موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الرابع: الاستثناءُ بأخواتِ (إلَّا)


تنقَسِمُ أخواتُ (إلَّا) من حيث عَمَلُها إلى ثلاثةِ أقسامٍ:
الأوَّلُ: ما يَجُرُّ دائمًا، وهما (غير، سوى)؛ فمُستثناهما مجرورٌ دائمًا بالإضافةِ، وتُعرَبُ (غير، سوى) إعرابَ ما بعد (إلَّا)، فكأنَّما هي المستثنى مِن حيث الإعرابُ واللَّفظُ؛ ففي الاستثناءِ التَّامِّ الموجَبِ يكونُ كُلٌّ من (غير) و(سوى) مستثنًى منصوبًا وجوبًا، وما بَعْدَهما مُضافٌ إليه مَجرورٌ، وفي الاستثناءِ التَّامِّ المنفيِّ يكونُ إعرابُهما مسْتثنَيَينِ منصوبَينِ أو بَدَلَينِ مرفوعَينِ، وما بَعْدَهما مُضافٌ إليه مجرورٌ كذلك، وفي الاستثناءِ المفرَّغِ يأخُذانِ إعرابَ ما بَعْدَهما لو كانت (إلَّا) مكانَهما.
مثال: قام القومُ غيرَ زيدٍ. هذا الاستثناءُ تامٌّ مُثبَتٌ، ولو كانت (إلَّا) مكانَ (غير) لكان (زيد) مُسْتَثنى منصوبًا وجوبًا؛ فلذلك تأخُذُ (غير) هذا الإعرابَ، ويكونُ (زيد) مضافًا إليه.
(قام) فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ.
(القوم) فاعِلٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
(غير) مُسْتَثنى منصوبٌ وجوبًا، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ، وهو مضافٌ.
(زيد) مُضافٌ إليه مَجرورٌ، وعَلامةُ جَرِّه الكَسرةُ.
وفي قَولِك: ما قام القومُ غيرَ زيدٍ، يجوزُ في إعرابِ (غير) الوجهانِ في إعرابِ ما بعد (إلا) في الاستثناءِ التَّامِّ المنفيِّ، فنقولُ: (غير) بَدَلُ بَعضٍ مِن كُلٍّ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ، ويجوزُ نَصْبُها على الاستِثناءِ.
وفي قَولِك: ما قام غيرُ زيدٍ، فـ(غير) هنا تُعرَبُ فاعِلًا مرفوعًا.
و(سوى) تأخُذُ نَفْسَ إعرابِ (غير) إلَّا أنها تُعرَبُ بعلاماتٍ مُقدَّرةٍ منع من ظُهورِها التعَذُّرُ.
مثال: ضربتُ الطُّلَّابَ سِوى طالبٍ.
(ضربتُ) فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِه بتاءِ الفاعِلِ، والتاءُ: ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ رَفعٍ فاعِلٌ.
(الطُّلَّابَ) مَفعولٌ به مَنصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
(سوى) مُسْتَثنى منصوبٌ وجوبًا بفتحةٍ مُقَدَّرةٍ منع من ظُهورِها التعَذُّرُ، وهو مُضافٌ.
(طالب) مُضافٌ إليه مَجرورٌ، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ الظَّاهِرةُ.
ومِنَ النَّاقِصِ المنفيِّ قَولُ الشَّاعِرِ:
وَلَمْ يَبْقَ سِوَى الْعُدْوَانِ
دِنَّاهُمْ كَمَا دَانُوا
والشَّاهِدُ فيه (سِوَى العُدوانِ)؛ حيث وقعت (سوى) فاعِلًا يُنظَر: ((شرح قطر الندى وبل الصدى)) لابن هشام (ص: 247)، ((تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد)) لناظر الجيش (5/ 2220). .
وهذا الإعرابُ لا يجوزُ إلَّا إذا صحَّ إيقاعُ (غير) و(سوى) موقِعَ إلَّا؛ إذ أكثَرُ ما تأتي فيه (غير) أن تكونَ نعتًا لنكرةٍ. تَقولُ: ضربني رجلٌ غيرُ مألوفٍ، وتَقولُ: خرج عليٌّ من الامتحانِ بوجهٍ غيرِ الذي دخل به، أو تكونَ نعتًا لِما دخَلَت عليه (أل) الجِنسيَّةُ؛ كقَولِه تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة: 6، 7]؛ فكَلِمة "غير" مجرورة، فهي -على وَجهٍ في الإعرابِ- نعتٌ لكَلِمة: "الذين" المرادِ بها جِنسٌ لأقوامٍ مُعيَّنينَ، وليست للاستثناءِ؛ إذ لو كانت للاستثناءِ لوجب نصْبُها في الآيةِ.
وقد تقَعُ أيضًا في سائِرِ المواقعِ الإعرابيَّةِ؛ كوقوعها مُبتَدَأً في قَولِ الشَّاعِر:
وَغَيْرُ تَقِيٍّ يَأْمُرُ النَّاسَ بِالتُّقَى
طَبِيبٌ يُدَاوِي وَالطَّبِيبُ مَرِيضُ!
كذلك تقع خَبَرًا لناسخٍ، كقَولِ الشَّاعِرِ:
وَهَلْ يَنْفَعُ الْفِتْيَانَ حُسْنُ وُجُوهِهِمْ
إِذَا كَانَتِ الْأَعْمَالُ غَيْرَ حِسَانِ
وكذلك (سوى)؛ فإنَّه يجوزُ فيها أن تقَعَ في جميعِ المواقعِ الإعرابيَّةِ، إلَّا أنَّها تأتي أكثَرَ ما تأتي في الاستثناءِ يُنظَر: ((النحو الوافي)) لعباس حسن (2/ 346). .
الثَّاني: ما كان فعلًا تارةً فيَنصِبُ ما بَعْدَه، وحَرفَ جَرٍّ تارةً أُخرى، فيَجُرُّ ما بَعْدَه:
وهو: (خلا، وعدا، وحاشا) إذا لم تُسْبقْ بـ(ما) المَصْدريَّةِ، فإذا سُبِقت بها تَعيَّنَت فِعليَّتُها، وتأكَّدَ نصبُ ما بعْدَها.
فإذا نُصب المُسْتَثنى بعْدَهما فهو مفعولٌ به، وهي أفعالٌ، وإذا جُرَّ المُسْتَثنى كانت حَرفَ جَرٍّ.
مِثالُه: قام القومُ خَلا زيدًا.
(قام) فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ.
(القوم) فاعِلٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
(خلا) فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ المقدَّرِ، والفاعِلُ ضميرٌ مُستَتِرٌ تقديرُه: هو.
(زيدًا) مَفعولٌ به مَنصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
ويجوز إعرابُ (خلا) حرْفَ جَرٍّ، فنقول: قام القومُ خَلا زَيدٍ.
(خلا) حَرفُ جَرٍّ، مَبْنيٌّ على السُّكونِ.
(زيدٍ) اسمٌ مَجرورٌ بعد (خلا)، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ الظَّاهِرةُ.
و(خلا) فِعلٌ متصرِّفٌ مِن (الخُلو)، ضُمِّن معنى الاستثناءِ، فجَمُدَ على صُورةٍ واحدةٍ، كما فُعِلَ بـ (ليس)، و(لا يكون)، وهو في الأصلِ فِعلٌ لازمٌ، ثمَّ استُعمِلَ مُتعدِّيًا في بعضِ التَّعبيراتِ، وفي الاستثناءِ ليكونَ المستثنى به على صُورةِ المُستثنى بـ(إلَّا)، وبعضُ العربِ يَجُرُّ المستثنى به، فالنَّصبُ لغةٌ، والجرُّ لغةٌ أخرى، فمَن نَصَب بها مِن العربِ أبقاها على فِعليَّتِها، ومَن جرَّ بها أجْراها مَجرى الحروفِ لجُمودِها ينظر: ((الكتاب)) لسيبويه (2/277)، ((معاني النحو)) للسامرائي (2/703). .
- ومنه قَولُك: حضَرَ الطُّلَّاب عدا زيدًا، وعدا زيدٍ، ونقول: قام القومُ حاشا زيدًا، وحاشا زيدٍ يُنظَر: ((شرح التسهيل)) لابن مالك (2/ 306)، ((ارتشاف الضَّرَب من لسان العرب)) لأبي حيان الأندلسي (3/ 1534). .
أحوالُ حاشا:
لا يقتَصِرُ استخدامُ حاشا على أن تكونَ للاستثناءِ فحسْبُ؛ بل لها ثلاثةُ أحوالٍ:
1- استثنائيَّةٌ، وقد بيَّنَّا حُكمَها، وأنَّها تأتي فعلًا ماضيًا جامدًا أو حرفًا جارًّا.
2- فِعلٌ ماضٍ متصرِّفٌ مُتعَدٍّ. تَقولُ: حاشيتُ مالَ غيري أن تمتدَّ إليه يدي، أي: استثنَيْتُه.
3- مَصْدَرٌ بمعنى التنزيهِ، تَقولُ: حاشًا لله، بالتنوينِ، أي: تنزيهًا لله من أن يُوصَفَ بالعيبِ، وقد تأتي بدونِ تنوينٍ للإضافةِ، وحينئذٍ تكونُ اللامُ بَعْدَها زائدةً، كقَولِه تعالى: وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ [يوسف: 31] يُنظَر: ((النحو الوافي)) لعباس حسن (2/ 360). .
الثَّالثُ: وهو الذي لا يخرجُ المُسْتَثنى فيه عن النَّصْبِ، وهو أربعة: (خلا وعدا إذا سُبِقَتا بـ«ما»، وليس، ولا يكونُ).
أولًا: ما خلا وما عدا
سبق أن ذكَرْنا أنَّ (خلا وعدا وحاشا) يجوزُ في إعرابِ المُسْتَثنى بَعْدَها وجهانِ: النَّصْبُ على المفعوليَّةِ، والجَرُّ على أنَّها حروفٌ، وما بَعْدَها اسمٌ مجرورٌ.
فإذا اقترنت (خلا) و(عدا) بـ(ما) لم يجُزْ في إعرابِ ما بَعْدَهما إلَّا النَّصْبُ فحسْبُ، وتكونُ (خلا) و(عدا) هنا فِعلَينِ لا حرفَينِ، أمَّا (حاشا) فلا تقترِنُ بـ(ما).
مثاله: قام القومُ ما خلا (ما عدا) زيدًا.
(قام) فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ
(القوم) فاعِلٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ
(ما خلا) ما: حرفٌ مَصْدَريٌّ مَبْنيٌّ على السُّكونِ لا مَحَلَّ له مِنَ الإعرابِ، خلا: فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ المقَدَّرِ، منع من ظُهورِه التعَذُّرُ، والفاعِلُ ضميرٌ مُستَتِرٌ تقديرُه: هو.
(زيدًا)   مَفعولٌ به مَنصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
ثانيًا: الاستثناءُ بـ(ليس) و(لا يكونُ)
"ليس" و"لا يكونُ" من أدواتِ الاستثناءِ، وقد ذكَرْنا قبلُ أنَّ (ليس) من أخواتِ (كان)، وأنهما يرفعانِ المُبتَدَأَ وينصِبانِ الخَبَر؛ لذلك فإنَّ المُسْتَثنى بَعْدَهما يكون خَبَرًا لهما منصوبًا؛ فإذا قلتَ: جاء القومُ ليس زيدًا؛ فإن (زيدًا) خَبَرُ (ليس) منصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ، وأصلُ الجُملة: ليس هو / بعضُهم زيدًا. وكذلك قولك: قام الناسُ لا يكونُ عَمْرًا، أي: لا يكونُ هو / بعضُهم عَمْرًا.
قام: فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ.
الناس: فاعِلٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
لا: حرفُ نفيٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ لا مَحَلَّ له مِنَ الإعرابِ.
يكون: فِعلٌ مُضارعٌ ناسِخٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
عَمْرًا: خَبَر (يكون) منصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
واسمُ (يكون) ضَميرٌ مُستَتِرٌ تقديرُه: (هو) أو (بعض) محذوفٌ وُجوبًا يُنظَر: ((شرح التسهيل)) لابن مالك (2/ 306)، ((التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل)) لأبي حيان (8/ 330). .

انظر أيضا: