موسوعة الأخلاق والسلوك

د- نماذِجُ من التَّأنِّي عندَ السَّلَفِ والعُلَماءِ


- تأنِّي أبي حنيفةَ:
فقد رأى أبو حنيفةَ ابنَه حمَّادًا يناظِرُ في الكلامِ فنهاه، فقال: رأيتُك تناظِرُ في الكلامِ وتنهاني، فقال: (كُنَّا نناظِرُ وكأنَّ على رُؤوسِنا الطَّيرَ مخافةَ أن يَزِلَّ صاحِبُنا، وأنتم تناظِرون وتريدون زَلَّةَ صاحِبِكم!) [1489] يُنظَر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/1345). .
قال الخادِميُّ: («كأنَّ الطَّيرَ على رأسِنا» قيل: مَثَلٌ لكمالِ التَّأنِّي في الأمورِ والتَّدبُّرِ فيها؛ لئلَّا يقَعَ في الهَلَكةِ وشَيءٍ من خَطَرِه، كقَصدِ تغليطِ الخَصمِ وتخجيلِه، والتَّفوُّقِ عليه، وإيقاعِ الزَّلَّةِ عليه) [1490] ((بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية)) (1/257). .
- تأنِّي محمَّدِ بنِ أحمدَ بنِ إبراهيمَ العَسَّالِ وتثبُّتُه في القضاءِ بَينَ النَّاسِ:
قال الذَّهَبيُّ ذاكِرًا بعضَ ما كان منه في القضاءِ: (وقيل: إنَّه كان لا يُغلِقُ بابَه عن أحَدٍ، وكان إذا توجَّه على الخَصمِ يمينٌ لا يُحلِفُه ما أمكَنَه، بل يَغرَمُ عنه ما لم يَبلُغْ مائةَ دينارٍ، فإذا بلَغ المائةَ أو جاوزَها كان يتثَبَّتُ ويدافِعُ ويمهِلُ إلى المجلِسِ الثَّاني، ويحَذِّرُ المدَّعى عليه وبالَ اليمينِ، ويخَوِّفُه يومَ الدِّينِ، ويُذَكِّرُه الوقوفَ بَينَ يدَيْ رَبِّ العالَمينَ، ثمَّ يُحلِفُه على كُرهٍ) [1491] ((سير أعلام النبلاء)) (16/9). .
- تأنِّي ابنِ تيميَّةَ في تفسيرِ كلامٍ منسوبٍ للجُنَيدِ يخالِفُ معهودَ كَلامِه:
فقد أورد ابنُ تيميَّةَ نقلًا عن الجُنَيدِ من قَولِه: انتهى عَقلُ العُقلاءِ إلى الحِيرةِ.
ثمَّ قال: (فهذا ما أعرِفُه من كلامِ الجُنَيدِ، وفيه نظَرٌ: هل قاله؟ ولعلَّ الأشبَهَ أنَّه ليس من كلامِه المعهودِ؛ فإن كان قد قال هذا فأراد عدَمَ العِلمِ بما لم يَصِلْ إليه، لم يُرِدْ بذلك أنَّ الأنبياءَ والأولياءَ لم يحصُلْ يقينٌ ومعرفةٌ وهدًى وعِلمٌ؛ فإنَّ الجُنَيدَ أجَلُّ مِن أن يريدَ هذا، وهذا الكلامُ مردودٌ على من قاله) [1492] ((مجموع الفتاوى)) (11/392). .

انظر أيضا: