موسوعة الأخلاق والسلوك

عاشِرًا: أخطاءٌ شائعةٌ حولَ النِّفاقِ


1- اعتقادُ المُسلِمِ بعضَ الأمورِ تحصُلُ منه أنَّها من النِّفاقِ، وليست كذلك؛ كاختلافِ حالِ القَلبِ وحضورِه، ورقَّتِه وخُشوعِه عِندَ سماعِ الذِّكرِ، وتغَيُّرِه برُجوعِه إلى الدُّنيا والاشتغالِ بالأهلِ والأولادِ والأموالِ، فعن حَنظلةَ الأُسَيديِّ قال -وكان من كُتَّابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، قال: ((لَقِيني أبو بكرٍ، فقال: كيف أنت يا حنظلةُ؟ قال: قُلتُ: نافَق حَنظَلةُ، قال: سُبحانَ اللهِ! ما تقولُ؟! قال: قلتُ: نكونُ عِندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يُذَكِّرُنا بالنَّارِ والجنَّةِ، حتَّى كأنَّا رأيَ عَينٍ، فإذا خرَجْنا من عِندِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عافَسْنا [6896] أي: عالجْنا ذلك ولَزِمْناه. وقيل: لاعَبْناهم. يُنظر: ((مطالع الأنوار على صحاح الآثار)) لابن قُرْقُول (5/ 26). الأزواجَ والأولادَ والضَّيعاتِ، فنَسِينا كثيرًا، قال أبو بكرٍ: فواللهِ إنَّا لنلقى مثلَ هذا، فانطلَقتُ أنا وأبو بكرٍ حتى دخَلْنا على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قُلتُ: نافَق حنظَلةُ يا رسولَ اللهِ! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وما ذاك؟ قلتُ: يا رسولَ اللهِ، نكونُ عندك، تُذَكِّرُنا بالنَّارِ والجنَّةِ، حتَّى كأنَّا رأيَ عينٍ، فإذا خرَجْنا من عندِك عافَسْنا الأزواجَ والأولادَ والضَّيعاتِ، نَسِينا كثيرًا! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: والذي نفسي بيَدِه إنْ لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذِّكرِ، لصافحَتْكم الملائكةُ على فُرُشِكم وفي طُرُقِكم، ولكِنْ يا حنظَلةُ ساعةٌ وساعةٌ)) ثلاثَ مرَّاتٍ [6897] أخرجه مسلم (2750). .
قال القاضي عياضٌ: (قولُه: «نافَق حنظَلةُ»: أي بما ظهر منه بحضرةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الخوفِ، خِلافَ ما كان منه في منزلِه وانفرادِه، خَشِيَ النِّفاقَ؛ إذ أصلُه إظهارُ شَيءٍ وكَتمُ غيرِه وسترُه، فأعلَمَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ الحالَ منهم لا تقتضي بقاءَهم على وتيرةٍ واحدةٍ، وأنَّ مِثلَ هذا ليس بنفاقٍ) [6898] يُنظَر: ((إكمال المعلم)) (8/250). .
وقال ابنُ الجوزيِّ: (قولُه: «ساعةٌ وساعةٌ» معناه: ساعةٌ لقُوَّةِ اليقظةِ، وساعةٌ للمُباحِ وإن أوجبت بعضَ الغفلةِ، وهذا لأنَّ الإنسانَ لو حقَّق مع نفسِه ما بَقِيَ؛ فلا بدَّ للمتيقِّظِ من التَّعرُّضِ لأسبابِ الغفلةِ ليُعدِّلَ ما عندَه، ومن أين يقدِرُ على الأكلِ والشُّربِ والجِماعِ مَن يرى الأمرَ كأنَّه مُعايِنٌ؟! وإنَّ من الغفلةِ لنِعمةً عظيمةً، إلَّا أنَّها إذا زادت أفسَدَت، إنما ينبغي أن تكونَ بمقدارِ ما يُعَدِّلُ) [6899] يُنظَر: ((كشف المشكل)) (4/229، 230). .
2- الاعتقادُ بأنَّ الوقوعَ في خصلةٍ من خصالِ النِّفاقِ ولو مرَّةً واحدةً يستَحِقُّ صاحبُها الوصفَ بالنِّفاقِ، وقد أجاب العُلَماءُ على ذلك عِندَ الحديثِ عن خصالِ النِّفاقِ، ومتى يوصَفُ فاعلُها بالمُنافِقِ، وذلك باعتبارَينِ:
الاعتبارُ الأوَّلُ: أن يكونَ ما يفعَلُه منها عن قصدٍ وعزمٍ بغيرِ عُذرٍ؛ فعلى سبيلِ المثالِ إخلافُ الوعدِ هذا يُنَزَّلُ على عَزمِ الخُلفِ أو تَركِ الوفاءِ من غيرِ عُذرٍ، فأمَّا من عزَم على الوفاءِ فعَنَّ له عذرٌ منعَه من الوفاءِ، لم يكُنْ مُنافِقًا وإن جرى عليه ما هو صورةُ النِّفاقِ، ولكِنْ ينبغي أن يحترِزَ من صورةِ النِّفاقِ أيضًا كما يتحَرَّزُ من حقيقتِه، ولا ينبغي أن يجعَلَ نفسَه معذورًا من غيرِ ضرورةٍ حاجزةٍ [6900] ((إحياء علوم الدين)) (3/133). .
الاعتبارُ الثَّاني: أن تكونَ هذه الخِصالُ ديدَنًا له، وعادةً غالبةً عليه يفعَلُها مستَخِفًّا بفِعلِها ومتهاوِنًا بها [6901] ((فتح الباري)) (1/90-91). ويُنظَر: ((أعلام الحديث)) للخطابي (1/ 164-168)، ((الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري)) للكرماني (1/ 148). .

انظر أيضا: