الموسوعة الفقهية

المبحث الثاني: حُكم قَصْرِ الصَّلاةِ


يُسنُّ قَصرُ الصَّلاةِ في السَّفرِ، وهذا مذهبُ الجمهور: المالِكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير، مع ((حاشية الدسوقي)) (1/358)، ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/57). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/337)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/358). ، والحَنابِلَة ((الإقناع)) للحجاوي (1/181)، ويُنظر: ((العدة شرح العمدة)) لبهاء الدين المقدسي (ص: 111). ، وبه قال أكثرُ العلماءِ من السَّلَفِ والخَلَفِ قال ابنُ عبد البَرِّ: (الذي ذهب إليه أكثرُ العلماء من السَّلف والخلف في قَصْر الصلاة في السفر أنَّه سُنَّةٌ مسنونة لا فريضة، وبعضُهم يقول: إنَّه رخصة وتوسعة) ((الاستذكار)) (2/224). وقال القاضي عِياضٌ: (المشهور من مذهب مالكٍ وأكثرِ أصحابه وأكثرِ العلماء من السَّلف والخلف أنَّ القصر سُنَّة) ((إكمال المعلم)) (3/7)، وينظر: ((الشرح الكبير)) للدردير، مع ((حاشية الدسوقي)) (1/358). وقال ابنُ قُدامة: (أمَّا القصر فهو أفضلُ من الإتمام في قول جمهورِ العلماء، وقد كره جماعةٌ منهم الإتمام؛ قال أحمد: ما يُعجبني) ((المغني)) (2/199). وقال النوويُّ: (فرعٌ في مذاهب العُلماء في القَصرِ والإتمام: قد ذَكَرْنا أنَّ مذهبَنا أن القصر والإتمام جائزانِ، وأنَّ القصر أفضلُ من الإتمام، وبهذا قال عثمانُ بن عفَّان، وسعد بن أبي وقَّاص، وعائشةُ، وآخَرون، وحكاه العبدريُّ عن هؤلاءِ، وعن ابن مسعودٍ، وابن عُمرَ، وابن عبَّاس، والحسن البصري، ومالكٍ، وأحمدَ، وأبي ثورٍ، وداود، وهو مذهبُ أكثرِ العلماء)) ((المجموع)) (4/337). وقال ابنُ تَيميَّة: (السُّنَّة للمسافر أنْ يُصلِّيَ ركعتين، والأئمَّة متَّفقون على أنَّ هذا هو الأفضلُ، إلَّا قولًا مرجوحًا للشَّافعيِّ) ((مجموع الفتاوى)) (24/191).
الأدلَّة:
أولًا: من الكِتاب
قال الله تعالى: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء: 101]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ (لا جُناح) لا يُستعملُ إلَّا في المباح كما قال الشافعي؛ كقوله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة: 198] ، وقوله تعالى لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ [البقرة: 236] ((المجموع)) للنووي (4/339).
ثانيًا: من السُّنَّة
1- عن يَعلَى بن أُميَّة رَضِيَ اللهُ عنه قال: (سألتُ عُمرَ بن الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه قلت: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا، وقد أمَّن اللهُ الناسَ؟ فقال لي عُمرُ رَضِيَ اللهُ عنه: عجبتُ ممَّا عجبتَ منه، فسألتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن ذلك فقال: ((صَدقَةٌ تَصدَّق اللهُ بها عليكم، فاقْبَلوا صَدقتَه)) رواه مسلم (686).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ قوله: ((صَدقةٌ تَصدَّق اللهُ بها عليكم)) دلَّ على أنَّ القَصرَ شُرِع في السَّفرِ رِفقًا بالعباد، وتخفيفًا عنهم، وأنَّه ليس بمعنى الحتْم، ولا إلزامَ فيه للمسافر؛ فقد أجمعتِ الأمَّة أنَّه لا يَلزم المُتصدَّقَ عليه قَبولُ الصَّدقةِ ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطَّال (2/10).
2- عن عبدِ الرَّحمنِ بن يَزيدَ قال: ((صلَّى بنا عُثمانُ بمنًى أربعَ ركَعات، فقِيل ذلك لعبد الله بن مسعودٍ، فاسترجع، ثم قال: صليتُ مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمنًى ركعتينِ، ثم صليتُ مع أبي بكرٍ بمنى ركعتينِ، وصليتُ مع عُمرَ بمنًى ركعتينِ، فليتَ حظِّي من أربعِ ركَعاتٍ ركعتانِ مُتقبَّلتانِ )) رواه البخاري (1040)، ومسلم (695).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه لو كان القَصرُ واجبًا لَمَا أتمَّ عثمانُ رَضِيَ اللهُ عنه، ولَمَا وافَقَه الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم على ذلِك ((المجموع)) للنووي (4/340).
3- عن نافعٍ عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((صَلَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمِنًى ركعتينِ، وأبو بكرٍ بَعدَه، وعُمرُ بعدَ أبي بكرٍ، وعثمانُ صدرًا من خِلافتِه، ثم إنَّ عثمانَ صَلَّى بعدُ أربعًا، قال: فكان ابنُ عُمرَ إذا صلَّى مع الإمامِ صلَّى أربعًا، وإذا صلَّاها وَحدَه صلَّى رَكعتينِ )) رواه البخاري (1082)، ومسلم (694) واللفظ له.
ثانيًا: أنَّ عامَّةَ العلماءِ- وحُكي فيه الإجماعُ- على أنَّ المسافرَ إذا اقتدَى بمقيمٍ، لزِمَه الإتمامُ، ولو كان الواجبُ ركعتينِ حتمًا لَمَا جازَ فِعلُها أربعًا خَلفَ مسافرٍ ولا حاضرٍ كالصُّبح ((المجموع)) للنووي (4/341).
ثالثًا: أنَّه تخفيفٌ ورخصةٌ أُبيح للمسافِر، فجاز تركُه كسائرِ الرُّخَص ((المجموع)) للنووي (4/335).

انظر أيضا: