موسوعة اللغة العربية

مَبْحَثٌ: كَيفيَّةُ الاستِشْهادِ بالحَديثِ الشَّريفِ


ينقَسِمُ الاستِشْهادُ بالحديثِ الشَّريفِ إلى نوعَينِ -كما هو الحالُ مع الاستِشْهادِ بالقُرآنِ الكريمِ- على النَّحْوِ الآتي:
الإشارةُ والتَّنْبيهُ:
وهو أن يَقتَبِسَ الكاتِبُ الحديثَ أو جُزءًا منه، مع تصريحِه بأنَّ ذلك مِن قَولِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وأكثَرُ أمْثِلةِ هذا النَّوعِ في احتِجاجاتِ الفُقَهاءِ؛ فإنَّهم يُصَرِّحون بالحُكْمِ الشَّرْعيِّ للفِعْلِ، ثمَّ يُبَرْهِنونَ عليه بالاستِدلالِ عليه من كَلامِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
ومنه في الصِّناعةِ الكِتابيَّةِ الأدَبيَّةِ قَولُ أبي إسحاقَ الصَّابيِّ في وَصِيَّةِ عَهدٍ مِن خَليفةِ السُّلْطانِ: (وأن يقومَ بما يَعقِدُه الرَّجُلُ مِن عَرْضِ المُسلِمينَ؛ فإنَّ ذِمَّتَه ذِمَّةُ جَميعِ المُؤمِنينَ، وقد قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «المُسلِمونَ يَسعى بذِمَّتِهم أدناهم وهم يَدٌ على مَن سِواهم » [51] أخرجه أبو داود (2751) باختلاف يسير، وابن ماجه (2685) بنحوه من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما. .
الاقتِباسُ:
وهو أن يَقتَبِسَ الكاتِبُ شَيئًا مِنَ الحَديثِ في كَلامِه دونَ أن يُصَرِّحَ بذلك، كقَولِ ابنِ الأثيرِ في الحِلْمِ: (تَرَكْتُه حتَّى جال في المَيدانِ، وامتَدَّ في الأشطانِ، ولم أنتَصِرْ خَوفًا من قيامِ المَلَكِ وقُعودِ الشَّيطانِ، والحَليمُ لا يَظهَرُ أثَرُ حِلْمِه إلَّا عِنْدَ تلَدُّدِه، والكَظيمُ هو أشَدُّ ما يخافُ مِن تبَدُّدِه) [52] يُنظر: ((المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر)) لابن الأثير (1/ 140). .
فإنَّه اقتبس قيامَ المَلَكِ وقُعودَ الشَّيطانِ مِن حَديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَجُلًا شتم أبا بَكرٍ، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جالِسٌ، فجعل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَعجَبُ ويتبَسَّمُ، فلمَّا أكثر ردَّ عليه بَعْضَ قَولِه، فغَضِبَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقام، فلَحِقَه أبو بَكرٍ، فقال: يا رَسولَ اللهِ كان يشتِمُني وأنت جالِسٌ، فلمَّا ردَدْتُ عليه بَعْضَ قَولِه غَضِبْتَ وقُمْتَ، قال: ((إنَّه كان معك مَلَكٌ يرُدُّ عنك، فلمَّا ردَدْتَ عليه بَعْضَ قَولِه، وقع الشَّيطانُ، فلم أكُنْ لأقعُدَ مع الشَّيطانِ!)) [53] أخرجه أبو داود (4897) باختلاف يسير، وأحمد (9624) واللفظ له .
ومنه قَولُ القَلَقْشَنْديِّ في المفاخَرةِ بَيْنَ السَّيفِ والقَلَمِ؛ فقال: (وبدأ القَلَمُ فتكَلَّم، ومضى في الكَلامِ بصِدقِ عزمٍ فما توقَّف ولا تلعْثَم؛ فقال: باسْمِ اللهِ تعالى أستفتِح، وبحَمْدِه أَتَيَمَّنُ وأستنْجِح؛ إذ مِن شَأني الكِتابة، ومِن فَنِّي الخَطابة، وكُلُّ أمرٍ ذي بالٍ لا يُبدَأُ فيه باسمِ اللهِ تعالى فهو أجذَم، وكُلُّ كَلامٍ لا يُفتَتَحُ بحَمْدِ اللهِ فأساسُه غَيرُ مُحكَم) [54] يُنظر: ((صبح الأعشى في صناعة الإنشاء)) (1/ 251). .
حَيثُ ضمَّن كَلامَه ما رُويَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((كُلُّ كَلامٍ لا يُبدَأُ فيه بالحَمْدِ للهِ، فهو أجذَمُ)) [55] أخرجه أبو داود (4840) واللفظ له، وابن ماجه (1894) بلفظ: أقطع. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

انظر أيضا: