موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- نماذِجُ من الإحسانِ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم


إحسانُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى قرابتِه:
- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: لمَّا أُنزِلَت هذه الآيةُ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء: 214] ، دعا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قريشًا، فاجتَمَعوا فعَمَّ وخَصَّ، فقال: ((يا بني كَعبِ بنِ لُؤَيٍّ، أنقِذوا أنفُسَكم من النَّارِ، يا بني مُرَّةَ بنِ كَعبٍ، أنقِذوا أنفُسَكم من النَّارِ، يا بني عبدِ شَمسٍ، أنقِذوا أنفُسَكم من النَّارِ، يا بني عبدِ مَنافٍ، أنقِذوا أنفُسَكم من النَّارِ، يا بني هاشِمٍ، أنقِذوا أنفُسَكم من النَّارِ، يا بني عبدِ المطَّلِبِ، أنقِذوا أنفُسَكم من النَّارِ، يا فاطِمةُ، أنقِذي نَفسَكِ من النَّارِ؛ فإنِّي لا أملِكُ لكم من اللهِ شيئًا، غيرَ أنَّ لكم رَحِمًا سأبُلُّها ببِلالِها)) [257] أخرجه مسلم (204). ، (والبِلالُ -بكسرِ الباءِ-: السَّبَبُ الذي يوصَلُ الرَّحِمُ به، وهو الإحسانُ إلى الأقارِبِ ومعاونتُهم وخِدمتُهم) [258] ((المفاتيح في شرح المصابيح)) للمظهري (5/203). .
إحسانُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها:
- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: (واللهِ لقد رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقومُ على بابِ حُجرتي، والحَبَشةُ يَلعَبون بحِرابِهم في مَسجِدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يستُرُني بردائِه؛ لكي أنظُرَ إلى لَعِبِهم، ثمَّ يقومُ من أجلي حتى أكونَ أنا التي أنصَرِفُ؛ فاقدُروا قَدْرَ الجاريةِ الحديثةِ السِّنِّ، حريصةً على اللَّهوِ) [259] أخرجه البخاري (454)، ومسلم (892) واللفظ له. .
إحسانُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى خديجةَ بعدَ مَوتِها:
- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((جاءت عجوزٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو عندي، فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: من أنتِ؟ قالت: أنا جثَّامةُ المُزَنيَّةُ، فقال: بل أنت حسَّانةُ المُزَنيَّةُ. كيف أنتم؟ كيف حالُكم؟ كيف كُنتُم بعدنا؟ قالت: بخيرٍ، بأبي أنت وأمِّي يا رسولَ اللهِ! فلمَّا خرجَت قُلتُ: يا رسولَ اللهِ، تُقبِلُ على هذه العجوزِ هذا الإقبالَ؟! فقال: إنَّها كانت تأتينا زَمَنَ خديجةَ، وإنَّ حُسنَ العَهدِ من الإيمانِ)) [260] أخرجه الحاكم (40) واللفظ له، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (9122)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (4/52). صحَّحه الحاكم وقال: (على شرط الشيخين)، والألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (1/424). .
قال الذَّهبيُّ: (ومن كرامتِها عليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه لم يتزوَّجْ امرأةً قَبْلَها، وجاءه منها عدَّةُ أولادٍ، ولم يتزوَّجْ عليها قطُّ، ولا تسَرَّى إلى أن قَضَت نَحْبَها، فوجد لفَقْدِها؛ فإنَّها كانت نِعْمَ القرينُ) [261] سير أعلام النبلاء (2/110). .
إحسانُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى اليتامى والمساكينِ:
 عن عبدِ اللهِ بنِ جَعفَرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((بعث رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جيشًا ... فأمهَلَ آلَ جعفَرٍ ثلاثًا أن يأتيَهم، ثمَّ أتاهم فقال: لا تَبْكوا على أخي بَعدَ اليَومِ، ادعوا إليَّ ابنَيْ أخي، قال: فجيءَ بنا كأنَّا أفرُخٌ، فقال: ادعوا لي الحَلَّاقَ، فجيءَ بالحَلَّاقِ فحَلَقَ رُؤوسَنا، قال: أمَّا مُحمَّدٌ فشَبيهُ عَمِّنا أبي طالِبٍ، وأمَّا عَبدُ اللهِ فشَبيهُ خَلْقي وخُلُقي، ثُمَّ أخَذَ بيَدي فأَشالَها فقال: اللَّهُمَّ اخلُفْ جَعفَرًا في أهلِه، وبارِكْ لعَبدِ اللهِ في صَفقةِ يَمينِه، قالها ثَلاثَ مِرارٍ، قال: فجاءَت أُمُّنا فذَكَرَتْ له يُتْمَنا، وجَعَلَتْ تُفرِحُ له، فقال: العَيلةَ تَخافينَ عليهم، وأنا وَلِيُّهم في الدُّنيا والآخِرةِ؟!)) [262] أخرجه أبو داود (4192)، والنسائي (5227) مختصرا، وأحمد (1750) واللفظ له صحَّحه النووي في ((المجموع)) (1/296)، والذهبي في ((تاريخ الإسلام)) (5/430)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4192)، وصحَّح إسنادَه على شرط مسلم: شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (1750). . وفي روايةٍ: ((أنَّ عبدَ اللهِ بنَ جَعفَرٍ قال: لو رأيتَني وقُثَمَ وعُبَيدَ اللهِ ابنَيْ عبَّاسٍ، ونحن صِبيانٌ نلعَبُ، إذ مرَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على دابَّةٍ، فقال: ارفَعوا هذا إليَّ. قال: فحمَلَني أمامَه، وقال لقُثَمَ: ارفَعوا هذا إليَّ. فجعَلَه وراءَه، وكان عُبَيدُ اللهِ أحَبَّ إلى عبَّاسٍ مِن قُثَمَ، فما استحى من عَمِّه أنْ حَمَل قُثَمَ وتَرَكه، قال: ثمَّ مسَح على رأسي ثلاثًا، وقال كلَّما مسحَ: اللَّهُمَّ اخلُفْ جَعفَرًا في وَلَدِه)) [263] أخرجه أحمد (1760) واللفظ له، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (10905)، والحاكم (1378، 6411). صحَّح إسنادَه الحاكم، وأحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (3/197)، وقوَّاه ابن حجر في ((الإصابة)) (2/289)، وحسَّنه الألباني في ((أحكام الجنائز)) (212)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (1760). .
- وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((أللهِ الذي لا إلهَ إلَّا هو إنْ كُنْتُ لأعتَمِدُ بكَبِدي على الأرضِ مِنَ الجُوعِ، وإِنْ كنتُ لأَشُدُّ الحَجَرَ على بطني من الجُوعِ، ولقد قعَدْتُ يومًا على طريقِهم الذي يخرُجون منه، فمرَّ أبو بكرٍ فسألتُه عن آيةٍ من كِتابِ اللهِ ما سألتُه إلَّا ليُشبِعَني، فمرَّ ولم يفعَلْ، ثُمَّ مرَّ بي عُمَرُ فسألتُه عن آيةٍ مِن كِتابِ اللهِ ما سألتُه إلَّا ليُشبِعَني، فمرَّ ولم يفعَلْ، ثُمَّ مرَّ أبو القاسمِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فتبسَّم حينَ رآني، وعرَف ما في نفسي وما في وجهي، ثُمَّ قال: يا أبا هِرٍّ، قُلتُ: لبَّيك يا رسولَ اللهِ، قال: الحَقْ، ومضى فتبِعْتُه، فدخل فاستأذن فأَذِنَ لي، فدخل فوجد لبنًا في قَدَحٍ، فقال: مِنْ أين هذا اللَّبنُ؟ قالوا: أهداه لك فلانٌ أو فلانةٌ، قال: أبا هِرٍّ، قُلتُ: لبَّيك يا رسولَ اللهِ، قال: الحَقْ إلى أهلِ الصُّفَّةِ فادْعُهم لي، قال: وأهلُ الصُّفَّةِ أضيافُ الإسلامِ لا يأوُون إلى أهلٍ ولا مالٍ ولا على أحدٍ، إذا أتته صَدَقةٌ بعث بها إليهم ولم يتناوَلْ منها شيئًا، وإذا أتته هَدِيَّةٌ أرسَلَ إليهم وأصاب منها وأَشركَهم فيها، فساءني ذلك، فقلتُ: وما هذا اللَّبَنُ في أهلِ الصُّفَّةِ؟! كُنتُ أَحقَّ أن أُصيبَ من هذا اللَّبَنِ شَربةً أتقوَّى بها! فإذا جاء أمرَني فكنتُ أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلُغَني من هذا اللَّبَنِ؟! ولم يَكُنْ من طاعةِ اللهِ وطاعةِ رَسولِه بُدٌّ، فأتيتُهم فدعوتُهم، فأقبلوا فاستأذنوا فأذِنَ لهم، وأخذوا مجالِسَهم من البيتِ، قال: أبا هِرٍّ، قلتُ: لبَّيك يا رسولَ اللهِ، قال: خُذْ فأعطِهم، قال: فأخذتُ القَدَحَ فجعَلْتُ أُعطيه الرَّجُلَ فيَشرَبُ حتى يَروَى، ثُمَّ يرُدُّ عَلَيَّ القَدَحَ، فأُعطي الرَّجُلَ فيَشرَبُ حتى يَرْوَى، ثُمَّ يرُدُّ عليَّ القَدَحَ، حتى انتهيتُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقد رَوِيَ القومُ كُلُّهم، فأخذ القَدَحَ فوضَعه على يَدِه، فنظر إليَّ فتبسَّم! فقال: يا أبا هِرٍّ! قُلتُ: لبَّيك يا رسولَ اللهِ، قال: بَقِيتُ أنا وأنت، قلتُ: صَدَقْتَ يا رسولَ اللهِ، قال: اقعُدْ فاشرَبْ، فقعَدْتُ فشَرِبتُ، فما زال يقولُ: اشرَبْ، حتى قُلتُ: لا والذي بعثَك بالحقِّ ما أجِدُ له مَسلَكًا! قال: فأَرِني، فأعطيتُه القَدَحَ، فحَمِد اللهَ وسَمَّى وشَرِبَ الفَضْلةَ)) [264] أخرجه البخاري (6452). .
إحسانُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى الخَدَمِ:
عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (خدَمْتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَشْرَ سِنينَ، فما قال لي: أفٍّ، ولا: لمَ صَنَعْتَ؟! ولا: ألَا صنَعْتَ؟!) [265] أخرجه البخاري (6038) واللفظ له، ومسلم (2309). ؛ ولذلك قال أنسٌ خادِمُه رَضِيَ اللهُ عنه في تمامِ حديثِه: (وكان رسولُ اللهِ من أحسَنِ النَّاسِ خُلُقًا) [266] أخرجه البخاري (6203)، ومسلم (2310) واللفظ له. .
إحسانُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى الحيوانِ:
عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كنَّا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سَفَرٍ، فانطلق لحاجتِه فرَأَينا حُمَّرةً [267] طائرٌ صغيرٌ كالعصفورِ. يُنظَر: ((الصحاح)) للجوهري (2/637). معها فرخانِ، فأخَذْنا فرْخَيها، فجاءت الحُمَّرةُ فجعَلَت تُفَرِّشُ، فجاء النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: من فجَّع هذه بولَدِها؟ ردُّوا ولَدَها إليها. ورأى قريةَ نملٍ قد حرَقْناها فقال: مَن حرَق هذه؟ قُلْنا: نحن. قال: إنَّه لا ينبغي أن يُعَذِّبَ بالنَّارِ إلَّا ربُّ النَّارِ!)) [268] أخرجه أبو داود (2675). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2675)، وصحَّح إسناده النووي في ((رياض الصالحين)) (455)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (8/689)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (2675). وأخرجه أحمد (3763) بلفظ: (نزل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منزِلًا، فانطلق لحاجتِه، فجاء وقد أوقد رجلٌ على قريةِ نملٍ، إمَّا في الأرضِ، وإمَّا في شَجَرةٍ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّكم فعَلَ هذا؟ فقال رجُلٌ من القومِ: أنا يا رسولَ اللهِ، قال: أطْفِها، أطْفِها). حسَّنه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (3763)، وحسَّن إسناده أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (5/288)، ووثَّق رجاله البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (6/99). .
وعن عبدِ اللهِ بنِ جعفَرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((أردَفَني رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَلْفَه ذاتَ يَومٍ، فأسرَّ إليَّ حديثًا لا أُحَدِّثُ به أحدًا مِنَ النَّاسِ، وكان أحبَّ ما استتر به رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لحاجتِهِ هَدَفٌ أو حائِشُ نخلٍ فدخلَ حائطًا لرجلٍ من الأنصار فإذا جمَلٌ، فلمَّا رأى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حنَّ وذرَفَت عيناه، فأتاه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فمَسَح ذِفْراه فسكَت، فقال: من رَبُّ هذا الجمَلِ؟ لِمَن هذا الجَمَلُ؟ فجاء فتًى من الأنصارِ، فقال: لي يا رَسولَ اللهِ. فقال: أفلا تتَّقي اللهَ في هذه البهيمةِ التي ملَّكَك اللهُ إيَّاها؛ فإنَّه شكى إليَّ أنَّك تُجيعُه وتُدْئِبُه [269] أي: تُتعِبُه بكثرةِ استعمالِه. يُنظَر: ((التحبير لإيضاح معاني التيسير)) للصنعاني (4/440). ) [270] أخرجه أبو داود (2549) واللفظ له، وأحمد (1745). صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (1412)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2549)، والوادعي على شرط مسلم في ((صحيح دلائل النبوة)) (116)، وصحَّح إسناده الحاكم في ((المستدرك)) (2485). وقولُه: (أردفني رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَلْفَه ذاتَ يومٍ، فأسرَّ إليَّ حديثًا لا أحَدِّثُ به أحدًا من الناسِ، وكان أحبُّ ما استتر به رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لحاجتِه هدَفًا أو حائِشَ نَخلٍ) أصله في صحيح مسلم (342) باختلافٍ يسيرٍ. .
إحسانُه في قضائِه:
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كانَ لرَجُلٍ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سِنٌّ مِن الإبِلِ، فجاءَه يَتَقاضاه، فقال: أعْطوه، فطَلَبوا سِنَّه فلم يَجِدوا له إلَّا سِنًّا فَوقَها، فقال: أعطوه، فقال: أوفَيتَني أَوفى اللهُ بك، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ خِيارَكم أحسَنُكم قَضاءً)) [271] أخرجه البخاري (2305) واللفظ له ومسلم (1601). .
إحسانُه في عَفْوِه وصَفْحِه:
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها زوجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، حدَّثَتْه أنَّها قالت لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يا رسولَ اللهِ، هل أتى عليكَ يومٌ كان أشَدَّ من يومِ أُحُدٍ؟ فقال: لقَدْ لَقِيتُ مِن قَومِكِ، وكانَ أَشَدَّ ما لَقِيتُ منهم يَومَ العَقَبَةِ؛ إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي على ابنِ عبدِ يَالِيلَ بنِ عبدِ كُلَالٍ، فلم يُجِبْني إلى ما أرَدْتُ، فانطَلَقْتُ وأنا مَهمومٌ على وَجْهي، فلم أسْتَفِقْ إلَّا بقَرنِ الثَّعَالِبِ، فرَفَعْتُ رَأسي فإذا أنا بسَحابةٍ قد أظَلَّتنِي، فنَظَرْتُ فإذا فيها جِبْريلُ، فناداني، فقال: إنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ قد سمِعَ قَولَ قَومِك لك، وما ردُّوا عليك، وقد بَعَث إليك ملَكَ الجِبالِ لتَأمُرَه بما شِئتَ فيهم، قال: فناداني مَلَكُ الجِبالِ وسَلَّم عَلَيَّ، ثمَّ قال: يا محمَّدُ، إنَّ اللهَ قد سمِعَ قَولَ قَومِك لك، وأنا مَلَكُ الجِبالِ وقد بعثَني ربُّك إليكَ لتَأمُرَني بأمْرِك، فما شِئتَ، إنْ شِئتَ أن أُطبِقَ عليهم الأخشَبَينِ، فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بل أرجو أن يُخرِجَ اللهُ من أصلابِهم من يعبُدُ اللهَ وَحدَه لا يُشرِكُ به شيئًا)) [272] أخرجه البخاري (3231) ومسلم (1794). .

انظر أيضا: