موسوعة اللغة العربية

الفَصلُ الثَّالث: أَبُو الحَسَنِ الرَّبَعِيُّ (ت: 420 هـ)


أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بن عِيسَى بن الفَرَجِ بن صَالِحٍ، الرَّبَعِيُّ، البَغْداديُّ، النَّحْويُّ.
مَوْلِدُه:
وُلِد سَنةَ ثمانٍ وعِشرينَ وثلاثِ مِائة.
مِن مَشَايِخِه:
أبو سَعِيدٍ السِّيرَافِيُّ، وأبو عَلِيٍّ الفَارِسِيُّ.
مَنْزِلَتُه وَمَكَانَتُه:
كان أَبُو الحَسَن الرَّبَعِيُّ أَحَدَ أَئِمَّة النَّحْو والعِلْم بالعَرَبِيَّة، وكان دَقِيقَ النَّظَر، جَيِّدَ الفَهْم والقِيَاس، رحل إِلَى شِيرَاز، فلَازَم أبا عَلِي الفَارِسِي سَنَواتٍ طَوِيلَة حتى قَال له أبو عَلِي الفَارِسِي: (مَا بَقِيَ شَيْءٌ تحْتَاج إِلَيْهِ، ولَو سِرْتَ مِن المَشْرِق إلى المَغْرِب لم تَجِد أَعْرَف مِنْك بالنَّحْوِ)؛ فَرَجَع إلى بَغْدَاد فَأَقَامَ بهَا إِلَى أَن مَاتَ.
وقيل: إِنَّه كان يَحْفَظُ الكَثِيرَ مِن أَشْعَار العَرَب مِمَّا لم يَكُن غَيْرُه يَقُوم بِه، إِلَّا أَنَّ جُنُونَه لَمْ يَكُنْ يَدَعُه يتَمَكَّنُ مِنْهُ أحَدٌ في الأخْذ عنه!
وقيل لابنِ بَرْهَان: (كَيفَ تَرَكْتَ الرَّبَعِي وأَخْذَت عَن أَصْحَابه مَعَ إدْرَاكِك لَهُ؟ فَقَالَ: كَانَ مَجْنُونًا، وَإِنَّا كَمَا تَرَى فَمَا كُنَّا نَتَّفِقُ!).
مِن مَوَاقِفِه:
- يُحكى أنَّ أبا الحَسَن الرَّبَعِيَّ شَرَح كِتَاب سِيبَوَيْه ثم غَسَلَه، وسَبَب ذَلِك: أن بَعْضَ تَلَامِذَتِه سَأَلَه يَوْمًا في مَجْلِسِه عَنْ مَسْألةٍ فَأَجَابَه، فنازعَه في الجَوَاب، فَقَام مِن فَوْرِه مُغْضَبًا، ودَخَل البَيْت، وأَخَذ الشَّرْح وجَعَلَه في إِنَاءٍ وجَعَل يَصُبُّ عليه المَاء، ويُقَطِّعُه ويَلْطُم به الحِيطَانَ، ويقول: (لَا أَجْعَل أَوْلَادَ البَقَّالِينَ نُحَاةً!).
- وكان أَبُو الحَسَنِ الرَّبَعِيُّ مُبْتَلَى بِقَتْل الكِلَاب، وقد سَأَلَ يَوْمًا أَوْلَاد الأَكَابِر الَّذِين يَحْضُرُون مَجْلِسَه أَن يَمْضُوا مَعَه إِلَى كَلْوَاذَا -قَرْيَة مَشْهُورَة مِن قُرَى بَغْدَاد-، فَظَنُّوا أَنَّ لَهُ حَاجَةً، فَرَكِبُوا خُيُولًا وَخَرَجُوا وَخَرَجَ مَاشِيًا وَمَعَهُ كِسَاءٌ وعَصَا إلى كَلْب هُنَاكَ، فَغَدا نَحْوَه، والكَلْبُ يَثِبُ عَلَيْهِ تَارَة، ويَهْرَب مِنْهُ أُخْرَى حَتَّى أَعْيَاه وعَاوَنُوه حَتَّى أَمْسَكُوه، فَعَضَّ الكَلْبَ بِأَسْنَانِهِ عَضًّا شَدِيدًا، وَقَالَ: (هَذَا عضَّني مُنْذُ أَيَّامٍ، وَأَرَدْت أَن أُخَالِفَ قَوْلَ الأَوَّلِ:
شَاتَمَنِي كَلْبُ بَنِي مسْمَعٍ
فَصُنْتُ عَنْهُ النَّفْسَ وَالْعِرْضَا
وَلَمْ أُجِبْهُ لِاحْتِقَارِي لَهُ
مَنْ ذَا يَعَضُّ الكَلْبَ إِنْ عَضَّا!)
- وذُكِر: أنه اجْتَمَع هو وأبَوُ الفَتْح بن جِنِّي يَمْشِيان في مَوْضِع، فَاجْتَاز على باب خَرِبَةٍ، فَرَأَى فَيْهَا كَلْبًا، فَقَال لابن جِنِّي: (قِفْ عَلَى البَاب، ودَخَل، فَلَمَّا رآه الكَلْبُ يُريِد أن يَقْتُلَه هَرَب وهَرَج، ولم يَقْدِر ابنُ جِنِّي على مَنْعِه، فَقَال له الرَّبَعِي: وَيْلَك يا ابْنَ جِنِّي! مُدْبِرٌ فِي النَّحْوِ، ومُدْبِرٌ في قَتْلِ الكِلَابِ!).
مُصَنَّفَاتُه:
مِن مُصَنَّفَاتِه: كتاب: ((البديع)) -وهو كِتَابٌ حَسَنٌ جِدًّا في النَّحْو-، وكتاب: ((شرح الإِيضَاح)) -لأبي علي الفارسي-، وكتاب: ((شرح مُخْتَصَر الجرْمِي))، وكتاب: ((شرح البُلْغَة)).
وَفَاتُه:
تُوفِّي ببَغْدَاد سَنةَ عِشرينَ وأربَعِ مِائة [441] يُنظَر: ((تاريخ العلماء النحويين)) للتنوخي (ص 20)، ((تاريخ بغداد)) للخطيب البغدادي (13/ 463)، ((نزهة الألباء في طبقات الأدباء)) لكمال الدين الأنباري (ص 249)، ((معجم الأدباء)) لياقوت الحموي (4/ 1828)، ((إنباه الرواة على أنباه النحاة)) للقِفْطي (2/ 297)، ((وفيات الأعيان)) لابن خَلِّكان (3/ 336)، ((الوافي بالوفيات)) للصفدي (21/ 248)، ((البداية والنهاية)) لابن كثير (15/ 627)، ((بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة)) للسيوطي (2/ 181)، ((الأعلام)) للزركلي (4/ 318). .

انظر أيضا: