موسوعة اللغة العربية

المَطلَبُ الرَّابِعُ: ازْدِهارُ العُلومِ والثَّقافةِ العَربيَّةِ في مُخْتلِفِ فُروعِ المَعْرفةِ والعِلمِ، والثَّقافةِ الأدَبيَّةِ في الشِّعْرِ والأدَبِ خُصوصًا


نَهَضَتِ الثَّقافةُ في هذا العَصْرِ نَهْضةً كَبيرةً في مُخْتلِفِ العُلومِ وفُروعِ المَعْرفةِ، واتَّسَعتْ رُقْعةُ العِلمِ، وأدَّى اهْتِمامُ النَّاسِ بالعُلومِ ومَبادِئِ المَعْرفةِ وامْتِزاجِ الشُّعوبِ إلى ازْدِهارِ الثَّقافةِ والعُلومِ؛ فعادَ بالإيجابِ على الشِّعْرِ والشُّعَراءِ، فكلَّما كانَ الشَّاعِرُ مُثَقَّفًا مُلِمًّا بالعُلومِ والمَعارِفِ كانَ إدْراكُه أوْسَعَ وأشْمَلَ، وكانَ شِعْرُه أرْقى، وجاءَ شِعْرُه مُرصَّعًا بجَواهِرِ العُلومِ، مُنقَّحًا بمُخْتلِفِ الفُنونِ.
وقد ازْدَهَرَتِ الثَّقافةُ الأدَبيَّةُ في الشِّعْرِ والأدَبِ على وَجْهِ الخُصوصِ؛ حيثُ اهْتمَّ النَّاسُ بالشِّعْرِ في هذا العَصْرِ اهْتِمامًا كَبيرًا وأعْطَوْه مَزيدَ رِعايةٍ، وذلك لإحْياءِ التُّراثِ الأدَبيِّ القَديمِ، فكانوا يعَقِدونَ المَجالِسَ لسَماعِ الشِّعْرِ ومُدارَستِه ونَقْدِه ورِوايتِه؛ فكَثُرَ الرُّواةُ في هذا العَصْرِ، واهْتمَّ الخُلَفاءُ بتَعْليمِ أوْلادِهم وتَلْقينِهم الشِّعْرَ وتَأديبِهم به، وكانَ مُعاوِيةُ بنُ أبي سُفْيانَ رَضيَ اللهُ عنه أكْثَرَ الخُلَفاءِ عِنايةً بتَعلُّمِ الشِّعْرِ وتَعْليمِه، فكانَ دائِمًا ما يوصي بحِفْظِه وفَهْمِه واتِّخاذِه مَصدَرَ تَأديبٍ وتَقْويمٍ؛ فمِن ذلك قولُه: "يَجِبُ على الرَّجُلِ تَأديبُ وَلَدِه، والشِّعْرُ أعلى مَراتِبِ الأدَبِ".
وكانَ عبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوانَ يقولُ لأبْنائِه: "عليكم ‌بطَلَبِ ‌الأدَبِ؛ فإنَّكم إن احْتَجْتُم إليه كانَ لكم مالًا، وإن اسْتَغْنيتُم عنه كانَ لكم جَمالًا" [422] ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (2/259). .

انظر أيضا: