الموسوعة العقدية

المَطْلَبُ الأوَّلُ: جَزاءُ كافِرِهم في الآخِرةِ

قال اللهُ تعالى: وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ [فصلت: 25] .
قال ابنُ جَريرٍ: (يَقولُ تعالى ذِكرُه: وحَقَّ على هَؤُلاءِ الَّذينَ قَيَّضْنا لَهم قُرَناءَ مِنَ الشَّياطينِ، فزَيَّنوا لَهم ما بَينَ أيديهم وما خَلْفَهُم- العَذابُ في أُمَمٍ قد مَضَت قَبلَهم من ضُرَبائِهم، حَقَّ عليهم من عَذابِنا مِثلُ الَّذي حَقَّ على هَؤُلاءِ، بَعضُهم مِنَ الجِنِّ وبَعضُهم مِنَ الإنسِ) [4480] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/ 416). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (قدِ اتَّفَقَ المُسْلِمونَ على أنَّ كُفَّارَ الجِنِّ في النَّارِ، وقد دَلَّ على ذلك القُرآنُ في غَيرِ مَوضِعٍ كقَولِه تعالى: وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [السجدة: 13] ، وقَولِه تعالى: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ [ص:85] الآية، فمِلْؤها منه به وبكُفَّارِ ذُرِّيَّتِه، وقال تعالى: ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ فِي النَّارِ [الأعراف: 38] ، وقال تعالى فى حِكايةٍ عن مؤمِنِهم: وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ إلى قَولِه: حَطَبًا [الجن: 14-15] ، وقال اللهُ تعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ [الأعراف: 179] ، وقال تعالى: فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ وجَنودُه إن لَم يَختَصَّ بالشَّياطينِ فهم داخِلون في عُمومِه. وبِالجُملةِ فهَذا أمرٌ مَعلومٌ بالِاضطِرارِ من دينِ الإسلامِ) [4481] يُنظر: ((طريق الهجرتين وباب السعادتين)) (ص: 417). .
وقال ابن حجر الهيتمي: (اعلَمْ أنَّ العُلَماءَ اتَّفَقوا على أنَّ كافِرَهم يُعذَّبُ في الآخِرةِ) [4482] يُنظر: ((الفتاوى الحديثية)) (ص: 52). .
 وقال أيضًا: (دَلَّ القُرآنُ والسُّنَّةُ على أنَّ أصلَ الجِنِّ النَّارُ، وإنَّما أحرَقَتْهُمُ الشُّهُبُ مَعَ ذلك؛ لأنَّ إضافَتَهم إلى النَّارِ كإضافةِ الإنسانِ إلى التُّرابِ والطِّينِ والفَخَّارِ؛ إذِ المُرادِ أصلُه الطِّينُ لا أنَّه طِينٌ حَقيقةً، وكَذلك الجانُّ كانَ نارًا في الأصلِ لا أنَّه نارٌ حَقيقةً؛ للحَديثِ الصَّحيحِ: ((عَرَضَ لي الشَّيطانُ في صَلاتي فخنَقْتُه فوَجَدْتُ بَردَ ريقِهِ على يَدي)) [4483] لفظ الحديث: عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: (أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يصلِّي فأتاه الشيطانُ فأخذه فصرعه فخنقه، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: حتى وجدتُ بَردَ لِسانِه على يدي، ولولا دعوةُ أخي سُلَيمانَ عليه السلامُ لأصبح موثَقًا حتى يراه النَّاسُ). أخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (11439) واللَّفظُ له، وابن حبان (2350)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (8219). صحَّحه ابن حبان، وحَسَّن إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (34/510)، وقَوَّاه في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (2350)، وجوَّده العراقي في ((تخريج الإحياء)) (3/46)، وقال الضياء المقدسي في ((السنن والأحكام)) (2/194): إسنادُه على رسم البخاريِّ. وقال ابن تيمية في ((التوسل والوسيلة)) (40) وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (3/301): على شرط البخاري. ومن هوَ نارٌ مُحرِقةٌ كيفَ يُحِسُّ ببَردِ ريقِهِ؛ إذ لا ريقَ لَه أصلًا فَضْلًا عَن كونِهِ بارِدًا) [4484] يُنظر: ((الفتاوى الحديثية)) (ص: 47). .
وقال الألوسيُّ في قَولِه تعالى: وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ [الصَّافاتُ: 158] : (أي: واللهِ لَقد عَلِمَتِ الشَّياطينُ -أي: جِنسُهم- أنَّ اللهَ تعالى يُحضِرُهم -ولا بُدَّ- النَّارَ ويُعَذِّبُهم بها، ولَو كانوا مُناسِبِينَ لَه تعالى أو شُرَكاءَ في استِحقاقِ العِبادةِ أوِ التَّصَرُّفِ لَمَا عذَّبهم سُبحانَه) [4485] يُنظر: ((تفسير الألوسي)) (12/145). .
وقال ابنُ جبرين في الجِنِّ: (وكَونُهم مَخلوقِينَ مِنَ النَّارِ لا يَمنَعُ تَعذيبَهم بالنَّارِ؛ فإنَّ نارَ الآخِرةِ أحَرُّ من نارِ الدُّنيا بسَبعِينَ ضِعفًا، ويُمكِنُ أنَّ لَهم نارًا خاصَّةً يُعذَّبونَ فيها، فأمرُ الآخِرةِ مُخالِفٌ لأمرِ الدُّنيا) [4486] يُنظر: ((الموقع الرسمي لابن جبرين)). .

انظر أيضا: