33). ، وابن تيميَّة قال ابن تيميَّة: (الأفضلُ بثلاثِ غَرفات، المضمضة والاستنشاق يجمعها بغَرفة واحدة). ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (5/303). ، وابن القيِّم قال ابن القيِّم: (كان يتمضمضُ ويستنشق تارةً بغَرفة، وتارة بغَرفتين، وتارةً بثلاث، وكان يصِل بين المضمضة والاستنشاق، فيأخذ نِصف الغَرفة لِفَمه، ونِصفَها لأنفه، ولا يمكن في الغَرفة إلَّا هذا، وأمَّا الغَرفتان والثَّلاث، فيمكن فيهما الفصل والوصل، إلَّا أنَّ هَدْيه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان الوصلُ بينهما، كما في الصَّحيحين من حديث عبد الله بن زيد: ((أنَّ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تمضمض واستنشَقَ مِن كفٍّ واحدة، فعَل ذلك ثلاثًا))، وفي لفظ: ((تمضمض واستنثر بثلاثِ غَرفات))، فهذا أصحُّ ما رُوِيَ في المضمضة والاستنشاق، ولم يجئ الفصلُ بين المضمضة والاستنشاق في حديثٍ صحيح البتةَ، لكن في حديث طلحة بن مُصرِّف، عن أبيه، عن جَدِّه: ((رأيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يفصل بين المضمضة والاستنشاق))، ولكن لا يُروى إلَّا عن طلحة عن أبيه عن جَدِّه، ولا يُعرف لجدِّه صُحبة). ((زاد المعاد)) (1/185). ، وابن باز قال ابن باز: (المشروع غَرفة واحدة لهما جميعًا، يُكرِّر ثلاثًا كما فعله النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإنْ أُفرد الفم بغَرفة، والأنف بغَرفة فلا حرج، لكن الأفضل أن يأخُذ غَرفةً يتمضمض منها ويستنشِق منها، ولا يلزَم إدخالُ أُصبعه في فمه، إذا أدخل الماء في الفم ثم تمضمض، كفى). ((فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر)) (5/51). ، وابن عثيمين قال ابن عثيمين: (الأفضلُ أن يكون ثلاثَ مرَّاتٍ بثلاث غَرفات). ((الشرح الممتع)) (1/171).
الدليل مِن السُّنَّةِ:
ما ورَد عن عبد الله بن زيد رَضِيَ اللهُ عنه في وصْف وُضوء النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وفيه: ((فمضمضَ، واستنشَقَ، واستنثر ثلاثًا بثَلاثِ غَرَفات من ماءٍ )) رواه البخاري (192)، واللفظ له، ومسلم (235). ، وفي رواية: ((مضمض، واستنشق من كفٍّ واحدةٍ، ففعَلَ ذلك ثلاثًا )) رواه مسلم (235).

انظر أيضا: