الموسوعة العقدية

الفَصلُ الرَّابعُ: خِصالُ الإيمانِ وشُعَبُه

من القواعِدِ المقَرَّرةِ والأصولِ المُعتَبَرةِ في عقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ أنَّ الإيمانَ مُرَكَّبٌ من شُعَبٍ وأجزاءٍ، وهذه الشُّعَبُ والأجزاءُ التي يتكوَّنُ منها الإيمانُ تتفاوَتُ وتتفاضَلُ، وأهلُ الإيمانِ يتفاضَلون أيضًا بما قام لديهم من إيمانٍ ويقينٍ، وبما يقومون به من البِرِّ والتقوى وموافَقةِ الأَولى، وتَرْكِ ما نهى عنه اللهُ تعالى من المنهِيَّاتِ؛ المحَرَّماتِ منها والمكروهاتِ، وما يتردَّدُ بينهما من المتشابِهاتِ؛ استبراءً للدِّينِ والعِرْضِ، ونَيلًا للدَّرجاتِ العُلا [406] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّةَ (7/408). .
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الإيمانُ بِضعٌ وسَبعونَ -أو بضعٌ وسِتُّونَ- شُعبةً، فأفضَلُها قَولُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطَّريقِ، والحياءُ شُعبةٌ من الإيمانِ )) [407] أخرجه البخاري (9) مختصرًا، ومسلم (35) واللَّفظُ له. .
قال الخطَّابي: (في هذا الحديثِ بَيانُ أنَّ الإيمانَ الشَّرعيَّ اسمٌ لمعنًى ذي شُعَبٍ وأجزاءٍ، له أعلى وأدنى، فالاسمُ يتعَلَّقُ ببعضِها كما يتعلَّقُ بكُلِّها، والحقيقةُ تقتضي جميعَ شُعَبِها، وتستوفي جملةَ أجزائهِا، كالصَّلاةِ الشَّرعيةِ، لها شُعَبٌ وأجزاءٌ، والاسمُ يتعَلَّقُ ببعضِها كما يتعَلَّقُ بكُلِّها، والحقيقةُ تقتضي جميعَ أجزائِها وتستوفيها) [408] يُنظر: ((معالم السنن)) (4/312). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (الإيمانُ أصلٌ له شُعَبٌ متعَدِّدةٌ، وكُلُّ شُعبةٍ منها تسَمَّى إيمانًا، فالصَّلاةُ من الإيمانِ، وكذلك الزكاةُ والحَجُّ والصَّومُ، والأعمالُ الباطنةُ، كالحياءِ والتوكُّلِ... وهذه الشُّعَبُ منها ما يزولُ الإيمانُ بزوالِها كشُعبةِ الشَّهادةِ، ومنها ما لا يزولُ بزوالها كتَرْكِ إماطةِ الأذى عن الطَّريقِ، وبينهما شُعَبٌ متفاوتةٌ تفاوتًا عظيمًا، منها ما يَلحَقُ بشُعبةِ الشَّهادةِ، ويكونُ إليها أقربَ، ومنها ما يلحَقُ بشُعبةِ إماطةِ الأذى، ويكونُ إليها أقرَبَ، وكذلك الكُفرُ ذو أصلٍ وشُعَبٍ، فكما أنَّ شُعَبَ الإيمانِ إيمانٌ، فشُعَبُ الكُفرِ كُفرٌ، والحياءُ شُعبةٌ من الإيمانِ، وقِلَّةُ الحياءِ شُعبةٌ مِن شُعَبِ الكُفرِ، والصِّدقُ شُعبةٌ من شُعَبِ الإيمانِ، والكَذِبُ شُعبةٌ من شُعَبِ الكُفرِ... والمعاصي كُلُّها من شُعَبِ الكُفرِ، كما أنَّ الطَّاعاتِ كُلَّها من شُعَبِ الإيمانِ) [409] يُنظر: ((الصلاة)) (ص: 55). .
وقال ولي الله الدهلوي: (الإيمانُ الذي تدورُ عليه أحكامُ الآخِرةِ مِن النَّجاةِ والفَوزِ بالدَّرَجاتِ، وهو متناوِلٌ لكلِّ اعتقادٍ حَقٍّ، وعَمَلٍ مَرضيٍّ، ومَلَكةٍ فاضلةٍ، وهو يَزيدُ ويَنقُصُ، وسُنَّةُ الشَّارعِ أن يُسَمِّيَ كُلَّ شَيءٍ منها إيمانًا؛ لِيَكونَ تنبيهًا بليغًا على جزئيَّتِه... وله شُعَبٌ كثيرةٌ، ومَثَلُه كمَثَلِ الشّجَرةِ، يقالُ للدَّوحةِ والأغصانِ والأوراقِ والثِّمارِ جميعًا: إنَّها شَجَرةٌ، فإذا قُطِعَ أغصانُها وخُبِطَ أوراقُها وخُرِفَ ثمارُها، قيل: شَجَرةٌ ناقصةٌ، فإذا قُلِعَت الدَّوحةُ بَطَل الأصلُ) [410] يُنظر: ((حجة الله البالغة)) (1/ 277). .
وسُئِلَ ابنُ عُثيمين: كيف نجمَعُ بين أنَّ الإيمانَ هو الإيمانُ باللهِ وملائكتِه وكُتُبِه ورُسُلِه، واليومِ الآخِرِ، وبالقَدَرِ خَيرِه وشَرِّه، وقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الإيمانُ بِضعٌ وسَبعون شُعبةً ))... إلخ "؟
فأجاب قائلًا: (الإيمانُ الذي هو العقيدةُ أصولُه سِتَّةٌ، وهي المذكورةُ في حديثِ جِبريلَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، حينما سأل النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الإيمانِ فقال: ((الإيمانُ أن تؤمِنَ باللهِ وملائكتِه، وكُتُبِه ورُسُلِه، واليومِ الآخِرِ، وتؤمِنَ بالقَدَرِ خَيرِه وشَرِّه)). مُتَّفَقٌ عليه.
وأمَّا الإيمانُ الذي يشمَلُ الأعمالَ، وأنواعَها، وأجناسَها فهو بِضعٌ وسبعون شُعبةً؛ ولهذا سَمَّى اللهُ تعالى الصَّلاةَ إيمانًا في قَولِه: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [البقرة: 143] ، قال المفسِّرون: إيمانُكم يعني: صلاتَكم إلى بيتِ المقْدِسِ؛ لأنَّ الصَّحابةَ كانوا قبل أن يؤمَروا بالتوَجُّهِ إلى الكعبةِ كانوا يُصَلُّونَ إلى المسجِدِ الأقصى)  [411]يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (1/54). .
وإنَّ من شُعَبِ الإيمانِ القَوليَّةِ شُعَبًا يوجِبُ زوالُها زوالَ الإيمانِ، فكذلك مِن شُعَبِه الفِعليَّةِ ما يوجِبُ زوالُها زوالَ الإيمانِ، وكذلك شُعَبُ الكُفرِ القوليَّةُ والفِعليَّةُ، فكما يَكفُرُ بالإتيانِ بكَلِمةِ الكُفرِ اختيارًا -وهي شعبةٌ مِن شُعَبِ الكفرِ- فكذلك يَكفُرُ بفِعلِ شُعبةٍ مِن شُعَبِه، كالسُّجودِ للصَّنَمِ، والاستِهانةِ بالمصحَفِ [412] يُنظر: ((الصلاة)) لابن القيم (ص: 55). .
 قال ابنُ أبي العِزِّ: (إذا كان الإيمانُ أصلًا له شُعَبٌ متعَدِّدةٌ، وكُلُّ شُعبةٍ منها تسمَّى: إيمانًا، فالصَّلاةُ من الإيمانِ، وكذلك الزكاةُ والصَّومُ والحَجُّ، والأعمالُ الباطِنةُ، كالحياءِ والتوَكُّلِ والخَشْيةِ مِن اللهِ والإنابةِ إليه، حتى تنتهيَ هذه الشُّعَبُ إلى إماطةِ الأذى عن الطَّريقِ؛ فإنَّه من شُعَبِ الإيمانِ، وهذه الشُّعَبُ منها ما يزولُ الإيمانُ بزوالِها إجماعًا، كشُعبةِ الشَّهادةِ، ومنها ما لا يَزولُ بزوالِها كتَرْكِ إماطةِ الأذى عن الطَّريقِ، وبينهما شُعَبٌ متفاوتةٌ تفاوتًا عظيمًا، منها ما يَقرُبُ من شُعبةِ الشَّهادةِ، ومنها ما يَقرُبُ مِن شُعبةِ إماطةِ الأذى، وكما أنَّ شُعَبَ الإيمانِ إيمانٌ، فكذا شُعَبُ الكُفرِ كُفرٌ، فالحُكمُ بما أنزل اللهُ مَثَلًا من شُعَبِ الإيمانِ، والحُكمُ بغيرِ ما أنزل اللهُ كُفرٌ، وقد قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((من رأى منكم مُنكَرًا فلْيُغَيِّرْه بيَدِه، فإن لم يستطِعْ فبلِسانِه، فإن لم يستطِعْ فبَقَلْبِه، وذلك أضعَفُ الإيمانِ )). رواه مُسلِمٌ. وفي لفظٍ: ((ليس وراء ذلك من الإيمانِ حَبَّةُ خَردلٍ ))، وروى الترمذيُّ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((من أحَبَّ لله وأبغَضَ للهِ، وأعطى لله ومَنَع لله؛ فقد استكمل الإيمانَ )). ومعناه -والله أعلم- أنَّ الحُبَّ والبُغضَ أصلُ حَركةِ القَلْبِ، وبَذْلُ المالِ ومَنْعُه هو كمالُ ذلك؛ فإنَّ المالَ آخِرُ المتعَلِّقاتِ بالنَّفسِ، والبَدَنُ متوسِّطٌ بين القَلبِ والمالِ، فمن كان أوَّلُ أمرِه وآخِرُه كُلُّه لله، كان اللهُ إلهَه في كُلِّ شَيءٍ، فلم يكُنْ فيه شيءٌ من الشِّركِ، وهو إرادةُ غيرِ اللهِ وقَصْدُه ورجاؤُه، فيكونُ مُستكمِلَ الإيمانِ، إلى غيرِ ذلك من الأحاديثِ الدَّالَّةِ على قُوَّةِ الإيمانِ وضَعْفِه بحَسَبِ العَمَلِ)  [413]يُنظر: ((شرح الطحاوية)) (2/476). .
وقد اعتنى العُلَماءُ بحديثِ أبي هُرَيرةَ السَّابقِ، وعَدُّوه أصلًا لإدخالِ الطَّاعاتِ في الإيمانِ وعَدُّوها من شُعَبِه.
قال أبو حاتم بن حِبَّان: (تتبَّعتُ معنى هذا الحديثِ مُدَّةً، وعَدَدْتُ الطَّاعاتِ، فإذا هي تزيدُ على العددِ شَيئًا كثيرًا، فرجَعْتُ إلى السُّنَنِ فعَدَدْتُ كُلَّ طاعةٍ عَدَّها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الإيمانِ، فإذا هي تنقُصُ عن البِضعِ والسَّبعين، فرجَعْتُ إلى كتابِ اللهِ فقَرَأْتُه بالتدَبُّرِ، وعَدَدْتُ كلَّ طاعةٍ عَدَّها اللهُ تعالى من الإيمانِ، فإذا هي تَنقُصُ عن البِضعِ والسَّبعين، فضمَمْتُ الكِتابَ إلى السُّنَنِ، وأسقطتُ المُعادَ، فإذا هي كُلُّ شَيءٍ عَدَّه اللهُ تعالى ونبيُّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الإيمانِ تِسعٌ وسبعون شُعبةً لا يَزيدُ عليها ولا تَنقُصُ، فعَلِمْتُ أنَّ مُرادَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الكِتابِ والسُّنَنِ) [414] يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (2/4). .
وقال عياضٌ: (بَقِيَ بين هذينِ الطَّرَفينِ -أي الشَّهادتينِ وإماطةِ الأذى- أعدادٌ لو تكَلَّف المجتَهِدُ تحصيلَها بغَلَبةِ الظَّنِّ وشِدَّةِ التتَبُّعِ، لأمكَنَه، وقد فعل ذلك بعضُ مَن تَقَدَّم، وفي الحُكمِ بأنَّ ذلك مرادُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صعوبةٌ، ثمَّ إنَّه لا يلزَمُ مَعرِفةُ أعيانِها، ولا يَقدَحُ جَهْلُ ذلك في الإيمانِ؛ إذ أصولُ الإيمانِ وفُروعُه معلومةٌ محَقَّقةٌ، والإيمانُ بأنَّها هذا العَدَدُ واجِبٌ في الجُملةِ) [415] يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (2/4). .
وقد ألَّف العُلَماءُ في ذلك مُصَنَّفاتٌ؛ منها:
(المنهاجُ في شُعَبِ الإيمانِ) للحليمي.
واختصره البيهقيُّ في كتاب (الجامِع لشُعَبِ الإيمانِ) مع عنايتِه بالأسانيدِ خِلافًا للحليمي.
واختصر كتابَ البَيهقيِّ القزوينيُّ، وجميعُهم عَدُّوا سبعًا وسبعين شعبةً من شُعَبِ الإيمانِ، مع شَرْحِها.
وبعضُ أهلِ العِلمِ ذَكَر شُعَبَ الإيمانِ ضِمْنَ كُتُبِهم ومُؤَلَّفاتِهم، ومن ذلك:
- كتابُ (شرح أصولِ اعتِقادِ أهلِ السُّنَّةِ) للَّالكائي، ذكر فيه اللَّالكائيُّ اثنتين وسبعين خصلةً من خِصالِ الإيمانِ، وذكر تحتَ كُلِّ خَصلةٍ ما يناسِبُها من الأحاديثِ [416] يُنظر: ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة)) (5/ 981 - 1011). .
- كتابُ (الإبانة) لابنِ بَطَّةَ، عَدَّ فيه ابنُ بطَّةَ سبعين شُعبةً سَرْدًا دونَ ذِكرِ أدِلَّتِها [417] يُنظر: ((الإبانة)) (2/650-653). .
- كتابُ (فتح الباري) لابنِ حَجَر، عَدَّ فيه ابنُ حَجَرٍ الشُّعَبَ، وقال: (هذه الشُّعَبُ تتفَرَّعُ عن أعمالِ القَلْبِ، وأعمالِ اللِّسانِ، وأعمالِ البَدَنِ؛ فأعمالُ القَلْبِ فيه المعتَقَداتُ والنيَّاتُ، وتشتَمِلُ على أربعٍ وعشرين خَصلةً: الإيمانُ باللهِ، ويدخُلُ فيه الإيمانُ بذاتِه وصِفاتِه، وتوحيدُه بأنَّه ليس كمِثْلِه شَيءٌ، واعتقادُ حُدوثِ ما دونَه؛ والإيمانُ بملائكَتِه وكُتُبِه ورُسُلِه والقَدَرِ خَيرِه وشَرِّه؛ والإيمانُ باليومِ الآخِرِ، ويدخُلُ فيه المسألةُ في القَبرِ، والبَعثُ والنُّشورُ والحِسابُ والميزانُ والصِّراطُ والجنَّةُ والنَّارُ، ومحبَّةُ اللهِ والحُبُّ والبُغضُ فيه؛ ومحبَّةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، واعتقادُ تعظيمِه، ويدخُلُ فيه الصَّلاةُ عليه، واتِّباعُ سُنَّتِه؛ والإخلاصُ، ويدخُلُ فيه تَرْكُ الرِّياءِ والنِّفاقِ، والتَّوبةُ والخَوفُ والرَّجاءُ والشُّكرُ والوَفاءُ، والصَّبرُ والرِّضا بالقَضاءِ، والتوكُّلُ والرَّحمةُ والتواضُعُ، ويدخُلُ فيه توقيرُ الكَبيرِ، ورَحمةُ الصَّغيرِ، وتَرْكُ الكِبرِ والعُجبِ، وتَرْكُ الحَسَدِ، وتَرْكُ الحِقدِ وتَرْكُ الغَضَبِ. وأعمالُ اللِّسانِ، وتشتَمِلُ على سَبعِ خِصالٍ: التلَفُّظُ بالتوحيدِ، وتلاوةُ القُرآنِ، وتعَلُّمُ العِلمِ وتعليمُه، والدُّعاءُ، والذِّكرُ، ويدخُلُ فيه الاستغفارُ واجتنابُ اللَّغوِ. وأعمالُ البَدَنِ، وتشتَمِلُ على ثمانٍ وثلاثين خصلةً؛ منها ما يختَصُّ بالأعيانِ، وهي خمسَ عَشْرةَ خَصلةً: التطهيرُ حِسًّا وحُكمًا، ويدخُلُ فيه اجتِنابُ النَّجاساتِ، وسَتْرُ العَورةِ؛ والصَّلاةُ فَرْضًا ونَفلًا؛ والزكاةُ كذلك، وفَكُّ الرِّقابِ، والجُودُ، ويدخُلُ فيه إطعامُ الطَّعامِ، وإكرامُ الضَّيفِ؛ والصِّيامُ فَرْضًا ونَفلًا؛ والحَجُّ والعُمرةُ كذلك، والطَّوافُ والاعتكافُ، والتِماسُ ليلةِ القَدْرِ، والفِرارُ بالدِّينِ، ويدخُلُ فيه الهِجرةُ من دارِ الشِّركِ، والوفاءُ بالنَّذرِ، والتحَرِّي في الأيمانِ، وأداءُ الكَفَّاراتِ، ومنها ما يتعلَّق بالاتِّباعِ، وهي سِتُّ خصالٍ: التعَفُّفُ بالنكاحِ، والقيامُ بحُقوقِ العِيالِ، وبِرُّ الوالدينِ، وفيه اجتنابُ العُقوقِ، وتربيةُ الأولادِ، وصِلَةُ الرَّحِمِ، وطاعةُ السَّادةِ أو الرِّفقُ بالعبيدِ، ومنها ما يتعَلَّقُ بالعامَّةِ، وهي سَبْعَ عَشْرةَ خَصلةً: القيامُ بالإمرةِ مع العَدْلِ، ومتابعةُ الجماعةِ، وطاعةُ أُولي الأمرِ، والإصلاحُ بين النَّاسِ، ويدخُلُ فيه قِتالُ الخوارجِ والبُغاةِ، والمعاونةُ على البِرِّ، ويدخُلُ فيه الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عن المنكَرِ، وإقامةُ الحُدودِ، والجِهادُ، ومنه: المرابطةُ وأداءُ الأمانةِ، ومنه أداءُ الخُمُسِ، والقَرضُ مع وفائِه، وإكرامُ الجارِ، وحُسنُ المعامَلةِ، وفيه جمعُ المالِ مِن حِلِّه، وإنفاقُ المالِ في حَقِّه، ومنه تَرْكُ التبذيرِ والإسرافِ، ورَدُّ السَّلامِ، وتشميتُ العاطِسِ، وكَفُّ الأذى عن النَّاسِ، واجتنابُ اللَّهوِ، وإماطةُ الأذى عن الطَّريقِ، فهذه تِسعٌ وسِتُّون خَصلةً، ويمكِنُ عَدُّها تِسعًا وسبعين خصلةً باعتبارِ إفرادِ ما ضُمَّ بعضُه إلى بعضٍ مِمَّا ذُكِرَ. واللهُ أعلَمُ) [418] يُنظر: ((فتح الباري)) (1/52). .
وقال حافِظٌ الحَكَميُّ: (قد عَدَّها جماعةٌ مِن شُرَّاحِ الحديثِ، وصَنَّفوا فيها التصانيفَ، فأجادوا وأفادوا، ولكِنْ ليس معرفةُ تَعدادِها شَرطًا في الإيمانِ، بل يكفي الإيمانُ بها جُملةً، وهي لا تخرجُ عن الكِتابِ والسُّنَّةِ؛ فعلى العَبدِ امتِثالُ أوامِرِهما، واجتنابُ زواجِرِهما، وتصديقُ أخبارِهما، وقد استكمَلَ شُعَبَ الإيمانِ، والذي عَدَّدوه حَقٌّ كُلُّه من أمورِ الإيمانِ، ولكِنَّ القَطعَ بأنَّه هو مرادُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بهذا الحديثِ يحتاجُ إلى توقيفٍ) [419] يُنظر: ((أعلام السنة المنشورة)) (ص: 93). .

انظر أيضا: