موسوعة اللغة العربية

المَطلَبُ الثَّاني: تَقْديرُ الحُكَّامِ والأُمَراءِ للشُّعَراءِ


اهْتَمَّ الأمَراءُ والحُكَّامُ بالشُّعَراءِ؛ فمُعاوِيةُ بنُ أبي سُفْيانَ المُؤَسِّسُ للدَّوْلةِ الأمَويَّةِ كانَ يقولُ: (اجْعَلوا الشِّعْرَ أكْبَرَ همِّكم، وأكْثَرَ دَأبِكم؛ فلقدْ رَأيتُني لَيلةَ الهَرِيرِ بصِفِّينَ وقد أُتيتُ بفَرَسٍ أغَرَّ مُحَجَّلٍ بَعيدِ البَطْنِ مِن الأرْضِ، وأنا أريدُ الهَرَبَ لشِدَّةِ البَلْوى، فما حَمَلَني على الإقامةِ إلَّا أبْياتُ عَمْرِو بنِ الإطْنابةِ:
أبَتْ لي هِمَّتي وأبى بَلائي
وأخْذي الحَمْدَ بالثَّمَنِ الرَّبيحِ
وإعْطائي على الإعْدامِ مالي
وإقْدامي على البَطَلِ المُشيحِ
وقَوْلي كلَّما جَشَأتْ وجاشَتْ
مَكانَكِ تُحْمَدي أو تَسْتَريحي [419] ينظر: ((العمدة في محاسن الشعر وآدابه)) لابن رشيق (1/ 29)، ((تاريخ آداب العرب)) للرافعي (1/252).
 وقد أولى الحُكَّامُ مِن بَعْدِه مَزيدَ عِنايةٍ بالشُّعَراءِ، فكانوا رُسُلَهم إلى الأمَراءِ والرُّؤَساءِ، وكانوا جُلَساءَهم في مَجالِسِ الحُكْمِ والشُّورى، كما كانَ لكلِّ خَليفةٍ شاعِرٌ يَنطِقُ باسْمِه ويُخلِّدُ ذِكْرَه ويَشْدو بمَناقِبِه، حتَّى إنَّ الشُّعَراءَ باتوا يَتَقرَّبونَ إلى الخُلَفاءِ بهِجاءِ مُخالِفيهم، وإن كانوا أنْصارَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كما فَعَلَ الأخْطَلُ النَّصْرانيُّ حينَ أرادَ التَّوَدُّدَ إلى حُكَّامِ بَني أمَيَّةَ.
وكانَ عبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوانَ يقولُ لأبْنائِه: "عليكم ‌بطَلَبِ ‌الأدَبِ؛ فإنَّكم إن احْتَجْتُم إليه كانَ لكم مالًا، وإن اسْتَغْنيتُم عنه كانَ لكم جَمالًا" [420] ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (2/259). .
ولا يَدُلُّ على اهْتِمامِ الأمَراءِ بالشِّعْرِ وتَأثيرِ الشُّعَراءِ في النَّاسِ أكْثَرُ مِن أنَّ الَّذي تَولَّى تَأييدَ بَيْعةِ يَزيدَ بنِ مُعاوِيةَ بوِلايةِ العَهْدِ كانَ شاعِرًا، وهو مِسْكينٌ الدَّارِميُّ؛ فإنَّه لعَظيمِ تَأثيرِ الشِّعْرِ في النُّفوسِ أُسنِدَتْ مُهمَّةُ ذلك إلى الشُّعَراءِ، فتَتابَعَ النَّاسُ على مُبايَعةِ يَزيدَ.

انظر أيضا: