موسوعة الأخلاق والسلوك

ثانيًا: الفَرْقُ بَيْنَ المَكْرِ والكَيدِ وبَعضِ الصِّفاتِ


الفَرْقُ بَيْنَ المَكْرِ والكَيدِ:
المَكْرُ مِثلُ الكَيدِ في أنَّه لا يكونُ إلَّا مع تدبُّرٍ وفِكرٍ، إلَّا أنَّ الكَيدَ أقوى من المَكْرِ.
الكَيدُ يتعَدَّى بنفسِه، والمَكْرُ يتعَدَّى بحَرفٍ، فيقالُ: كادَه يَكيدُه، ومكَرَ به، ولا يقالُ: مَكَره والذي يتعدَّى بنفسِه أقوى.
المَكْرُ أيضًا: تقديرُ ضَرَرِ الغيرِ من أن يفعَلَ به، ألا ترى أنَّه لو قال له: أقدِرُ أن أفعَلَ بك كذا، لم يكُنْ ذلك مَكرًا، وإنَّما يكونُ مَكرًا إذا لم يُعلِمْه به.
والكَيدُ: اسمٌ لإيقاعِ المَكْروهِ بالغيرِ قَهرًا، سواءٌ عَلِم أو لا [6668] ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص: 259). .
قال الزُّبيديُّ: (قال شيخُنا ابنُ الطَّيِّبِ الفاسيُّ: وظاهِرُ كلامِهم أنَّ الكَيدَ والمَكْرَ مترادفانِ، وهو الظَّاهِرُ، وقد فَرَّق بَيْنَهما بعضُ فُقَهاءِ اللُّغةِ، فقال: الكَيدُ: المضَرَّةُ، والمَكْرُ: إخفاءُ الكَيدِ وإيصالُ المضَرَّةِ، وقيل: الكَيدُ: الأخذُ على خَفاءٍ، ولا يُعتَبَرُ فيه إظهارُ خِلافِ ما أبطَنه، ويُعتَبَرُ ذلك في المَكْرِ. واللَّهُ أعلَمُ) [6669] ((تاج العروس)) (9/122). .
الفَرْقُ بَيْنَ المَكْرِ والحِيَلِ:
أنَّ مِن الحِيَلِ ما ليس بمَكرٍ، وهو أن يُقَدِّرَ نَفعَ الغيرِ لا مِن وَجهِه، فيُسَمَّى ذلك حيلةً مع كونِه نَفعًا، والمَكْرُ لا يكونُ نَفعًا.
أنَّ المَكْرَ بقَدرِ ضَرَرِ الغيرِ مِن غيرِ أن يُعلَمَ به، وسواءٌ كان من وجهِه أو لا. والحيلةُ لا تكونُ من غيرِ وَجهِه [6670] ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص: 260). .
الفَرْقُ بَيْنَ المَكْرِ والغَدرِ:
أنَّ الغَدرَ نَقضُ العَهدِ الذي يجبُ الوفاءُ به.
والمَكْرُ: قد يكونُ ابتداءً من غيرِ عَقدٍ [6671] ((معجم الفروق اللغوية للعسكري)) لبيت الله بيات (ص: 509). .
الفَرْقُ بَيْنَ الخِداعِ والكَيدِ:
الخِداعُ: هو إظهارُ ما يُبطَنُ خِلافُه، أراد اجتلابَ نَفعٍ أو دَفعَ ضُرٍّ، ولا يقتضي أن يكونَ بعدَ تدَبُّرٍ ونَظَرٍ وفِكرٍ؛ ألا ترى أنَّه يقالُ: خدَعَه في البيعِ: إذا غَشَّه من جَشَعٍ، وأوهمه الإنصافَ، وإن كان ذلك بديهةً من غيرِ فِكرٍ ونَظَرٍ، والكَيدُ لا يكونُ إلَّا بعدَ تدَبُّرٍ وفِكرٍ ونظَرٍ؛ ولهذا قال أهلُ العَرَبيَّةِ: الكَيدُ التَّدبيرُ على العدُوِّ، وإرادةُ إهلاكِه، وسُمِّيَت الحِيَلُ التي يفعَلُها أصحابُ الحُروبِ بقَصدِ إهلاكِ أعدائِهم: مكايدَ؛ لأنَّها تكونُ بعدَ تدَبُّرٍ ونظَرٍ، ويجيءُ الكَيدُ بمعنى الإرادةِ، ويجوزُ أن يقالَ: الكَيدُ: الحيلةُ التي تُقَرِّبُ وقوعَ المقصودِ به من المَكْروهِ، وهو من قولِهم: كاد يفعَلُ كذا، أي: قَرُب، إلَّا أنَّه قيلَ في هذا: يَكادُ، وفي الأُولى: يَكيدُ؛ للتَّصَرُّفِ في الكلامِ، والتَّفرقةِ بَيْنَ المعنيَينِ.
 ويجوزُ أن يقالَ: إنَّ الفَرْقَ بَيْنَ الخِداعِ والكَيدِ أنَّ الكَيدَ اسمٌ لفِعلِ المَكْروهِ بالغَيرِ قَهرًا، تقولُ: كايَدَني فلانٌ، أي: ضَرَّني قَهرًا، والخديعةُ اسمٌ لفِعلِ المَكْروهِ بالغيرِ مِن غيرِ قَهرٍ، بل بأن يريدَ بأنَّه ينفَعُه، ومنه الخديعةُ في المعاملةِ، وسَمَّى اللَّهُ تعالى قَصْدَ أصحابِ الفِيلِ مكَّةَ كَيدًا في قولِه تعالى: أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ [الفيل: 3] ، وذلك أنَّه كان على وَجهِ القَهرِ [6672] ((الفروق اللغوية)) للعسكري (1/258، 259). .

انظر أيضا: