موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- مِن السُّنَّةِ النَّبويَّةِ


وممَّا جاء في حَضِّ النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ على التَّودُّدِ:
1- قال رسولُ اللهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((إذا أحَبَّ الرَّجلُ أخاه فليُخبِرْه أنَّه يُحِبُّه)) [2403] أخرجه أبو داود (5124) واللفظ له، والترمذي (2392)، وأحمد (17171) من حديثِ المقدامِ بنِ مَعدِي كَرِبَ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (570)، وابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (128)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (5124)، وقال الترمذي: (حسَنٌ صحيحٌ غريبٌ). ، معناه: الحَثُّ على التَّودُّدِ والتَّألُّفِ، وذلك أنَّه إذا أخبَره بأنَّه يُحِبُّه استمال بذلك قَلبَه، واجتلَب به وُدَّه [2404] ((معالم السنن)) للخطابي (4/ 149). .
2- عن ابنِ مسعودٍ رضِي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ألا أخبِرُكم بمَن يحرُمُ على النَّارِ، أو بمَن تحرُمُ عليه النَّارُ؟ على كُلِّ قريبٍ هيِّنٍ سَهلٍ)) [2405] رواه الترمذي (2488) واللفظ له، وأحمد (3938). صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (470)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2488)، وحسَّنه بشواهده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (7/ 53)، وقال الترمذيُّ: حسنٌ غريبٌ. ، القريبُ: الذي يُجالِسُ النَّاسَ ويُلاطِفُهم [2406] ((المفاتيح)) للمظهري (5/ 252). ، وسَهلٌ، أي: في البَيعِ والشِّراءِ وقَضاءِ حوائِجِ النَّاسِ، وتمشِيةِ أمورِهم وإعانتِهم [2407] ((النهاية)) لابن الأثير (5/ 290)، ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 307)، ((شرح مصابيح السنة)) لابن الملك (5/ 345). . وهذه الصِّفاتُ مِن أسبابِ التَّوادِّ بَينَ النَّاسِ.
3- وعن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رضِي اللهُ عنهما: أنَّ رجُلًا سأل النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أيُّ الإسلامِ خَيرٌ؟ قال: تُطعِمُ الطَّعامَ، وتقرَأُ السَّلامُ على مَن عرَفْتَ ومَن لم تعرِفْ)) [2408] أخرجه البخاري (12)، ومسلم (39) من حديثِ عبد اللهِ بنِ عمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما. ، فحضَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على التَّودُّدِ والتَّحابُبِ، وعلى أسبابِهما، وبيَّن أنَّ أفضَلَ أخلاقِ المُؤمِنينَ تحبُّبُهم وتوادُّهم وأُلفةُ بعضِهم بعضًا [2409] ((إكمال المعلم)) للقاضي عياض (1/ 276)، ((عمدة القاري)) للعيني (1/ 138). .
4- وعن أبي هُرَيرةَ رضِي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تدخُلونَ الجنَّةَ حتَّى تُؤمِنوا، ولا تُؤمِنوا حتَّى تحابُّوا، أوَلا أدُلُّكم على شيءٍ إذا فعَلْتُموه تحابَبْتُم؟ أفشوا السَّلامَ بَينَكم)) [2410] رواه مسلم (54). .
وفيه أنَّ مِن أسبابِ المحبَّةِ أن يُفشِيَ الإنسانُ السَّلامَ بَينَ إخوانِه، أي: يُظهِرَه ويُعلِنَه، ويُسلِّمَ على مَن لقِيه مِن المُؤمِنينَ [2411] ((شرح رياض الصالحين)) (3/265). .
5- وعن النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رضِي اللهُ عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَثلُ المُؤمِنينَ في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم مَثلُ الجسدِ، إذا اشتكى منه عُضوٌ تداعى له سائِرُ الجسدِ بالسَّهرِ والحُمَّى)) [2412] أخرجه البخاري (6011)، ومسلم (2586) واللفظ له. .
والحديثُ صريحٌ في الحضِّ على التَّوادُدِ والمُلاطَفةِ والتَّراحُمِ، وإنَّما جعَل المُؤمِنينَ كجسدٍ واحِدٍ؛ لأنَّ الإيمانَ يجمَعُهم كما يجمَعُ الجسدُ الأعضاءَ [2413] ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (2/ 212)، ((شرح مسلم)) للنووي (16/ 139). .
6- وعن مَعقِلِ بنِ يَسارٍ رضِي اللهُ عنه، قال: ((جاء رجُلٍ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: إنِّي أصبْتُ امرأةً ذاتَ حَسَبٍ وجمالٍ، وإنَّها لا تلِدُ، أفأتزوَّجُها؟ قال: لا، ثُمَّ أتاه الثَّانيةَ فنهاه، ثُمَّ أتاه الثَّالثةَ، فقال: تزوَّجوا الوَدودَ الوَلودَ؛ فإنِّي مُكاثِرٌ بكم الأمَمَ)) [2414] رواه أبو داود (2050) واللفظ له، والنسائي (3227). صحَّحه ابن حبان (4056)، وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (8/423)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2050)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (1143). .
الوَلودُ: كثيرةُ الوَلدِ، والوَدودُ: فَعولٌ بمعنى مفعولٍ، أي: المودودةُ؛ لِما هي عليه مِن حُسنِ الخُلقِ، والتَّودُّدِ إلى الزَّوجِ [2415] ((نيل الأوطار)) للشوكاني (6/104-105). ، وقيل: الوَدودُ: التي تشتدُّ محبَّتُها لزوجِها [2416] ((الكاشف)) للطيبي (7/ 2263)، ((شرح مصابيح السنة)) لابن الملك (3/ 543). .
7- وعن أبي هُرَيرةَ رضِي اللهُ عنه: ((أنَّ رجُلًا قال: يا رسولَ اللهِ، إنَّ لي قرابةً أصِلُهم ويقطَعوني، وأُحسِنُ إليهم ويُسيئونَ إليَّ، وأحلُمُ عنهم ويجهَلونَ عليَّ، فقال: لئن كُنتَ كما قُلتَ فكأنَّما تُسِفُّهم المَلَّ [2417] تُسِفُّهم المَلَّ: تُطعِمُهم الرَّمادَ الحارَّ. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (16/115). ، ولا يزالُ معَك مِن اللهِ ظَهيرٌ [2418] المُعينُ والدافِعُ لأذاهم. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (16/115). عليهم ما دُمتَ على ذلك)) [2419] أخرجه مسلم (2558). .
فأيَّده النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على تودُّدِه إليهم، وإن لم يجِدْ منهم مُقابِلًا لِما يقومُ به إلَّا الإساءةَ إليه.

انظر أيضا: