موسوعة الأخلاق والسلوك

سابعًا: مظاهِرُ وصُوَرُ التَّواصي بالخيرِ


صُوَرُ التَّواصي بالخيرِ كثيرةٌ لا تكادُ تُحصى، ونقتَصِرُ على ذِكرِ بَعضِها؛ فمن هذه الصُّوَرِ:
1- الوصيَّةُ ببِرِّ الوالِدينِ، والإحسانُ إليهما حتى في حالِ كُفرِهما، مع تَركِ طاعتِهما في غيرِ المعروفِ، قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا [العنكبوت: 8] .
قال ابنُ كثيرٍ: (يقولُ تعالى آمِرًا عبادَه بالإحسانِ إلى الوالِدينِ بَعدَ الحثِّ على التَّمسُّكِ بتوحيدِه؛ فإنَّ الوالِدَينِ هما سبَبُ وجودِ الإنسانِ، ولهما عليه غايةُ الإحسانِ) [2128] ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (6/ 264). .
2- تواصي أبناءِ الأمَّةِ جميعًا بالصَّبرِ فيما بَينَهم بمختَلِفِ أنواعِه، فهو العنوانُ الأبرَزُ لتماسُكِ هذه الأمَّةِ المؤمِنةِ؛ قال تعالى في وَصفِ حالِ المؤمِنينَ: وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [البلد: 17] .
3- تواصي أبناءِ الأمَّةِ فيما بَينَهم بالرَّحمةِ والتَّراحُمِ؛ قال تعالى في وَصفِ حالِ المؤمِنينَ: وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ [البلد: 17] .
قال الزَّمخشَريُّ: (أوصى بعضُهم بعضًا بأن يكونوا مُتراحِمينَ مُتعاطِفينَ، أو بما يؤدِّي إلى رحمةِ اللهِ) [2129] ((الكشاف)) للزمخشري (4/ 757). .
4- الوصيَّةُ بكتابِ اللهِ؛ بحِفظِه، وتكريمِه وصيانتِه، واتِّباعِ أوامِرِه واجتنابِ نواهيه. عن طلحةَ قال: سألتُ عبدَ اللهِ بنَ أبي أوفى رَضِيَ اللهُ عنهما: أوصى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ فقال: لا، فقُلتُ: كيف كَتَب على النَّاسِ الوصيَّةَ، أو أُمِروا بها؟ قال: أوصى بكتابِ اللهِ [2130] أخرجه البخاري (4460) واللفظ له، ومسلم (1634). .
وعن زَيدِ بنِ أرقَمَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((قام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومًا فينا خطيبًا بماءٍ يُدعى خُمًّا بَينَ مكَّةَ والمدينةِ، فحَمِد اللهَ وأثنى عليه، ووَعَظ وذَكَّر، ثمَّ قال: أمَّا بعدُ، ألَا أيُّها النَّاسُ فإنَّما أنا بَشَرٌ يُوشِكُ أن يأتيَ رسولُ رَبِّي فأُجيبَ، وأنا تارِكٌ فيكم ثَقَلينِ: أوَّلُهما كتابُ اللهِ، فيه الهُدى والنُّورُ؛ فخُذوا بكتابِ اللهِ واستَمسِكوا به، فحَثَّ على كتابِ اللهِ ورَغَّب فيه، ثمَّ قال: وأهلُ بيتي، أذَكِّرُكم اللهَ في أهلِ بيتي، أذَكِّرُكم اللهَ في أهلِ بيتي، أذَكِّرُكم اللهَ في أهلِ بيتي)) [2131] أخرجه مسلم (2408). .
5- الوصيَّةُ بعدَمِ استصغارِ شيءٍ من المعروفِ:
عن أبي ذَرٍّ، قال: قال لي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَحقِرَنَّ من المعروفِ شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوَجهٍ طَلْقٍ)) [2132] أخرجه مسلم (2626). .
6- الوصيَّةُ بالجارِ وحُسنِ معامَلتِه، وقد تقدَّم حديثُ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((ما زال يوصيني جِبريلُ بالجارِ، حتَّى ظنَنْتُ أنَّه سيُوَرِّثُه)) [2133] أخرجه البخاري (6014) واللفظ له، ومسلم (2624). .
7- الوصيَّةُ باجتنابِ الظُّلمِ، واتِّقاءِ الشُّحِّ:
عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((اتَّقوا الظُّلمَ؛ فإنَّ الظُّلمَ ظُلُماتٌ يومَ القيامةِ، واتَّقوا الشُّحَّ؛ فإنَّ الشُّحَّ أهلَكَ من كان قَبلَكم، حمَلَهم على أن سَفَكوا دماءَهم واستحَلُّوا محارِمَهم)) [2134] أخرجه مسلم (2578). .
8- الوصيَّةُ بعَدَمِ القَضاءِ بَينَ النَّاسِ في حالِ الغَضَبِ:
عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي بَكْرةَ، قال: كَتَب أبو بَكْرةَ إلى ابنِه، وكان بسِجِسْتانَ، بأن لا تَقضيَ بَينَ اثنَينِ وأنت غَضبانُ؛ فإنِّي سَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((لا يَقضِيَنَّ حَكَمٌ بَينَ اثنينِ وهو غَضبانُ)) [2135] أخرجه البخاري (7158) واللفظ له، ومسلم (1717). .
9- الوصيَّةُ بنَظَرِ الإنسانِ في أمرِ الدُّنيا لمَن هو أدنى منه؛ فإنَّه أجدَرُ أن لا يزدريَ نِعمةَ اللهِ عليه.
عن أبي هُرَيرةَ، عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((إذا نظَرَ أحَدُكم إلى مَن فُضِّل عليه في المالِ والخَلْقِ، فلْيَنظُرْ إلى مَن هو أسفَلَ منه)) [2136] أخرجه البخاري (6490) واللفظ له، ومسلم (2963). .

انظر أيضا: