موسوعة الأخلاق والسلوك

ثاني عَشَرَ: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ


1- لماذا شُرِع هَجرُ المُسلِمِ لبِدعتِه ومعصيتِه ولم يُشرَعْ هَجرُ الكافرِ مع كُفرِه؟
قال ابنُ حَجَرٍ: (قد استُشكِلَ كَونُ هِجْرانِ الفاسِقِ أو المبتَدِعِ مَشروعًا، ولا يُشرَعُ هِجْرانُ الكافِرِ وهو أشَدُّ جرمًا منهما؛ لكونِهما من أهلِ التَّوحيدِ في الجملةِ، وأجاب ابنُ بَطَّالٍ بأنَّ للهِ أحكامًا فيها مصالِحُ للعبادِ وهو أعلَمُ بشأنِها، وعليهم التَّسليمُ لأمرِه فيها، فجَنَح إلى أنَّه تعبُّدٌ لا يُعقَلُ معناه، وأجاب غيرُه بأنَّ الهِجرانَ على مرتبتَينِ: الهِجرانُ بالقَلبِ، والهِجرانُ باللِّسانِ؛ فهِجْرانُ الكافِرِ بالقَلبِ وبتَركِ التَّودُّدِ والتَّعاوُنِ والتَّناصُرِ لا سيما إذا كان حربيًّا، وإنَّما لم يُشرَعْ هِجْرانُه بالكلامِ لعَدَمِ ارتداعِه بذلك عن كُفرِه، بخلافِ العاصي المُسلِمِ؛ فإنَّه ينزَجِرُ بذلك غالِبًا، ويشترِكُ كُلٌّ من الكافِرِ والعاصي في مشروعيَّةِ مكالمتِه بالدُّعاءِ إلى الطَّاعةِ والأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ، وإنما المشروعُ تركُ المكالمةِ بالموادَّةِ ونحوِها) [7180] ((فتح الباري)) (10/497). ويُنظَر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (9/ 273). .
2- بذلُ النَّصيحةِ للعالِمِ إذا زَلَّ دونَ هَجْرِه:
إذا زَلَّ العالِمُ فإنَّ هذا لا يستلزِمُ هَجرَه واطِّراحَ ما عدا ذلك من عُلومِه النَّافعةِ، كما يفعَلُ الغُلاةُ من المنتَسِبين إلى طَلَبِ العِلمِ، وما زال العُلَماءَ يُنَبِّهون على خطأِ الأئمَّةِ مع الاستفادةِ من عِلمِهم وفَضلِهم، ولو سلَكوا مسلَكَ الهَجْرِ لهُدِّمَت أصولٌ وأركانٌ، ولتقَلَّصَ ظِلُّ العِلمِ في الإسلامِ، وأصبح الاختلالُ واضِحًا للعِيانِ [7181] يُنظَر: ((تصنيف الناس بَيْنَ الظن واليقين)) لبكر أبو زيد (ص: 91)، ((الإعلام بحرمة أهل العلم والإسلام)) لمحمد بن إسماعيل المقدم (ص: 374). .
وتُبذَلُ النَّصيحةُ للعُلَماءِ وعامَّةِ المُسلِمين؛ قال السَّعديُّ: (من أهَمِّ قواعِدِ الدِّينِ وأجَلِّ شرائعِ المُرسَلين: النَّصيحةُ لكافَّةِ الأمَّةِ، والسَّعيُ في جمعِ كَلِمةِ المُسلِمين، وحصولُ التَّآلُفِ بَيْنَهم، وإزالةُ ما بَيْنَهم من التَّباغُضِ والتَّشاحُنِ والإحَنِ. وهذا الأصلُ من أعظَمِ معروفٍ يُؤمَرُ به، وإضاعتُه من أعظَمِ مُنكَرٍ يُنهى عنه، وهذا من فُروضِ الأعيانِ اللَّازمةِ لكلِّ الأمَّةِ؛ عُلَمائِها ووُلاتِها وعَوامِّها، بل هي قاعدةٌ لا يتِمُّ الإيمانُ إلَّا بها، فتَجِبُ مراعاتُها عِلمًا وعَمَلًا، وإنما كان الأمرُ كذلك لِما في ذلك من المصالحِ الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ التي لا يمكِنُ حَصرُها، وفي إضاعتِه من المضارِّ الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ ما لا يمكِنُ عَدُّها) [7182] يُنظَر: ((مجموع مؤلفات الشيخ السعدي)) (26/66، 67). .
3- متى يزولُ الهَجْرُ؟
قال ابنُ حَجَرٍ: (قال أكثَرُ العُلَماءِ: تَزولُ الهِجْرةُ بمُجَرَّدِ السَّلامِ ورَدِّه، وقال أحمَدُ: لا يبرَأُ من الهِجْرةِ إلَّا بعودِه إلى الحالِ التي كان عليها أوَّلًا، وقال أيضًا: تَركُ الكلامِ إن كان يؤذيه لم تنقَطِعِ الهِجْرةُ بالسَّلامِ، وكذا قال ابنُ القاسِمِ) [7183] ((فتح الباري)) (10/ 496). .

انظر أيضا: