موسوعة الأخلاق والسلوك

حادِيَ عَشَرَ: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ


1- اجتِماعُ النِّفاقِ والإيمانِ
قال ابنُ تَيميَّةَ: (وقد يجتَمِعُ في العبدِ نِفاقٌ وإيمانٌ،... وطوائِفُ أهلِ الأهواءِ من الخوارجِ، والمعتَزِلةِ، والجَهميَّةِ، والمُرجِئةِ، كرَّامِيِّهم وغيرِ كرَّامِيِّهم، يقولون: إنَّه لا يجتَمِعُ في العبدِ إيمانٌ ونفاقٌ، ومنهم من يدَّعي الإجماعَ على ذلك، وقد ذكَر أبو الحسَنِ في بعضِ كُتُبِه الإجماعَ على ذلك، ومن هنا غلِطوا فيه وخالفوا فيه الكتابَ والسُّنَّةَ وآثارَ الصَّحابةِ والتَّابعين لهم بإحسانٍ، مع مخالفةِ صريحِ المعقولِ) [6902] ((الإيمان)) (ص: 277، 278). .
والمرادُ بالنِّفاقِ هنا النِّفاقُ العَمَليُّ؛ قال ابنُ القَيِّمِ: (قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فمَن كانت فيه خَصلةٌ منهنَّ كانت فيه خَصلةٌ من النِّفاقِ)). دلَّ على أنَّه يجتَمِعُ في الرَّجُلِ نِفاقٌ وإسلامٌ) [6903] ((الصلاة وأحكام تاركها)) (ص: 61) بتصرُّفٍ يسيرٍ. .
2- إشكالٌ في حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو في خِصالِ النِّفاقِ
عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أربَعٌ مَن كُنَّ فيه كان مُنافِقًا خالِصًا، ومَن كانت فيه خَصلةٌ منهنَّ كانت فيه خصلةٌ من النِّفاقِ حتَّى يدَعَها: إذا اؤتُمِن خان، وإذا حدَّث كَذَب، وإذا عاهَد غدَر، وإذا خاصَم فجَر)) [6904] أخرجه البخاري (34) واللفظ له، ومسلم (58). .
قال النَّوويُّ: (هذا الحديثُ ممَّا عدَّه جماعةٌ من العُلَماءِ مُشكِلًا من حيثُ إنَّ هذه الخصالَ توجَدُ في المُسلِمِ المصَدِّقِ الذي ليس فيه شكٌّ، وقد أجمع العُلَماءُ على أنَّ من كان مصَدِّقًا بقلبِه ولسانِه وفعَل هذه الخصالَ، لا يُحكَمُ عليه بكُفرٍ، ولا هو مُنافِقٌ يخلَّدُ في النَّارِ؛ فإنَّ إخوةَ يُوسُفَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جمعوا هذه الخِصالَ، وكذا وُجِد لبعضِ السَّلَفِ والعُلَماءِ بعضُ هذا أو كُلُّه، وهذا الحديثُ ليس فيه -بحمدِ اللهِ تعالى- إشكالٌ، ولكن اختلف العُلَماءُ في معناه؛ فالذي قاله المحَقِّقون والأكثرون -وهو الصَّحيحُ المختارُ-: إنَّ معناه أنَّ هذه الخصالَ خِصالُ نِفاقٍ وصاحِبُها شبيهٌ بالمُنافِقين في هذه الخِصالِ، ومتخَلِّقٌ بأخلاقِهم؛ فإنَّ النِّفاقَ هو إظهارُ ما يُبطَنُ خِلافُه، وهذا المعنى موجودٌ في صاحبِ هذه الخِصالِ، ويكونُ نفاقُه في حَقِّ من حَدَّثه ووعَده وائتَمَنه وخاصَمَه وعاهَدَه من النَّاسِ، لا أنَّه مُنافِقٌ في الإسلامِ فيُظهِرُه وهو يُبطِنُ الكُفرَ، ولم يُرِدِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بهذا أنَّه مُنافِقٌ نِفاقَ الكُفَّارِ المُخَلَّدين في الدَّركِ الأسفَلِ من النَّارِ ... فهذا هو المختارُ في معنى الحديثِ) [6905] ((شرح النووي على مسلم)) (2/46-47). .
3- سؤالٌ في حديثِ أبي هُرَيرةَ
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((آيةُ المُنافِقِ ثلاثٌ: إذا حَدَّث كَذَب، وإذا وَعَد أخلَفَ، وإذا اؤتُمِن خان)) [6906] أخرجه البخاري (33)، ومسلم (59). .
قال ابنُ حَجَرٍ: (فإنْ قيلَ: ظاهِرُه الحَصرُ في الثَّلاثِ، فكيف جاء في الحديثِ الآخَرِ بلفظِ: أربعٌ مَن كُنَّ فيه... الحديث؟ أجاب القُرطبيُّ باحتمالِ أنَّه استجَدَّ له صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من العِلمِ بخصالِهم ما لم يكُنْ عندَه، وأقولُ: ليس بَيْنَ الحديثينِ تعارُضٌ؛ لأنَّه لا يلزَمُ مِن عَدِّ الخَصلةِ المذمومةِ الدَّالَّةِ على كمالِ النِّفاقِ كونُها علامةً على النِّفاقِ؛ لاحتمالِ أن تكونَ العلاماتُ دالَّاتٍ على أصلِ النِّفاقِ، والخصلةُ الزَّائدةُ إذا أضيفَت إلى ذلك كَمَل بها خُلوصُ النِّفاقِ، على أنَّ في روايةِ مُسلِمٍ من طريقِ العلاءِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ عن أبيه عن أبي هُرَيرةَ ما يدُلُّ على إرادةِ عَدَمِ الحَصرِ؛ فإنَّ لفظَه: من علامةِ المُنافِقِ ثلاثٌ ... وإذا حُمِل اللَّفظُ الأوَّلُ على هذا لم يَرِدِ السُّؤالُ، فيكونُ قد أخبر ببعضِ العلاماتِ في وقتٍ، وببعضِها في وقتٍ آخَرَ، وقال القُرطبيُّ أيضًا والنَّوويُّ: حصل من مجموعِ الرَّوايتينِ خَمسُ خِصالٍ؛ لأنَّهما توارَدَتا على الكَذِبِ في الحديثِ، والخيانةِ في الأمانةِ، وزاد الأوَّلُ الخُلفَ في الوَعدِ، والثَّاني: الغَدرَ في المعاهدةِ، والفُجورَ في الخُصومةِ، قُلتُ: وفي روايةِ مُسلِمٍ: الثَّاني بَدَلَ الغَدْرِ في المعاهَدةِ الخُلفُ في الوَعدِ، كما في الأوَّلِ، فكأنَّ بعضَ الرُّواةِ تصَرَّف في لفظِه؛ لأنَّ معناهما قد يتَّحِدُ، وعلى هذا فالمزيدُ خَصلةٌ واحدةٌ، وهي الفُجورُ في الخُصومةِ، والفُجورُ: الميلُ عن الحَقِّ والاحتيالُ في ردِّه، وهذا قد يندَرِجُ في الخَصلةِ الأُولى، وهي الكَذِبُ في الحديثِ) [6907] ((فتح الباري)) (1/ 89). .

انظر أيضا: