موسوعة الأخلاق والسلوك

د- نماذِجُ من التَّثَبُّتِ عِندَ العُلَماءِ المتقَدِّمين والمتأخِّرين


تَثَبُّتُ محمَّدِ بنِ أحمَدَ بنِ إبراهيمَ العَسَّالِ في القضاءِ بَيْنَ النَّاسِ:
قال الذَّهَبيُّ ذاكِرًا بعضَ ما كان منه في القضاءِ: (وقيل: إنَّه كان لا يُغلِقُ بابَه عن أحَدٍ، وكان إذا توجَّه على الخَصمِ يمينٌ لا يُحلِفُه ما أمكَنَه، بل يَغرَمُ عنه ما لم يَبلُغْ مائةَ دينارٍ، فإذا بلَغ المائةَ أو جاوزَها كان يتثَبَّتُ ويدافِعُ ويمهِلُ إلى المجلِسِ الثَّاني، ويحَذِّرُ المدَّعى عليه وبالَ اليمينِ، ويخَوِّفُه يومَ الدِّينِ، ويُذَكِّرُه الوقوفَ بَينَ يدَيْ رَبِّ العالَمينَ، ثمَّ يُحلِفُه على كُرهٍ) [1624] ((سير أعلام النبلاء)) (16/9). .
تَثَبُّتُ إسحاقَ بنِ منصورٍ المَرْوَزيِّ في بعضِ المسائِلِ عن الإمامِ أحمَدَ:
قال أبو الوليدِ حَسَّانُ بنُ محمَّدٍ: (سَمِعتُ مشايخَنا يذكُرون أنَّ إسحاقَ بنَ منصورٍ بلَغَه أنَّ أحمَدَ بنَ حنبَلٍ رَجَع عن بعضِ تلك المسائِلِ التي علَّقها عنه، قال: فجَمَع إسحاقُ بنُ منصورٍ تلك المسائِلَ في جِرابٍ وحمَلَها على ظَهرِه وخرج راجِلًا إلى بغدادَ، وهي على ظَهرِه، وعَرَض خطوطَ أحمدَ عليه في كُلِّ مسألةٍ استفتاه فيها، فأقَرَّ له بها ثانيًا، وأُعجِبَ بذلك أحمدُ مِن شَأنِه) [1625] يُنظَر: ((تاريخ بغداد)) للخطيب البغدادي (7/ 386، 387). .
تَثَبُّتُ المَرُّوذيِّ في شأنِ راوٍ:
 قال أبو بكرٍ المَرُّوذيُّ: (سألتُ أبا عبدِ اللهِ عن حُمَيدٍ الخَزَّازِ، قال: كُنَّا نزَلْنا عليه أنا وخَلَفٌ أيَّامَ أبي أسامةَ، وكان أبو أسامةَ يُكرِمُه، قلتُ: يُكتَبُ عنه؟ قال أرجو، وأثنى عليه، قلتُ: إنِّي سألتُ يحيى عنه فحَمَل عليه حَملًا شديدًا، وقال: رجُلٌ سَرَق كتابَ يحيى بنِ آدَمَ من عُبَيدِ بنِ يعيشَ، ثمَّ ادَّعاه، قُلتُ: يا أبا زكريَّا، أنت سَمِعتَ عُبَيدَ بنَ يعيشَ يقولُ هذا؟! قال: لا، ولكِنَّ بعضَ أصحابِنا أخبرني، ولم يكُنْ عندَه حُجَّةٌ غيرُ هذا، فغَضِب أبو عبدِ اللَّهِ، وقال: سُبحانَ اللَّهِ! يُقبَلُ مِثلُ هذا عليه؟! يَسقُطُ رجُلٌ مِثلُ هذا! قُلتُ: يُكتَبُ عنه؟ قال: أرجو) [1626] يُنظَر: ((تاريخ بغداد)) للخطيب البغدادي (9/ 31). .
تَثَبُّتُ أبي القاسِمِ القَزوينيِّ الرَّافِعيِّ فيما ينقُلُه في كتُبِه:
جاء في ترجمتِه أنَّه كان إمامًا في الفِقهِ والتَّفسيرِ والحديثِ والأصولِ وغيرِها، وأنَّه كان طاهِرَ اللِّسانِ في تصنيفِه، كثيرَ الأدَبِ، شديدَ التَّثَبُّتِ والاحترازِ في المنقولاتِ، فلا يُطلِقُ نقلًا عن أحدٍ غالِبًا إلَّا إذا رآه في كلامِه، فإن لم يقِفْ عليه فيه عَبَّر بقولِه: وعن فلانٍ كذا، وكان شديدَ الاحترازِ أيضًا في مراتِبِ التَّرجيحِ [1627] يُنظَر: ((طبقات الشافعية)) لابن قاضى شهبة (2/ 76)، ((طبقات المفسرين)) للداوودي (1/ 342). .
تَثَبُّتُ ابنِ تَيميَّةَ من مقولةٍ منسوبةٍ للجُنَيدِ:
فقد أورد ابنُ تَيميَّةَ ما نُقِل عن الجُنَيدِ مِن قَولِه: انتهى عَقلُ العُقَلاءِ إلى الحَيرةِ، ثمَّ قال: (فهذا ما أعرِفُه من كلامِ الجُنَيدِ، وفيه نظَرٌ: هل قاله؟ ولعلَّ الأشبَهَ أنَّه ليس من كلامِه المعهودِ؛ فإن كان قد قال هذا فأراد عدَمَ العِلمِ بما لم يَصِلْ إليه، لم يُرِدْ بذلك أنَّ الأنبياءَ والأولياءَ لم يحصُلْ لهم يقينٌ ومعرفةٌ وهدًى وعِلمٌ؛ فإنَّ الجُنَيدَ أجَلُّ مِن أن يريدَ هذا، وهذا الكلامُ مردودٌ على مَن قاله) [1628] ((مجموع الفتاوى)) (11/392). .

انظر أيضا: