الموسوعة العقدية

المَطْلَبُ السَّادِسُ: الآثارُ الإيمانيَّةُ لاسمَيِ اللهِ: الحافِظِ والحَفيظِ

الحافِظُ لهذه السَّمَواتِ السَّبعِ والأرضِ وما فيهما: هو الله وَحْدَه لا شريكَ له.
فهو سُبحانَه يحفَظُ السَّمَواتِ أن تقع على الأرضِ، كما قال سُبحانَه: وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ [الحج: 65] .
وقد حَفِظ اللهُ السَّماءَ من الشياطينِ، كما في قَولِه تعالى: وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ [الحجر: 16-18] .
قال ابنُ جريرٍ: (يقولُ تعالى ذِكْرُه: وحَفِظْنا السَّماءَ الدُّنيا من كُلِّ شيطانٍ لَعِينٍ، قد رجمه اللهُ ولعنه، إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ يقولُ: لكِنْ قد يسترِقُ مِنَ الشَّياطينِ السَّمعَ ممَّا يحدُثُ في السَّماءِ؛ بَعْضُها، فيَتْبَعُه شهابٌ مِنَ النَّارِ مُبِينٌ، يَبِينُ أثَرُه فيه؛ إمَّا بإخبالِه وإفسادِه، أو بإحراقِه) [3495] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/ 31). .
واللهُ يحفَظُ ذلك كُلَّه بلا مشقَّةٍ ولا كُلفةٍ، ودون أدنى تَعَبٍ أو نَصَبٍ، كما قال سُبحانَه وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [الحجر: 9] .
وكذا أماكِنُ العبادةِ؛ فإنَّ المحفوظَ منها هو ما حَفِظَه اللهُ سُبحانَه وتعالى وهو خَيرٌ حافِظًا.
قال ابنُ تَيميَّةَ عن آياتِ اللهِ العظيمةِ: (وكذلك الكَعبةُ، فإنَّها بيتٌ مِن حجارةٍ بوادٍ غيرِ ذي زَرعٍ، ليس عندها أحدٌ يحفَظُها من عَدُوٍّ، ولا عندها بساتينُ وأمورٌ يَرغَبُ النَّاسُ فيها، فليس عندها رغبةٌ ولا رهبةٌ، ومع هذا فقد حَفِظَها بالهَيبةِ والعَظَمةِ، فكُلُّ من يأتيها يأتيها خاضِعًا ذليلًا متواضعًا في غايةِ التواضُعِ، وجَعَل فيها من الرَّغبةِ ما يأتيها النَّاسُ من أقطارِ الأرضِ مَحَبَّةً وشَوقًا من غيرِ باعثٍ دُنيويٍّ، وهي على هذه الحالِ من ألوفٍ مِن السِّنينَ، وهذا ممَّا لا يُعرَفُ في العالمِ لبِنيةٍ غيرِها، والملوكُ يَبْنون القُصورَ العظيمةَ فتبقى مُدَّةً، ثمَّ تُهدَمُ لا يرغَبُ أحدٌ في بنائِها ولا يرهبون من خرابها... وكذلك ما فعل اللهُ بأصحابِ الفيلِ لَمَّا قَصَدوا تخريبَها؛ قال تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُول [الفيل: 1-5] ) [3496] يُنظر: ((النبوات)) (1/ 510). .
واللهُ سُبحانَه يحفَظُ أعمالَ عِبادِه فلا يَضِيعُ شَيءٌ منها ولا يخفى عليه، صغيرًا كان أو كبيرًا، ويوافيهم بها يومَ الحسابِ؛ إنْ خَيرًا فخيرٌ، وإنْ شَرًّا فشَرٌّ، ولا ينسى اللهُ منها شيئًا وإن نَسِيَه النَّاسُ؛ قال تعالى: أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ [المجادلة: 6] ، وقال سُبحانَه: وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا [النبأ: 29] . وقال عَزَّ وجَلَّ: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار: 10-12].
واللهُ سُبحانَه وَحْدَه هو الذي يحفَظُ الإنسانَ مِنَ الشُّرورِ والآفاتِ والمهالِكِ، ويحفَظُه من عقابِه وعذابِه وسَخَطِه، إنْ هو حَفِظ حُدودَ اللهِ واجتنب محارِمَه.
قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((يا غلامِ، إنِّي مُعَلِّمُك كَلِماتٍ: احفَظِ اللهَ يحفَظْك، احفَظِ اللهَ تَجِدْه تُجاهَك... )) [3497] أخرجه الترمذي (2516)، وأحمد (2669) واللفظ له صححه الترمذي، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2516)، وصححه لغيره الوادعي في ((الصحيح المسند)) (699)، وحسنه وجوده ابن رجب في ((جامع العلوم والحكم)) (1/459)، وصحح إسناده أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (4/233)، وقواه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (2669). .
قال ابنُ رجب: (يعني: احفَظْ حُدودَ اللهِ وحُقوقَه، وأوامِرَه ونواهِيَه، وحِفْظُ ذلك هو الوقوفُ عند أوامِرِه بالامتِثالِ، وعند نواهيه بالاجتنابِ، وعند حُدودِه فلا يتجاوَزُ ولا يتعدَّى ما أَمَرَ به إلى ما نهى عنه؛ فدخل في ذلك فِعْلُ الواجباتِ جميعُها، وتَرْكُ المحَرَّماتِ كُلِّها) [3498] يُنظر: ((نور الاقتباس في وصية النبي لابن عباس)) (ص: 41). .

انظر أيضا: