موسوعة الأخلاق والسلوك

ثامنًا: مَسائِلُ مُتَفَرِّقةٌ


صِفاتُ اللَّئيمِ:‌
يوصَفُ اللَّئيمُ بصِفاتٍ سَيِّئةٍ؛ مِنها الظُّلمُ للضَّعيفِ، وقِلَّةُ المُروءةِ والكِبرُ، والخيانةُ، وغَيرُها مِنَ الصِّفاتِ التي لا تليقُ بالكَريمِ، قال الجاحِظُ: (ومِن صِفةِ اللَّئيمِ أن يظلِمَ الضَّعيفَ، ويظلِمَ نفسَه للقويِّ، ويقتُلَ الصَّريعَ، ويُجهِزَ على الجَريحِ... فإذا رَأيتَه يَعُقُّ أباه، ويحسُدُ أخاه، ويظلِمُ الضَّعيفَ، ويستَخِفُّ بالأديبِ، فلا تُبعِدْه مِن الخيانةِ؛ إذ كانت الخيانةُ لُؤمًا، ولا مِن الكَذِبِ؛ إذ كان الكَذِبُ لُؤمًا، ولا مِن النَّميمةِ؛ إذ كانت النَّميمةُ لُؤمًا، ولا تأمَنْه على الكُفرِ؛ فإنَّه ألأمُ اللُّؤمِ، وأقبَحُ الغَدرِ.
ومِن رَأيتَه مُنصَرِفًا عن بَعضِ اللُّؤمِ، وتارِكًا لبَعضِ القَبيحِ، فإيَّاك أن توَجِّهَ ذلك منه على التَّجَنُّبِ له، والرَّغبةِ عنه والإيثارِ لخِلافِه، ولكن على أنَّه لا يشتَهيه أو لا يقدِرُ عليه، أو يخافُ مِن مَرارةِ العاقِبةِ أمرًا يُعفي على حَلاوةِ العاجِلِ؛ لأنَّ اللُّؤمَ كُلَّه أصلٌ واحِدٌ وإن تفَرَّقَت فُروعُه، وجِنسٌ واحِدٌ وإنِ اختَلَفَت صوَرُه، والفِعلُ مَحمولٌ على غَلَبَتِه تابِعٌ لسَمتِه، والشَّكلُ ذاهِبٌ على شَكلِه مُنقَطِعٌ إلى أصلِه، صائِرٌ إليه وإن أبطَأ عنه، ونازِعٌ إليه وإن حِيلَ دونَه. وكذلك تَناسُبُ الكَرَمِ وحنينُ بَعضِه لبَعضٍ) [6483] ((الرسائل الأدبية)) للجاحظ (136). .
وقال أبو حاتمٍ: (الكَريمُ مَن أعطاه شَكَره، ومَن مَنَعه عَذَره، ومَن قَطَعَه وصَلَه، ومَن وصَلَه فضَّله، ومَن سَألَه أعطاه، ومَن لم يسأَلْه ابتَدَأه، وإذا استَضعَفَ أحَدًا رَحِمَه، وإذا استَضعَفه أحَدٌ رأى المَوتَ أكرَمَ له منه، واللَّئيمُ بضِدِّ ما وصَفْنا مِن الخِصالِ كُلِّها) [6484] ((روضة العقلاء)) (ص: 174). .
وقالوا: (اللَّئيمُ كَذوبُ الوَعدِ، خَؤونُ العَهدِ، قَليلُ الرِّفدِ، وقالوا: اللَّئيمُ إذا استَغنى بَطِرَ، وإذا افتَقَرَ قَنِط، وإذا قال أفحَشَ، وإذا سُئِل بَخِل، وإن سَألَ ألَحَّ، وإن أُسدِيَ إليه صَنيعٌ أخفاه، وإن استُكتِم سِرًّا أفشاه، فصَديقُه منه على حَذَرٍ، وعَدوُّه منه على غَرَرٍ) [6485] ((نهاية الأرب)) للنويري (3/267، 268). .
من علاماتِ اللُّؤمِ:
قال بَعضُ الحُكَماءِ: (أربَعةٌ مِن عَلاماتِ اللُّؤمِ: إفشاءُ السِّرِّ، واعتِقادُ الغَدرِ، وغِيبةُ الأحرارِ، وإساءةُ الجِوارِ) [6486] ((نهاية الأرب)) للنويري (3/267). .
وقال ابنُ المُقَفَّعِ: (مِن عَلاماتِ اللَّئيمِ المُخادِعِ: أن يكونَ حَسَنَ القَولِ، سَيِّئَ الفِعلِ، بَعيدَ الغَضَبِ، قَريبَ الحَسَدِ، حَمولًا للفُحشِ، مُجازيًا بالحِقدِ، مُتَكلِّفًا للجودِ، صَغيرَ الخَطَرِ، مُتَوسِّعًا فيما لَيسَ له، ضَيِّقًا فيما يملِكُ) [6487] ((الأدب الصغير)) (ص: 53). .
وصفُ أحوالِ اللَّئيمِ:
إذا كان ضِدًّا للكَريمِ فهو لئيمٌ، فإذا كان رَذْلًا نَذْلًا لا مُروءةَ له ولا جَلَدَ، فهو فَسلٌ.
فإذا كان مع لُؤمِه وخِسَّتِه ضَعيفًا فهو نِكْسٌ، وغُسٌّ، وجِبسٌ، وجِبْزٌ، فإذا زادَ لُؤمُه وتَناهَت خِسَّتُه فهو عُكْلٌ وقُذْعَلٌ وزُمَّحٌ، فإذا كان لا يُدرَكُ ما عندَه مِن اللُّؤمِ فهو أبَلٌّ [6488] ((فقه اللغة)) للثعالبي (ص: 110). .
أقوالٌ مُتفَرِّقةٌ في اللُّؤمِ:
- قال حكيمٌ: (السَّفَرُ ميزانُ الأخلاقِ؛ لأنَّه يُفصِحُ عن مَقاديرِها في الكَرَمِ واللُّؤمِ) [6489] ((ربيع الأبرار)) للزمخشري (3/ 7). .
- وعن عائشةَ رَضي اللهُ عنها قالت: (كُلُّ شَرَفٍ دونَه لُؤمٌ فاللُّؤمُ أَولى به، وكُلُّ لُؤمٍ دونَه شَرَفٌ فالشَّرَفُ أَولى به) [6490] ((البيان والتبيين)) للجاحظ (2/ 67)، ((الفاضل)) للمبرد (ص: 7). .
تُريدُ أنَّ أَولى الأُمورِ بالإنسانِ طَبائِعُ نفسِه وخِصالُها، فإن كان كَريمًا وآباؤُه لئامٌ لم يضُرَّه ذلك، وإن كان لئيمًا وآباؤه كِرامٌ لم ينفَعْه ذلك [6491] يُنظَر: ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (2/ 149) و (3/ 359). .
- وقال قُسُّ بنُ ساعِدةَ: (لأقضيَنَّ بَيْنَ العَرَبِ بقَضيَّةٍ لم يقْضِ بها أحَدٌ قَبلي ولا يرُدُّها أحَدٌ بَعدي: أيُّما رَجُلٍ رمى رَجُلًا بمَلامةٍ دونَها كَرَمٌ فلا لُؤمَ عليه، وأيُّما رَجُلٍ ادَّعى كَرَمًا دونَه لُؤمٌ فلا كَرَمَ له) [6492] ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (3/ 358). .
أصلُ الأخلاقِ المذمومةِ:
أصلُ الأخلاقِ المَذمومةِ كُلِّها يرجِعُ إلى ثَلاثةِ أُمورٍ:
الأوَّلُ: الكِبرُ.
الثَّاني: المَهانةُ.
الثَّالثُ: الدَّناءةُ.
فالفَخرُ والبَطَرُ والأشَرُ، والظُّلمُ والبَغيُ والتَّجَبُّرُ، والعُجبُ والخُيلاءُ والحَسَدُ، وإباءُ قَبولِ النَّصيحةِ وطَلَبِ العِلمِ، وحُبُّ الرِّئاسةِ والجاهِ: كُلُّها أمراضٌ قَلبيَّةٌ ناشِئةٌ مِنَ الكِبرِ.
والكَذِبُ والمَكرُ، والخِسَّةُ والخيانةُ، والرِّياءُ والحِرصُ، والخَديعةُ والطَّمَعُ، والجُبنُ والبُخلُ، والعَجزُ والكسَلُ، والفزَعُ والذُّلُّ لغَيرِ اللهِ، ونَحوُها: كُلُّها أمراضٌ قَلبيَّةٌ ناشِئةٌ مِنَ المَهانةِ والدَّناءةِ وصِغَرِ النَّفسِ [6493] ((موسوعة فقه القلوب)) للتويجري (3/ 2638). .

انظر أيضا: