موسوعة الأخلاق والسلوك

حادِيَ عَشَرَ: مَسائِلُ مُتَفرِّقةٌ


اليأسُ فَقرٌ مُدقِعٌ، والأمَلُ ثَروةٌ حَقيقيَّةٌ:
(قد فَهِمَ رِجالُ الطِّبِّ المُعاصِرِ أثَرَ اليأسِ في خَطَرِه الصِّحِّيِّ وضَرِرِه العُضويِّ، وحَلَّلوا ما يطرَأُ على جِسمِ اليائِسِ مِنِ اضطِرابٍ يقودُه للوَبالِ، فذَكروا أنَّ اليأسَ يُسَبِّبُ الانقِباضَ، ويدعو صاحِبَه إلى الكآبةِ والاحتِجازِ عنِ النَّاسِ، فإذا خَلا بنَفسِه تَصَوَّرَ أنَّه أتعَسُ شَخصٍ في الوُجودِ، وبالغَ في تَصَوُّرِه فيضيقُ صَدرُه، وتَزيدُ سُرعةُ النَّبَضاتِ في قَلبِه، وتَنخَفِضُ حَرارَتُه شَيئًا فشَيئًا، ثُمَّ يفقِدُ شَهيَّةَ الطَّعامِ، وتَتَكاسَلُ الكَبِدُ تِلقائيًّا عن أداءِ وظيفتِها، فيَعقُبُ ذلك هبوطٌ تَدريجيٌّ يتبَعُه ارتِجافُ الأعصابِ.
والذين يُؤَكِّدونَ ذلك مِن رِجالِ الطِّبِّ لا يَصدُرونَ عن خَيالٍ رِوائيٍّ، بل ينقُلونَ حالاتٍ حَيَّةً عُرِضَت أمامَهم وأدرَكوا ما دَعا إليها مِنَ البَواعِثِ، وما وصَلت إليه في النِّهايةِ مِن خَطَرٍ مُنذِرٍ بالفَناءِ، فإذا كان اليأسُ داعيةَ ذلك كُلِّه، فلماذا لا نَلجَأُ إلى السَّماءِ آمِلينَ لتَمُدَّنا بالعَونِ؟ ولماذا لا نَبحَثُ عن أسبابِ التَّفاؤُلِ دونَ أن نَستَغرِقَ في هذا التَّشاؤُمِ المُطبقِ؟ فقد يجعَلُ اللهُ بَعدَ عُسرٍ يُسرًا، وفي الحَياةِ شَواهِدُ تَنطِقُ بانفِراجِ الأزَماتِ وانتِهاءِ الشَّدائِدِ، وفي ذِكرِ اللهِ اطمِئنانٌ (لليائِسِ)؛ لأنَّه يذكُرُ مَن يعلَمُ حالتَه ومَن يستَطيعُ أن يُنقِذَه مِن شَرِّه الوبيلِ.
إنَّ الإنسانَ يسيرُ في الطَّريقِ رائِحًا غاديًا يتَصَفَّحُ وُجوهَ النَّاسِ، فيعرِفُ اليائِسَ المُعَذَّبَ، ويعرِفُ الآمِلَ السَّعيدَ؛ إذ يرى اليائِسَ مُتَجَهِّمَ الأساريرِ، مُتَعَثِّرَ الخُطواتِ، يُحَدِّثُه زَميلُه فلا يستَوعِبُ حَديثَه، ويُكلِّمُه جَليسُه فيقتَضِبُ الرَّدَّ، كمَن يُحاوِلُ التَّخَلُّصَ مِنَ الحِوارِ، كما يرى الآمِلَ المُتَفتِّحَ مُبتَهِجَ النَّفسِ، مُشرِقَ الطَّلعةِ، يبدَأُ بالتَّحيَّةِ ويستَمِعُ فيُصغي في ابتِسامٍ، ويرُدُّ في اطمِئنانٍ، وقد يكونُ هذا الباسِمُ السَّعيدُ مِمَّن لا يملِكونَ غَيرَ قوتِ اليومِ، ولكِنَّه يأمُلُ في الغَدِ، على حينِ تَرى مِنَ اليائِسينَ مَن يملِكونَ القَناطيرَ المُقَنطَرةَ مِنَ المالِ، ثُمَّ لا تَستَطيعُ أن تَمحوَ سُهومَهم الكالِحَ وعُبوسَهمُ الكريهَ! فالأمَلُ ثَروةٌ حَقيقيَّةٌ، بدونِها يكونُ الغَنيُّ أفقَرَ الفُقَراءِ، واليأسُ فَقرٌ مُدقِعٌ لا تَدفعُه خَزائِنُ المالِ ولا بُنوكُ الاستِثمارِ، وفي أخلاقِ القُرآنِ ما يطرُدُ اليأسَ ويُحيي الأمَلَ.
لو أقبَلتِ النُّفوسُ على هَديِ الكِتابِ لوجَدَت فيه أمنًا مِن خَوفٍ، وفرَجًا من ضِيقٍ: وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت: 35] ) [7506] ((من القيم الإنسانية في الإسلام)) (2/ 86، 87). .
ذِكرُ نُصوصِ الوعيدِ والعذابِ:
قال البُخاريُّ: (كان العَلاءُ بنُ زيادٍ يذكُرُ النَّارَ، فقال رَجُلٌ: لمَ تُقَنِّطُ النَّاسَ؟ قال: وأنا أقدِرُ أن أُقنِّطَ النَّاسَ، واللهُ عَزَّ وجَلّ يقولُ: قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر: 53] ،ويقولُ: وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ [غافر: 43] ، ولكِنَّكم تُحِبُّونَ أن تُبَشَّروا بالجَنَّةِ على مَساوِئِ أعمالِكم، وإنَّما بَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُبَشِّرًا بالجَنَّةِ لمَن أطاعَه، ومُنذِرًا بالنَّارِ مَن عَصاه) [7507] رواه البخاري معلَّقًا بصيغة الجزم قبل حديث (4815). .

انظر أيضا: